الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
\" فرويد \" والحالة العراقية

أتابع ما يكتبه الزميل علي عبد الامير ، كونه يلامس الكثير من قضايانا الجوهرية، بالأمس تحدث " ابو سلام " عن حالة الانكار التي تتلبس العديد من سياسيينا ومسؤولينا ، وعرج ليذكرنا بشيخ فلاسفة علم النفس " فرويد " الذي ظل مصرا الى اخر يوم في حياته على تقسيم حالتنا الحياتية إلى ثلاثة أقسام: ما قبل الوعي، ثم الوعي، ثم اللاوعي. . ولو تسنى له ان يعيش بيننا اليوم لتحدث عن حالة مابعد اللاوعي التي تصيب معظم العاملين في مؤسسات الدولة ، وهم يتحدثون عن ملفات مثل النزاهة والفشل الامني وتبديد الثروات واقصاء الكفاءات .

لعل اسوأ فعل يمكن ان يقوم به المسؤول هو ممارسة إنكار الواقع وعدم الاعتراف بالحقيقة..

كان خطيب الثورة الفرنسية "ميرابو" يبتسم حين يسمع خطب الحاكم " روبسبير " قائلا "هذا الرجل مصر على ان يقنع الناس بان تصدق ما يقوله.. بينما هو في قرارة نفسه يضحك من جهل الآخرين وحماستهم"، هكذا يقدم لنا ميرابو صورة الحاكم الذي لا يسمع غير صوته...

حالة " الانكار " التي يمارسها معظم ساستنا ومسؤولينا " الافاضل ، هي ظاهرة ليست وليدة المرحلة الراهنة ولكنها والحمد لله ترسخت منذ عقود .. حتى وجدنا مسؤولا مهمته متابعة ملفات الفساد يخرج علينا بكل صلافة ليقول " ماكو " "لا فساد حقيقيا في العراق بل اشكال بسيطة من الرشوة في الدوائر الخدمية".

من هو الحرامي ومن هو النزيه؟ سؤال يحيرني كلما طالعت تصريحات لكبار المسؤولين تتحدث عن محاربة الفساد الاداري والمالي وتدعو لاتخاذ إجراءات حاسمة تحد من انتشاره، والمعركة مع الفساد لم تبدأ اليوم ولن تنتهي اليوم أيضًا، فمادام هناك مال سائب ستجد اللصوص يحومون حوله، بل يذهب البعض الى اصدار فتاوى تبيح سرقة المال العام باعتبار ان القائمين علية لاتهمهم مصلحة الناس، فشاهدنا ولاول مرة مستشفيات تسرق ومدارس ومؤسسات حكومية تنهب.

المواطن يتساءل لماذا أنتجت الحكومات الأخيرة وزراء فاسدين؟، لماذا اصبحت النزاهة حالة استثنائية أصحابها شواذ ومروجوها وان وجدوا فإنهم لايعدون سوى حالات استثنائية.

أصبحنا نقرأ ونسمع عن وزراء فاسدين وظفوا موازنة وزاراتهم لمنافعهم الشخصية، وغادروا من غير أن يتركوا منجزا واحدا يذكر الناس بما يجري..

ممارسة السرقة اصبحت امرا طبيعيا مادام المسؤول لايحاسب واقصى ما يتعرض له الاقالة مع حفظ حقوقه التقاعدية وما يترتب عليها من امتيازات، وزراء ومسؤولون سرقوا من مال البلد اكثر من ميزانيات دول الجوار مجتمعة وغادروا من غير أن يقتص منهم، واكل الفاسدون من اموال الناس مالم تاكله شعوب افريقيا مجتمعة، لاول مرة في تاريخ النظم السياسية نجد ساسة يغادرون البلد حال فشلهم في الحصول على منصب جديد، فما الذي يبقيهم وأموالهم وقصورهم ومشاريعهم في الخارج! ولو راجعت لجان رقابية متخصصة في اموال وارصدة المسؤولين السابقين لاكتشفت العجب العجاب!

وزارات مارست الفساد بشكل واسع، وشهدت خروقات مالية كبيرة وضاعت مليارات الدولارات بالهدر والسرقة وسوء التدبير ولم يحاسبهم القضاء الذي لم يقل كلمته حتى هذه اللحظة ولم يقتص من اللصوص ولم يبادر بنشر التفاصيل على الملأ ليعرف الناس على وجه الدقة من هو اللص ومن هو النزيه.

كانت مشكلة بعض مدعي السياسة ، العثور على سكن مناسب وإذا بهم اليوم بعد دخول الحكومة والبرلمان يملكون القصور والشقق في لبنان ودبي ولندن.

تخيلوا لو أن مسؤولا عراقيا اتهم بالفساد وسرقة المال العام ، ماذا كان سيفعل؟ حتما سيصف متهميه " بالثلة الفاسقة " وبأنهم يريدون تسليم العراق إلى عصابات داعش ، وان هناك مخططا تقوده خلايا البعث بالتعاون مع إرهابيي القاعدة لتشويه سمعته ولصرخ بصوت عالٍ انه باقٍ في منصبه إرضاءً للجماهير التي لا تنام ، الا وهي تضع صورته تحت الوسادة. هذه هي الحالة العراقية التي سيعجز عن ايجاد تفسير لها حتى " فرويد " نفسه .

  كتب بتأريخ :  الجمعة 19-09-2014     عدد القراء :  3816       عدد التعليقات : 0