الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
العودة إلى اعتماد أدوات الخطيئة..خطيئة أعظم:قوى الإرهاب والتكفير تتوحد فمن الكفيل بمواجهتها..؟

كل وطنيٌ غيور لابدّ ان تتأجج مشاعره في هذه اللحظة التاريخية الفارقة، حيث يصبح الوطن في مهب الريح السوداء والعواصف المغيرة من كل اتجاه، وهو حائرٌ ماذا يفعل، ومن شدة حيرته، وضعف حيلته، قد يستسلم لنوبة بكاء هو أشبه بالعويل ، ويبحث عن خيار مقنع للإسهام في جهدٍ للإنقاذ، أو لوقف التدهور وتداعياته. وأينما يمم وجهه، راعهُ هذا الإسفاف في تحويل الأنظار الى ما يرفع المسؤولية عن الجريمة، والمسبب لها، والتمويه عن حقائق ووقائع مخزية قادت اليها، دون التركيز على الحالة التي اصبحنا عليها، ونحن نواجه لأول مرة، بهذه الجسامة والتهديد، خطر زحف قوى الإرهاب " الملتحمة " في جيشٍ انكشاري واحد، رغم تنوع انتماءاتها وايديولوجياتها واختلاف شعاراتها.

وليس التوقف عند ذلك كله، مردُّه الرغبة في التشفي وتصفية الحسابات السياسية أو الشخصية، ولا الانتقام، على حشدٍ من الأخطاء والخطايا والكبائر التي قام بها الفريق الحاكم، فـ " عفا الله عما سلف " اذا كان ذلك ثمناً لإنقاذ ما تبقى من العراق، وسلامة أرواح العراقيات والعراقيين. وإنما الهدف في التوقف عند توصيف دقيق تفصيلي، للحدث الجلل الذي أدى الى استسلامٍ مدينة عراقية، ليست كسائر المدن، وإعادة ترتيب الأوضاع من كل جوانبها، سياسياً وأمنياً وعسكرياً، لتنظيم هجومٍ معاكسٍ يعيد قبل كل اعتبارٍ آخر، القيمة والهيبة للُّحمة الوطنية، ووحدة نسيج المجتمع، ويصفي الحساسيات المتراكمة، بين المكونات، التي لا تكتمل خارطة العراق إلا بحضورها مجتمعة فيها، تحدد تضاريسها، وتغني وحدتها بتنوعها.

إنها لحظة، ليست ككل اللحظات التي اجتزناها معاً، وتحملنا صروفها واعباءها، وتجاوزناها بوعينا وتكافلنا، وبطاقة التحدي بسلاح الأمل الذي ظلل مسيرتنا، في امكانية عبور الأنفاق المظلمة التي بدت في كل مرة، كما لو أنها " شفا الهاوية " ونهاية العراق..  

إن المواجهة في هذه اللحظة، تتطلب حضور العقل " المغيَّب " والحكمة المستضامة.

وليس بمقدور كل وسائل وأدوات القوة ونيرانها، وأجهزة الردع، ان تحول الهزيمة الى نصرٍ محقق، دون اعتماد العقل والحكمة وحُسن الدراية والتمكين بها مجتمعة. والعقل لن يقود الى الحكمة وحُسن العاقبة، دون ادراك البيّنة، التي لا تتحقق هي الأخرى دون الصراحة، بكل ما تنطوي عليها من مراراتٍ وما تؤدي اليها من صدماتٍ كاوية.

وما يجري منذ إعلان سقوط الموصل الحدباء، أو ما يقال، لا يربطه أو يجمعه مع الصراحة، أو أسباب العقل والحكمة جامع أو وصل أو جرأة من القيادات المعنية بالمواجهة من خارج الفريق الحاكم. وكل ما يدور ويقال، " إنها مؤامرة " ومكيدة ليس مسموحاً الكشف عن عوراتها. وليت ما يقال يكشف اخطر ما في هذه " المؤامرة " والضالعين فيها، والقوى الحقيقية التي تشارك فيها، تحت واجهة داعش.

إن احداً من المسؤولين عن إدارة الملف المشؤوم، لا يتجرأ فيقول إن من يقوم بعمليات احتلال الموصل وصلاح الدين والقصبات الاخرى، ويهدد بالزحف على بغداد، هو تحالف " غير مقدس " بين تنظيمات البعث النائمة في " جيوب الدولة " وحواشيها، والآتية عبر الحدود المفتوحة على سورية، وجماعة الضاري، والتنظيمات المسلحة للعشائر، وخلايا النقشبندية الموالية لعزة الدوري، التي التحفت جميعها برايات " داعش "، وقبلت أن تتشارك معها قضم أول حصادٍ مغرٍ في العراق المُبتلى.

