الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
الانقلاب محسوباً بلغة الازمات المستدامة:

المالكي يعيد انتاج نفسه...

يصعُب على المالكي ان لا يرى نفسه مركز اهتمامٍ دائم، حتى اذا كان باعث هذا الاهتمام أزمة تستفحل، أو مصيبة تحلّ بالعراق، وتتهدده في الصميم. ويبدو ان الرجل غطس حتى أذنيه في "نعيم" السلطة، واستطاب امتطاء كرسي الحكم، وتوهم انه لن يفارقه تحت اي ظرف، وبأي ثمن.

ومن بين الكم الذي لا ينقطع من النصائح والاقتراحات التي تُقَدٓم له، التقط رئيس مجلس الوزراء، بحساسية الطامع في الجاه والسلطة، فكرة كاتب سيناريو، افاض بمحاسنها في لقاء له مع جمع من المثقفين في حضرته بإلقاء حديث اسبوعي، اسوة بالزعامات التاريخية التي ينتظرها الناس، لثقة بما لديها من تجربة وخبرة، او لما فيهم من حكمة وقراءة تاريخية موصوفة.

وفات السيناريست ان يستدرك، فيوضح ان الاقتراح لا اساس له سوى في الافلام او المسلسلات، ويندر ان يقوم بمثلها زعيمٌ او رئيس دولة، ربما باستثناء يتيم لا يقبل المقاربة. وقد اصبحت هذه الاطلالة الاسبوعية "مصنعاً" لانتاج الازمات او لتدويرها، ومنبراً لتذكير قادة الكتل والبرلمان والشعب بانه، ها هنا، حاكمٌ بأمره، متفردٌ في ادارة الدولة، كما يريد، مصان غير مسؤول، يوزع الاتهامات الكيفية، ويهدد القريب قبل البعيد، ويعلن الحرب، او يُهادن، يوزع الاراضي، او يحجب المال والحقوق، ينذر ويحذر، مستعيداً القول الشهير "أنا الدولة، والدولة انا.. ومن بعدي الطوفان".

اعمى الضمير فقط من لا ينتبه الى ما قام به السيد المالكي من "منجزات" قال في خطابه، ان البرلمان أعاق عن عمدٍ توسيع نعمها، وما درته من خيراتٍ على جموع الشعب خلال ولايته المنتهية بعد اسابيع.

ولنتفحص، مع هؤلاء "العميان" بعض تلك المنجزات:

- تقويض العملية السياسية، وتفكيكها، وتحويلها الى مجرد "لافتة" تستظل بها تدابيره المناقضة للدستور، لتكريس سلطته الفردية، وتصفية الحياة السياسية "الديمقراطية".

- خلق بيئة سياسية، وحاضنة ملائمة، لعودة "القاعدة" و"داعشها"، عبر اثارة فتنٍ طائفيةٍ و"مكائد" سياسية للايقاع بالشركاء والحلفاء، بما فيهم المتشاركون معه في "التحالف الوطني الشيعي"، بحيث انتهى الامر الى تحول البلاد الى ساحات ومسالخ لقتل الابرياء وتدمير ممتلكاتهم، وتعريض الدولة الفاشلة نفسها الى خطر الانهيار.

- جعل الفساد، بكل اشكاله واساليب ممارسته، ظاهرة متفشية في كل اجهزة ومرافق الدولة، وتحول النهب المنظم، سواء بالتجاوز على المال العام، من خلال عمليات المناقلة في الميزانيات الضخمة في الوزارات الامنية ومرافقها، او العقود التي ظهر فسادها، والشبهة في ابرامها، أو مشتريات السلاح، او المشاريع المناطة بشركات وهمية، او غير ذلك من الفساد الاداري والمالي البعيد عن اي صيغة مأمونة للمراقبة.

- تحريك الجيش والقوات المسلحة، باتجاهات واهداف، محرّمة دستورياً، وادخالها طرفاً في الصراع السياسي، وتحويلها، خلافاً لمهامها الوطنية "الدفاعية" وشؤون حماية الامن العام، الى أدوات قمع وملاحقة وفض دموي للمظاهرات السلمية المطالبة بالاصلاح السياسي والاقتصادي، واستباحة الاعتصامات، وترويع العراقيين المختلفين "حقاً او باطلاً"، "مبالغة او في سياقات طبيعية مشروعة".

- استهداف اقليم كردستان بحجة، مكان حلها البرلمان، وتحريك الدبابات الى مشارفها، ثم التوجه الى الانبار والمناطق الغربية، وخوض عمليات قتالية دون غطاء دستوري، وعزل الجيش فيها عن الناس المهمومين بغياب الامن، وتوسع نفوذ القاعدة وداعشها.

- تحويل بغداد ومدن اخرى الى ثكنة عسكرية، لا حول لها او قوة في ملاحقة الارهاب، وانما نتيجتها "تلويع" المواطنين المقهورين، بالتزامن مع توسع دائرة العمليات الارهابية، وتمكينها من الانتشار والوصول الى اهدافها بيسر ملفتٍ وقوة نيرانٍ تتعدى حدود قوى ارهابية معزولة عن المواطنين.

