الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
ثرثرة على هامش السياسة
بقلم : عبدالمطلب عبدالواحد
عرض صفحة الكاتب
العودة الى صفحة المقالات

السياسة نشاط انساني، يرتبط بحياة الناس اليومية، ولها دورها المؤثر في تقرير مصائرهم وتحديد ملامح مستقبلهم، بغض النظر عن رغبتهم او ارادتهم، ذلك لان النشاط الانساني اجمالا، ينشأ ويتطور بدافع الحاجة والضرورة، المتلازمتين والمتداخلتين في الزمان والمكان. غير ان ارادة الافراد يمكن ان تلعب دورا ايجابيا في اتجاهات التطور الاجتماعي ، عندما تعي مصالحها وتمتلك القدرة على التعبير عنها، في نمط من العمل السياسي الجمعي.

ان المجتمعات الانسانية محكومة بانساق متعددة من النظم و الممارسات السياسيه، التي افضى اليها التطور التاريخي للحياة الاجتماعية، واغتنت بالتجارب البشرية والمعارف المنبثقة عنها. وتشكل ادارة الدولة والحكم، وطابع السلطة، محتوى وجوهر السياسة نظريا وتطبيقا. ومادامت السياسة ترتبط بادارة شؤون المجتمع بكافة افراده، يصبح الاستقلال عن السياسة ليس امرا غير مجد فقط، وانما غير ممكن، حيث ان اللاسياسة هنا تغدو عمليا، وجها عكسيا للسياسة .

وما دامت ممارسة السياسة من وجهة نظر العديد من المفكرين فنا لادارة الصراع المجتمعي، والعلاقات والمصالح ، او فن الممكنات، الخ..... يعرفها البعض ايضا بانها : (كيفية توزع القوة والنفوذ ضمن مجتمع ما أو نظام معين. كذلك تعرف السياسة بانها العلاقة بين الحكام والمحكومين أو الدولة وكل ما يتعلق بشؤونها أو السلطة الكبرى في المجتمعات الإنسانية وكل ما يتعلق بظاهرة السلطة)

وفي التجربة الملموسة للحياة السياسية، تتعدد الرؤى تعريفا وتطبيقا، و يمكن لنا ان نضع تحت عنوان السياسة عددا من التوصيفات الايجابية والسلبية، فهي فن التقدير الصحيح للموقف ولموازين القوى، للتمكن من ادارة الصراعات وضبطها، والقدرة على تدبير التوافقات. والسياسة ابداع على صعيد التخطيط والتنفيذ، وجودة في الاداء الفردي والجماعي، واثراء الحياة الفكرية والثقافية. وفي جانب اخر، هي النضال من اجل قضية عادلة، والرغبة المخلصة في خدمة الاخرين، والتضحية من اجل حياة حرة وحقوق انسانية، والسياسة ايضا عمل خلاق لتنمية مستدامة ولكيفية توزيع الثروة.

وفي فن السياسة حوار ومفاوضات وفي السياسة عنف وحروب، وفيها واقعية واعتدال وفيها مغامرة، وفيها احساس مرهف بالمشاعر الوطنية النبيلة، وفيها الفوضى والطائفية، فيها احلام الحالمين، وفيها ازدواج الشخصية والبطانات، وفيها النفاق والمداهنة والمهادنة والتمسكن والضعف والضعة والتبعية والوصولية والانتهازية .

و لاهمية السياسة في حياة الامم والشعوب، تحولت الى علم متخصص قائم بذاته، يدرس في ارقى الجامعات والمعاهد العلمية في شتى انحاء العالم .

لقد دأب البعض على النظر الى الجانب الكالح من السياسة، بتعميم مطلق، لا يتيح له رؤية الافق الواسع والمساعي المتواصلة للارتقاء بالتاريخ الانساني نقلة الى الامام.

وتعويضا لعهود الظلم والاستبداد، ولحماية السياسة من نفسها، وللتخفيف من اضرارها المباشرة والجانبية، ابتدعت البشرية في خضم كفاحها من اجل حياة افضل، وتوقها الدائم للحرية، قوانينا وضعية، وثقافة دستورية ومواثيقا دولية ومحلية لضمان السلم والامن والتكافؤ في الحقوق والواجبات، وطورتها بما يضمن حقوق الانسان والديمقراطية، والعدالة الاجتماعية.

والمفارقة المحزنة ان عالمنا العربي والاسلامي على خصام شديد مع هذه الثقافة ومع سنن التطور اجمالا، والمشكلة لا تتعلق بالانظمة السياسية والمؤسسات الدينية وحدها، وانما تشمل قطاعات مدنية واجتماعية واسعة، بما فيها من يدّعي العلمانية والديمقراطية.

ان "  ثقافة"  تقديس سلطة القائد، سواء كان عشائريا، دينيا، ام سياسيا، تغور عميقا في لاوعينا الفردي والجماعي، وتتكرس يوميا في التعامل مع الشارع والمدرسة والمؤسسات الحكومية والمدنية، وهي تشكل اهم معوقات النهوض، و تقطع الطريق على كل محاولات الفكاك من اسر ادران التاريخ، وثقافة البداوة، وفيها وعليها يقوم الاساس الفكري للهويات الفرعية، والنزعات الطائفية، التي تتغذى عليها ماكنة الفساد والارهاب والعنف. وبالملموس فان الدولة او اللادولة في عراقنا "الديمقراطي"...، تحارب داعش بالحشد الطائفي والمليشيات.

وعودا على سلطة القائد الفرد، وللتخفيف عن اعبائها الكارثية، ليس ثمة من خيار، غير التوجه نحو ترسيخ الاجراءات الديمقراطية، حوارا و تشريعا وثقافة، على صعيد الدولة، والمجتمع والاحزاب والمنظمات. والبدء اولا بسن القوانين التي تحد من سلطة الفرد في حق اتخاذ القرار، و ايجاد اليات دستورية لمتابعة تطبيقها بصرامة. لان في تاريخنا القريب وتجاربنا الراهنة كثيرا ما قادت الفردية والاهواء الشخصية في التعامل مع الواقع المعاش، ليس لارتكاب الاخطاء فقط، وانما للماّسي والويلات التي نتجرع مرارتها كل يوم، بل في كل لحظة.

  كتب بتأريخ :  الأربعاء 10-09-2014     عدد القراء :  2229       عدد التعليقات : 0