وأول ما يميز هذا التحالف غير المتجانس، الذي سبق للبعث العراقي أن جربه في انقلاب 8 شباط 1963، أساليبه في التعامل مع أهالي المدن والنواحي التي يحتلها، إذ يتقدم لهم بشعار "الخلاص من الخنوع الطائفي"! والتحرر من تبعات النهج والسياسات التي تستهدف المكون السُني. وهو شعارٌ مخادعٌ دون شك، وكلمة حقٍ يُراد بها باطل، لكنه، مُرضٍ في الوهلة الاولى، لمن يتلوى " بين النار والرمضاء " ! وليس أمام المواطنين من متسعٍ أو خيارٍ، وهم يعيشون محنة هيمنة قوى تتحكم بمفاصل حياتهم في غياب الدولة، للتفكير بالهدف المباشر الذي يجمع القطعان المسلحة الغائرة عليهم، المتمثل " باغتصاب إرادتهم " تحت مُسمّىً طائفي، وتطمينهم مؤقتا، ريثما تستقيم لهم الأمور، ليبدأ الاقتتال بين الفصائل، وتنازعها الدموي على السلطة، وفرض البرنامج المعبر عن توجهات ومصالح كل فصيل وجماعة وحزب. حينذاك، ستتضح المسافات بين الشعارات الخادعة ومصائر الملتاعين بالمخاوف والشكوك، وقد انفردت بهم الجماعات الإرهابية.

( 2 )

اذاً، الحديث عن الزحف على بغداد، مشروع سياسي يراود بقايا النظام السابق، وقد أعيد تسليح ضباطه وتمكين قادة الحرس الجمهوري الذين ظلوا في مكامنهم، في الموصل وبغداد وأينما تيسر لهم ذلك، في مفاصل الدولة ومخابراتها وأجهزة امنها، يكمنون لاقتناص الفرصة المواتية، والخروج الى الطريق المفضي بهم ثانية الى السلطة، بعد ان انكشفت سلطة التغيير الكبير عن خدعة أكبر بتولي المالكي زمام السلطة خلال ولايتين، ولا اسوأ منهما منذ سقوط الطاغية.

ولايتان تبدت فيهما اقبح أوجه التمييز والانفراد والإقصاء والتهميش والفساد ونهب الدولة. وماذا يمكن لمواطن يُشحن على مدار اليوم والساعة بصنوف المكاره والأذى والتحريض على الكراهية، أن يفعل وهو يستيقظ على وقع خطىً وتحركاتٍ تدّعي الانتصار له ولطائفته التي لا يستطيع القول انها لم تكن مستهدفة أو منكفئة بفعل كل أشكال التجاوز؟

ولكن يظل في الوقت من متسعٍ لإعادة صياغة السؤال الممض، هل اصبح هؤلاء الأسرى من العراقيات والعراقيين في الموصل والمناطق الغربية، أمام خيارٍ وحيدٍ ، قوامه القبول بالانغلاق في الكانتونات الجديدة التي يريدها لهم الارهابيون الطامعون بكل تلاوينهم الايديولوجية والسياسية، ورفض النهوض بالمهمة الوطنية الملحة التي تفرض عليهم، وهي التصدي للإرهاب بكل الوسائل المتاحة وتحرير إرادتهم من مغتصبها، وما يخبئه لهم بمجرد استتباب الأمر له..؟

( 3 )

صياغة هذا السؤال، تتطلب، التوقف عند جوابٍ ملحٍ يتعذر أي حلٍ بدون التشديد على مخارجه، وإزالة أي التباسٍ يحول دون أن يكون حمّال أوجه.

أيمكن أن نبدأ مسيرة إصلاح جذريٍ، يُرسي أسس مصالحة وطنية مجتمعية، على قاعدة المواطنة الحرة السيّدة؟

أيمكن أن تعتمد هذه المسيرة، كمقدمة، على الدستور، رغم شوائبه، وإعادة معافاة المجتمع وأفراده، بتجنيبهم التجاوز عليه، بالتعدي على حقوقهم وحرياتهم وضمان المساواة بين الأفراد والجماعات والمكونات. وترسيخ قواعد الحريات العامة والخاصة..؟

أيمكن أن يشاع مناخ لا يرى فيه أي مواطنٍ في " الدولة " ومؤسساتها وأجهزتها، أعداء متربصين به، في كل مراجعة وهمٍّ وشكوى ضيمٍ ودعوى استرجاعٍ حقٍ ..؟

أيمكن للمواطن أن يأمن مصير الاستهداف بكل أشكاله وأساليبه، والقتل على الهوية.؟

أيمكن أن نعيد للعراقيين التفاؤل والأمل، بمستقبل ديمقراطي آمن متطور، مشمول بخيرات عصر الحضارة والتقدم واكتشاف تخوم المستحيلات ..؟

