.. يعلمه (نوح) وامرأته تعرف حكمته .. مذ نوح الاول ذاك الجواب عباب البحر .. وغراب الشؤم ينبش عن جيف ملقاة على محدودب قفا الموج .. والريح فحيح .. هذا نوح يصمد بوجه هجوم الطوفان .. يحمل سلال الصبر متاريس صمود وأرغفة ظفر .. فالارض جذور في أخاديد كهولته .. دع عنك الثملان من صِرف دنان الخمر .. وتسكع أيها الهارب في جب الخمر ، او غدران الاحزان .. "هيا -نادى نوح - فلنبن سداً يأوينا من جمر البحر .. فالصبر والعرق المنثور بلا وهن الحملان " فالحوذي ينادي :
هيا للهرب الخائف ، نأوي في الفلك المسحور .. يقينا شر لطوفان .. هيا يا نوح الكهل التعبان .. فالاول من أزلام اليأس كان الداعي لركوب الفلك المأفون .. وأدع من كل زوجين اثنين .. يروم يغادر ولادته لكن (النوح) المجبول من القهر ، أبداً لن يفر .. يتسلق جدار رجولته .. لن يهرب مذعوراً .. فاللبلاب رقيق ، ورخيم الصوت يتجذر في نسغ خلايا الارض .. يأخذ من اشذاء الريح ، وشعاع النور رجولته غذاء صموده حتى النصر .. وتلك حمائم بلقاء تبتني أعشاش العشق على الجدران ، لتمنع كر الغدران .. أما بنو مهزوم ، لبسوا ابداً أكفان هزيمتهم ، ليغادروا (أوروك) الباسلة .. اما كروا فلقد فروا .. قد كان ديدنهم ذاك .. خفافيش نهار .. والطوفان العاتي يخيف الوجلين .. أزلي الكر بماء البحر .. والماء أجاج .. وبنو مهزوم لبسوا ناموس هزيمتهم بين شقوق الجدران .. تاريخاً يحفظه الخلان .. نوح يا نوح ، انت جديد في الصبر لقهر البحر - هذا ليس بنوح الاول يقول الملأ الفرقاء .. تتغضن انفاس القوة عنده .. لا يمنح للطوفان الملح ، فالبحر اجاج .. يفترس قرابين المأزومين بجلابيب الخسف .. (يا نوح اجبنا ماذا نفعل؟) .. (نظل هنا؟) .. وهو يحب الله كثيراً ، ويبوح (وندعو الله كثيراً) :من يهرب من حرب الطوفان أبداً يظل جبان .. لن يبني سداً .. يبحث عن رابية سكناً او غصن ريان .. ونوح أبداً يقذف حكمته بوجه الريح ، وموج البحر .. فرق المذعورين (طير هجر العش .. يظل طوال العمر بلا عش) .. اما من يرفع شفاه الزق أبداً ثملان .. ان مات بموج الماء او موج دنان الخمر ، فسيان .. وينوح يصيح يلسع الريح ، اذ باح بوجه كهولته العتالون (الا تركب معنا ، لن يعصمك من الطوفان السد) نادى من ظهر رجولته (تعالوا أفرك فيكم جبهتكم كي تعرق ، حتى يخجل فيكم من يخجل) .. ولكن لاحياء لمن ينادي .. ديدان واهنة الصبر .. لم تكتنز الفحولة منذ عجاف .. غرس الطاغوت مديته بفحولتهم .. أرداهم في وهن الفكر .. هذا نوح ينبئكم ان تبنوا سداً او تزرعوا ورداً .. تضعوا حداً للطغيان ، للطوفان الاتي من ظهر خطوط الابدان .. يبصق في احداق لواحظهم .. وشفاههم تمتص لعاب انوثتهم ، باعوا حبات حقول كرامتهم للجرذان .. نوح لن يبرح رمال الارض .. لن يبرح ابداً لمنفى البحر .. بل يلقمه حجراً ، كي يوقف زحف الطوفان (للارض على قدمي الحق) .. (لست بمجنون حتى افجع داري بغيابي) (فالعالم خارج داري سجن ضيق ، وانا فيه المسجون) .. ان شئتم يحترمكم طغيان المد قووا سد عزيمتكم .. لن تأتيكم من خارج أديم رجولتكم .. فجبان من يخشى الكثبان من يجبن امام السنة الطوفان لن يستأهل حب الرمان .. او عطر زهور البستان . فـ(المشهد الاول يمسرح أحداثه .. كل يأخذ ناصيته ليفجر دوره .. ورؤوس تنتظر ساعة الصفر كي ترسم دورة أفعالها : أسماك ، حيتان ، غربان ، وبوم ،ودنان الخمر تفوح ثمالتها لتخدر وجع المخمورين .. و (المشهد الثاني) في بيت نوح الجديد المجبول من عرق السنين .. كهل وحكيم جداً وشريك فحولته تطالبه (أيقظ حكمتهم بالنصح) .. وفي المشهد الثالث يستعر المسرح من هلع وفزع .. الناس يتراكضون .. امواج وازيز فهل ستقوم القيامة ؟ ام يرعب الطوفان خوافق المهزومين من صخب الكبرياء ؟ والحيرة تقتحم الباب (الناس المجتمعين في ذعر) كما في (المشهد الرابع) يفلسفون خنوع هزيمتهم مقهورين وفيهم (بنو مهزوم) اذ يهمي المشهد حزناً عاراً ، يتأسى الفر بباب الكر .. ليرضى النحر لن يرحل هذا (نوح) من جبلة هذي الارض .. فيقول (قزمتم طول الحكمة في صدري) .. لا بد إذن ينتصر هذا العملاق المقدود من الصخر والعشب والحب لجذر الارض .. من فاز بخطوط شجاعته معه تنمو .. في المشهد الخامس حيث يفوز بالكبرياء (نوح ومن شارك برد الطوفان) ينتشــرون على مرتفــــع من اليابسة وكأنهم يمشون على ظهر النصر .. يتشمــــــسون من بلل الماء .. اقداح الشــــاي بأيديهم ، الوقت للراحة) .. إذ هي راحة المنتقدين الالى يحمون الارض .. وطيب العرض .. حتى وان تطاولت ألسنة غدر الامواج .. وعناء ظلامها وظلمها من رحم الوخز .. من موج البحر .. فالظفر - كما يقول لنا نوح - لكل من ملأ أكياس الصبر .. وصخر الصمود في شقوق الوهن .. لينهزم الموج الكالح .. فتشع سنابل الشمس على حقول رياض الطيور والصغار الحالمين .. وكـــــما أراد ذلــــك (محمد علي الخفاجي) فـــــي أوروك .