يبدو أن الطغاة في التاريخ لا يتعظون ولا يعظون من يخلفهم، ولا ينتفع الطاغية الجديد ممن سبقوه إلا بحدود اساليب قمع الشعب وتجويعه وترويعه ، أما فكرة الانحناء امام الشعب وسماع صوته فهذه أقرب للخيال في بلداننا، التي اكتوت بنار الطغاة والدكتاتورية.
لقد سبقهم صدام بأخذ الشعب رهينة وزجه في حروب مجنونة، وحين خسر الحرب والمال والرجال والدعم الدولي، الذي انقلب عليه، طأطأ رأسه " لهم!" حتى وصل الأمر بلجان التفتيش الدولية أن تدخل غرفة نوم صدام امعانا في اذلاله. لقد ضعف صدام حينها كثيرا، وأحنى هامته لأطراف عديدة، ولكنه لم يفعلها مع شعبه بل بالعكس زاد من تجهيله وتجاهله.
الكبار فقط هم من ينحنون أمام شعوبهم وليس الفاسدين والسراق والموتورين والبلطجية، وهذا ما يحدث اليوم في عراقنا إزاء هذه الهبة العظيمة، انتفاضة تشرين المباركة، إذ اننا لا نجد آذانا صاغية، بشكل صادق وحقيقي، لمطالب الجماهير المنتفضة، بل على العكس، فمحاولات اسكاتها واخراسها بواسطة قمع وحشي لم نالفه إلا في عهد سلفهم المقبور! اذا كانت الجزائر بعيدة جغرافيا عنا، فها هي لبنان على خطوات منا، وفي كلا البلدين انتفاضة تشبه ما يقوم به شعبنا، ولكننا لم نسمع عن قتل المتظاهرين واختطاف النشطاء المدنيين!
ما بالنا نحن العراقيين نوغل بالقتل؟ أليس من يحكمنا اليوم كان في الأمس القريب معارضا لدكتاتور اهوج؟! الم يجتمعوا في "معارضة" من أجل عراق مزدهر وتداول سلمي للسلطة بلا حروب أو معارك؟!
لا أفهم ما يجري! يبدو كنا مخدوعين بكم وكنتم تضحكون على ذقوننا، لانكم لا تحترمون وثيقة أو قولا أو دستورا، وهذا ما نراه اليوم وانتم تتربعون في أعلى هرم السلطة!
اشبعتم شعبنا الطيب المضحي بدمه وبروحه مذلةً ومهانةً، وبوجودكم ازداد الفقر اتساعا وانحدر التعليم وتخلفت الصحة ودمرت البنى التحتية. وسبق ان اسستم لحرب طائفية كادت أن تحرق الاخضر واليابس لولا جهود ثلة من الشرفاء الذي ساهموا بإطفاء جذوتها! تقلدتم المناصب المختلفة ولم تحققوا مكسبا واحدا سوى توزيع البطالة بشكل عادل على معظم شرائح المجتمع!
اصغوا إلى شعبكم، وأحفظوا كرامته وكرامتكم، وارحلوا كما يطالبكم شعبكم. أليس هو من أتى بكم؟ اصغوا اليه فإنه لم يعد يطيق وجودكم!
اذهبوا وتمتعوا بما جمعتم من أموال بالحلال او بالحرام، اذهبوا واتركوا لنا العراق، فنحن قادرون على تدبر أمره لانه يبادلنا الحب، لا الحرب التي تسعون لها، واشبعتم اولادنا في ساحات الاحتجاج قتلا وخطفا واعتقالا.
اطمئنكم بأن الانتفاضة لن تخمد، ولم يهدأ بال لذوي الشهداء، ولن يعود المنتفضون الى منازلهم الا برحيلكم، وهو الحد الأدنى لمطالبهم!