أيمكن أن يشعر العراقي، الشيعي، قبل السُني، التركماني والكردي، والمسيحي والايزدي، قبل العربي والمسلم، بأنه مصدر السلطات وسيد مصيره وخياراته...؟

أيمكن، ويمكن... ان يبقى العراق، عراقاً، واعداً، يستعصي على الانكسار، والانحناء، أمام مطامع من تغويهم السلطة الغاشمة، كما نحن عليه من حال، وكما انتهينا بفعل ذلك الى حال ..؟

أيمكن.......؟

( 4 )

يمكن أن نُعين أهلنا في الموصل والمناطق الغربية، بإعادة الاعتبار لهويتهم الوطنية، وإبعاد الشكوك عن ولائهم لوطنهم، ولكن علينا في سبيل ذلك، أن نرفع الحواجز والأسباب التي أقامت بيننا أسوار الشكوك والهواجس والضغائن، ليس بيننا كمواطنين، ولا بسبب ما فعلناه إزاءهم، وانما بفعلٍ مُنفِّرٍ مجحفٍ، لكل عراقي، بغض النظر عن هويته الفرعية، من سلطة جائرة متسلطةٍ مهووسة بكرسيها وامتيازاتها وأوهامها. أغرقت البلاد والعباد في أزماتٍ لا تنتهي، وفوضى جارفة، كان معروفاً لكل عاقل بصيرٍ، الى أين تقود.

( 5 )

التمكين لأهلنا يتحقق بالشروع فوراً بعملية إصلاح شاملة، لا تنطوي على المحاصصة وسرقة وتقاسم الغنائم الحرام. ومثل هذه المصالحة تبدأ بالسياسة، وتنتهي بما تقره من برامج وسياساتٍ ومفرداتٍ دالة على النزاهة والمصداقية والنزوع الجاد نحو تجاوز الماضي البغيض ..

وهل لهذا أن يتيسر، دون إزاحة المسؤول والمسبب الأول لهذا الانحدار الذي نتدحرج في متاهاته المظلمة..؟

أيتيسر هذا، دون تشكيل حكومة إنقاذ وطني، ينزاح من ملامحها، ما يعبر عن اللوثة الطائفية البغيضة..؟

أيكون الحل، والانتماء الوطني، لمن يدعي الإخلاص للعراق والعراقيين، التزام جانب الصمت عن السياسة الفردية الاقصائية، المغامرة، وتبرئة من غاص في وحل الأزمات غير المبرأة من الشبهات، بحجة مواجهة " مؤامرة " وضرورة حشد القوى لدحر الإرهاب وإنقاذ بغداد..؟

أيكون الحل بالإمعان في إغراق البلاد بالفوضى ووضع المواطنين أمام مصير غامضٍ يزعزع حياتهم وثقتهم بالمستقبل، والمطالبة بتوكيل المسؤول عن الهزيمة بمزيد من صلاحيات " إعلان الطوارئ " رغم انه لم ينقطع عن ممارستها خلافاً للدستور طوال ولايتيه..؟

أم أن الدعوة لجيش رديفٍ، ستكون المنقذ، بعد ان صار الجيش المليوني، عبئاً ومثاراً للتساؤلات الغامضة ..؟

( 6 )

الحل الوحيد الممكن، يمر عبر استعادة ثقة المواطنين من الأسرى الموصليين وغيرهم الذين ابتلوا باحتلال جحافل الإرهابيين، وإظهار ان المعركة القادمة انما تجري تحت شعار الوطن لكل العراقيين، والدولة للمواطنة الحرة غير الملوثة بالانحيازات الطائفية والفئوية الفاسدة.

( 7 )

والمرجعية العليا في النجف مدعوة لاستكمال ندائها الذي التبس على البعض، خصوصاً في الفريق الحاكم، وتلقاه كما لو أنه خشبة نجاة له، وليس للعراق، وتزكية لسياساته ونهجه المدمر.

المرجعية العليا مطالبة بالدعوة للدفاع عن العراق، بوحدة العراقيين ومكوناتهم، ونبذ الانسياق وراء الدعوة لتشكيل جيش رديف، ليس له سوى معنى واحد لا غير ...جيش من لون طائفي واحد..!

وهذا ليس خيار المرجعية، ولا خيار كل وطني عراقي، لأن هذا الخيار المحموم والمشبوه بخبائل السلطة، يعني إصدار مرسومٍ بتقسيم العراق، والانحدار نحو هاوية الحرب الأهلية..

  كتب بتأريخ :  السبت 14-06-2014     عدد القراء :  5058       عدد التعليقات : 0