- تغذية قوى الارهاب، وتمكينها، بدلاً من تجفيف مصادرها، عبر انكشاف جدران ومغاليق السجون امام عمليات تهريب العناصر الاجرامية الاكثر خطورة، وتكرار هجماتها على السجون المحصنة وفقاً للادعاءات الحكومية.

- بقاء كل الخدمات ومرافقها، على ماهي عليه من انعدامٍ او تخلفٍ او افتقارٍ، مع تبخر الموازنات المفترضة لها، واستمرار معاناة القطاعات الشعبية، وتوسع ظاهرة البطالة، المباشرة والمقنعة، وازدياد سكان بيوت الصفيح، وآكلي الفضلات، وتوسع الاوبئة والامراض، وتخلف التعليم، وتعمق معاناة الارامل والايتام والمشردين..

- ازدياد ظاهرة المحسوبية والحزبية الضيقة، حتى ان الدعاة من الموالين للمالكي، اصبحوا دولة في كل دائرة وجهاز، وصار اركان عائلة رئيس مجلس الوزراء، علناً وبألقابهم، متنفذين في اجهزة الدولة ومرشحين لعضوية ورئاسة مجالس المحافظات ومجلس النواب، ولم يعد "معيباً" ان تظهر صور سكرتير رئيس مجلس الوزراء، وزوج كريمته، في الشوارع والميادين، مصحوبة بالشكر والدعوات له على ما يقدمه من نعمٍ وهبات..

- وضع اليد بشكل مباشر، على المرافق الاساسية في الدولة والجهاز الحكومي، من خلال تعيين مريدين وعيون، وتعطيل صلاحيات الوزراء والمسؤولين، بصيغ الالتفاف عليها.

- تعطيل دور القضاء، وتكييف القوانين..

- الغاء دور السلطة التشريعية فعلياً، منذ اصبح البرلمان تابعاً للسلطة التنفيذية، محروماً من اصدار التشريعات، وتحديد صلاحياته باقرار القوانين التي تحوُل له من الحكومة! ولم يعد هذا التحديد يُرضي المالكي، فعنّف البرلمان وهدده في خطابه الاخير، لانه يغير ما تحوله الحكومة من قوانين، ويضيف عليها! اي ان البرلمان وفقاً لما يراه، لا ينبغي ان يخرج عن دوره كديكور لا غير..!

- اما ظاهرة السيد احمد نوري المالكي، التي تحولت مع حادثة الطائرة الاسيرة الى ظاهرة "اولاد الخايبة" فقد تجاوزت كل حدود، وهي تشي بان الدولة الفاشلة اصبحت رهينة الابناء والبنين، متجاوزة الارادة الابوية التي أنعمها الله علينا في الولايتين المعروفتين للجميع بما فيهما وما عليهما.

هذه الجردة الاولية، تشكل رداً على ما يريد ان يوهمنا به السيد المالكي، من وجود اعاقات يضعها البرلمان على طريق حكومته العتيدة ومنجزاتها، متناسياً ان العراقيين ليسوا كلهم من اتباع دولة القانون، ولا عميان كُثراً بينهم، اما الافاضة فأتركها للقراء الذين يعايشون اكثر مني صعوبات الحياة اليومية وأوزارها..

وللحق، لابد من وقفة امام واقع الحال الذي ابتلينا به، على كل صعيد. فليس من الانصاف وضع اللوم كله على المالكي وفريقه، فقد قٓبِلٓ البرلمان، وقبلت الاطراف السياسية "تٓحٓكُم" المالكي وولده وفريقه، في الدولة، على فشلها ومحدودية ارادتها، ولم تتخذ المواقف الكفيلة بردعه منذ اول خطوة دشنها، في رفض اشغال الوزارات الامنية، وانفراده بها، فهذه وحدها كانت سابقة خطيرة تكفي لاسقاط دزينة من الوزارات على شاكلة وزارتنا العتيدة.

أبلغ ماجاء على لسان المالكي في خطابه المفوه:

انه المسؤول الاول التنفيذي المباشر لعمل الدولة وفقاً للدستور، ناسيا بتعمدٍ ان الدستور يقر بانه المسؤول عن تنفيذ قرارات وتوجهات مجلس الوزراء، لان المجلس وفقاً للدستور هو صاحب الصلاحية عن كل القرارات والتوجهات الملزمة لرئيس المجلس وعليه ان يتذكر ذلك.

وعليه ان يتذكر جيداً ما دام يستشهد بالدستور، انه ليس رئيساً للوزراء، ولا رئيساً للحكومة، ولا رئيساً للدولة، بل رئيساً لمجلس الوزراء، وبين الصفتين، ما بينهما من بون شاسع لا يدركه من ليس رجل دولة ولم يصبحه بعد. ولم يضع المشرع هذه الصياغة عبثاً، بل استدرك، وانتبه الى من يمكن ان يتلاعب ويعبث بأصول الدستور..

  كتب بتأريخ :  السبت 08-03-2014     عدد القراء :  4728       عدد التعليقات : 0