الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
\"سرى\" ..حدثينا عن الحلم

من بين جميع الأخبار التي نشرتها وسائل الإعلام حول السبي الداعشي ،ومحنة أهالي الموصل ، والإصرار على أن يتولى " مونتغمري العراق " رياض غريب وزارة الداخلية ، ووسط المشاهد المضحكة للديمقراطية العراقية التي لا يزال فيها ساستنا " الأكارم " منشغلين بتقديم فواصل من التهديد والوعيد لكل مَن يُطالب أو يطلب مساعدة دولية في مواجهة دولة الخليفة ، وخطب ساسة مصرِّين على أن يحملوا رسالتهم " التنويرية " بتأسيس جامعة للبنات ، ومنع ارتداء الملابس " المزركشة " في دوائر الدولة .

وسط كل هذه الفواصل المسرحية التي لم يجرؤ حتى عمنا " الشيخ زبير " على كتابة فاصل واحد منها ، كان هناك مشهد عراقي بامتياز بطلته فتاة عراقية من الموصل اسمها " سرى حميد نصيف " التي تروي حكايتها مع الحلم وكأنها تقص علينا فصلا من حكايات ألف ليلة وليلة فتقول :

"في يوم 11 حزيران توفقت الحياة في المدينة وانتهى كل شيء بمجرد مشاهدتي إعلان تأجيل امتحان مادة الأحياء في المناطق الساخنة بسبب الأحداث في الموصل والشرقاط وبيجي".

وتتابع سرى : "في 18 حزيران بدأت في حي المصافي اشتباكات عنيفة وسقط أول صاروخ على جيراننا حينما كنت أُراجع مادة الكيمياء وخرجنا من البيت بسرعة للنجاة بأرواحنا ولكني كنت متمسكة بخيوط الأمل وعلى يقين بأني سأكمل بقية الامتحانات .

وتواصل سرى حكايتها "خرجنا في اليوم الثاني ولم يتسنَّ لي اخذ أي كتاب إذ كنت أظن أن الوضع سيستقر في غضون يومين أو ثلاثة أو أسبوع ، نحن أحسن حالاً من غيرنا إذ اغلقنا باب البيت وخرجنا، فكثير من جيراننا لم يغلقوا أبواب بيوتهم بسبب الهلع والخوف في تلك اللحظات".

وتتابع "دخلنا كركوك وبقيت مع عائلتي ودخلت المستشفى بسبب الخوف والذعر الذي أصابني من سقوط الصاروخ بالقرب من بيتنا".

وهناك بدأ بصيص من الأمل يلوح في الأُفق بالنسبة لسرى، بعد صدور قرار يسمح للنازحين بأداء الامتحانات.

وتقول سرى "بدأت بالقراءة في 20 تموز، ولم أكن أعلم في أية مدرسة سأكمل الامتحانات فوزارة التربية لم تحدد مدارس معينة لأداء امتحانات للنازحين في ديالى، فاضطررت للسفر مع والدتي إلى بغداد لأداء الامتحانات في جامعة بغداد التي خصصت للنازحين، ولم تجهز القاعات الامتحانية حتى الساعة التاسعة صباحاً فبقينا ننتظر تحت لهيب الشمس ودرجة الحرارة اكثر من 45 درجة مئوية".

وتواصل سرى حديثها عن المعاناة، "أكملت الامتحانات في بغداد بعد ظروف صعبة ألمت بعائلتي التي فقدت البيت والجيران والممتلكات والوظيفة لا سيما والدي المهندس في مصفاة بيجي، الذي ظل يتابع نشرات الأخبار ما أصاب بيته ومكان عمله".."كنت أجتهد لأصنع لوالدي فرحة في هذا الظرف الصعب".

عادت سرى إلى عائلتها في ديالى، تنتظر إعلان نتائج الامتحانات، وتقول: في الحقيقة.. كنت أتوقع أن أحصل على معدل لا يتجاوز الـ 90 في المئة"..لكن النتائج الرسمية وضعتها في مصاف الطلبة الأوائل في العراق، بمعدل 99 في المئة.

وفي رسالة وجهتها سرى إلى كل شخص يعاني في هذا البلد، تقول: إن "الشخص الوحيد الذي يحقق الحلم أو يعدمه هو الشخص نفسه.. مهما تكن الظروف أو تصب بغير مصلحتنا ، دائماً لحظة اليأس هي لحظة الوصول.. والأحلام ليس لها تاريخ انتهاء صلاحية وليس لها حدود".

ربما ستكون صورة سرى وحكايتها العجيبة هي افضل ما سيرتسم في مخيلة العراقيين ، وهم يجربون الحلم المستحيل . . الحلم بمستقبل ، ليس شيعياً ولا سنياً، مستقبل عابر للطوائف والمذهبيات .

كان تشرشل يملك أكثرية في مجلس العموم ، وحين وقف البعض ضده استمع إلى أصواتهم قائلا "إنه الحلم ببريطانيا مستقرة " فلا عصمة لأحد في الأنظمة الديموقراطية ، حيث مصلحة البلاد أهم بكثير من كرسي الحكم

شكراً يا سرى لأنك حدثتينا عن الحلم .. سيرمي التاريخ في سراديب نسيانه كل ساسة الصدفة ، ويبقى حلمك سطوراً ناصعة تروى للأجيال القادمة .

  كتب بتأريخ :  الأحد 21-09-2014     عدد القراء :  3720       عدد التعليقات : 0