الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
دم في الشوارع

تشيلي، الدولة الأمريكية اللاتينية، نالت استقلالها من الاستعمار الاسباني عام 1818 وانتخب شعبها أول حكومة ديمقراطية سنة 1861، وصدر دستورها في 1925. وفي عام 1958 تم انتخاب "اليساندري بلما" الليبرالي رئيساً للجمهورية، فقام بعدة إصلاحات اجتماعية عارضها الجنرالات، لكن تشيلي ظلت ديمقراطية. وفي 1970 حدث التغيير النوعي بمجيء حكومة الوحدة الشعبية وانتخاب سلفادور اليندي رئيسا للجمهورية، والذي لم يحكم سوى ثلاث سنوات، حيث اطاح به انقلاب عسكري أسود قاده الجنرال الدموي "بينوشيت"، لترزح البلاد تحت حكم الحديد والنار دهرا وليتعطل البرلمان والدستور.

لم يكن الانقلاب عفويا، بل كان موجها ومدعوما من الـ C.I.A والحكومة الأمريكية. وفي يوم الانقلاب، الحادي عشر من أيلول عام 1973، حاصرت الدبابات الفاشية القصر الرئاسي وطالبت الرئيس بتسليم نفسه، والاستقالة. إلا أنه رفض الخروج والرضوخ، بل ارتدى الوشاح الرئاسي الذي يميز رؤساء تشيلي وتصدى لهم متحديا، فاقتحموا القصر وقتلوه وهو يقاوم.

ثم ذهب القتلة الى بيت حامل جائزة نوبل الشاعر الشهير بابلو نيرودا الذي كان عضوا في قيادة الحزب الشيوعي وعضوا في مجلس الشيوخ ومرشحا سابقا للرئاسة. اقتحموا بيته، وعندما سألهم: ماذا تريدون؟ أجابوه بأنهم يبحثون عن السلاح، فزجرهم بقوله أن الشعر هو سلاحه الوحيد.

بعد أيام، وتحديدا في ‏23‏ أيلول ‏1973 رحل نيرودا كمدا وحزنا وقهرا من زوار الفجر وهو يقول: "لقد عادوا ليخونوا تشيلي مرة أخرى".

مناصرو حكومة الوحدة الشعبية، واثر وصول خبر اغتيال اليندي، نظموا مهرجاناً حاشدا في ملعب العاصمة، وكان الفنان "فيكتور جارا" حاضرا، فبدأ يغني للثورة والحرية والفقراء. كانت وقفته مهيبة، يغني وعيناه تقطران دما، حتى وصلت دبابات الانقلاب الى مشارف الملعب. فحاصروه وأغلقوا أبوابه جميعها، ثم طلبوا من فيكتور جارا، من باب السخرية والاستهزاء، أن يغني أغنيته (النصر للبسطاء) التي غناها قبل ثلاث سنوات في المكان نفسه تحية لانتصار اليسار، وفعلا بدأ فيكتور جارا يغنيها، والمسدسات والبنادق فوق رأسه، بدأ يغنيها ويداه تتمزقان من عزف الجيتار، حتى سال دمه وتجرحت يداه من شدة تأثره، فبتروا يديه وقهقهوا وصرخوا به أن يعزف ان استطاع، فبقي يغني،... غنى وغنى وغنى حتى أردوه قتيلا بأربع وأربعين رصاصة حاقدة، وأبادوا الألوف المتواجدين في الملعب، في إحدى أبشع المجازر الدموية. كان جارا يغني:

"نحن خمسة آلاف،

هنا في هذه الزاوية الصغيرة من المدينة،

فكم نحن في العالم كله؟"

وعرفانا لمأثرته، صار الملعب يحمل اسم "ستاد فيكتور جارا"، وعندما اكتشف عالم الفلك السوفييتي "نيكولاي ستيبانوفيتش" - عامئذ - كويكبا جديدا، سماه "فيكتور جارا".

وفي بغداد، أهداه وغنى له شبيهه جعفر حسن عام 1973 أغنية تقول كلماتها:

"سانتياغو،

دم في الشوارع

دم في المصانع

دم في البيوت"

غنى له، وكأنه يغني عن بغداد والعراق اليوم..

  كتب بتأريخ :  الأربعاء 17-09-2014     عدد القراء :  3402       عدد التعليقات : 0