الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
خلل في عقيدة الحكم

لا يمكن لدولة ان تُدار من دون عقيدة حكم واضحة ومعلنة، لها قدرة الانفتاح على فروض ولوازم الادارة وسلطة القرار والاجابة على الاسئلة التي تطرحها التحديات والاحداث واستيعاب موجبات تحقيق التنمية والاستقرار وكبح الاخطار ودورات العنف، ولا يمكن لهذه العقيدة ان تكون فاعلة وضامنة من دون ان تتسع لمفهوم الجماعة والوطنية بكفالة القواسم المشتركة لمجموعة المصالح التي تخص المكونات والشرائح السكانية عبورا من فوق النصوص الدستورية، والادق، استلهاما لروح الدستور لا نصوصه.

لكن، ينبغي ان نستدرك القول للتمييز بين مفهومين: عقيدة ادارة الدول والانظمة السياسية وعقيدة ادارة العبادات والايديولوجيات، ولا يعني التمييز هذا الفصل بينهما، فهو شأن يتصل بمستوى الوعي واحكامه وتجلياته في السياسة، لكن المطلوب ان يكون للمرحلة التي يمر بها بناء الدولة وادارتها وبرامجها عقيدة تنظم فعل الارادات المختلفة في سياسة واحدة تستند الى تلك الارادات، من جهة، وتكون ملزمة للارادات وموضع احترام الجميع من جهة اخرى..

التجاذبات التي عصفت في صفوف الطبقة السياسية الفائزة بنتائج انتخابات نيسان الماضي ومخاضات ولادة الحكومة الجديدة كشفت عن غيابِ موصوف "العقيدة الوطنية" وظهر على السطح وفي الممارسات والتحالفات والاصطفافات ان ثمة عقائد بينيّة كثيرة، متضاربة، ومتقابلة، وجامدة، ومتخندقة، لا يجمعها إلا الخوف من ضياع كل شيء، او انقلاب القارب على من فيه، أو ضغوط الجمهور، أو المناورة في منطقة الانتقال، ولم تفعل هذه الاعتبارات فعلها لخلق عقيدة حكم متجانسة (وقل متقاربة) في الرؤى والتطبيق، ومتضامنة عند الحد الادنى من المتطلبات، بل انها حالت دون صياغة عقيدة المرحلة التي يمكن ان تساعد في عبور البلاد الى بر الامان.

على ان عقيدة الحكم ليست وصفة يمكن نسخها عن تجربة لدولة اخرى، لكنها، بالمقابل، ليست اجتهادات يقترحها (أو يطبقها) زعيم سياسي او مجموعة من شريحة سياسية محددة، ولا هي ملفا سريا في مكتب صاحب القرار والمسؤول عن ادارة الدولة، بل هي تحديدات في الامن والحرب والسلام والعلاقات والاقتصاد والمواقف معبر عنها في الثقافة والاعلام والفعاليات الاجتماعية، وتتضمن خطوطا حمراء رادعة (مثل تحريم استخدام العنف وتأجيج الكراهيات الدينية والقومية) مثلما تتضمن ترخيصات لا تقبل الارتهان والتعدي (مثل الحريات والحقوق المدنية) انها هنا تكتسب صفة عقيدة الحكم الرشيد في نهاية المطاف.

نعم، لدينا خلل واضح في عقيدة الحكم الرشيد التي ينبغي تُجهّز من قبل العقول المتحررة من خنادقها، وتكتسب صفة الرجاحة من التطبيق السليم لفروضها.. ومن ممارسة الحكم على انه خدمة وليس امتيازا.

*******

"الغريب ان لا يتعظ المنتصرون من هزيمة عدوهم".

روزفلت

  كتب بتأريخ :  الخميس 18-09-2014     عدد القراء :  3549       عدد التعليقات : 0