الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
دولة الانشاء
بقلم : نبيل ياسين
عرض صفحة الكاتب
العودة الى صفحة المقالات

مازلنا في دولة الانشاء.  كل منجزاتنا هو الخطاب الانشائي لسياسيين تنفيذيين وتشريعيين يقودون دولة بالانشاء.  الانشاء القاتل للشعب القتيل .

ليس صدفة ان يظهر مرة واحدة خطباء انشاء المساجد مع خطباء انشاء البرلمان مع خطباء انشاء السلطة مع خطباء انشاء الفضائيات والصحف.

دولة الانشاء دمرها الانشاء. الانشاء المسلح. الانشاء الفاسد. الانشاء الحاقد. الانشاء المنتقم. الانشاء الطائفي. الانشاء القومي. الانشاء الديني. في كل هذا الانشاء ليس هناك وجود للبشر. ليس هناك  وجود للحقوق ولا وجود للحقيقة.  لا وجود للفكر.  لا وجود للثقافة. لا وجود للمعايير. لا وجود للقيم.

هذا وضع حقيقي. غير متخيل ولا افتراضي.  لان نتائجه تدل عليه. من خراب الوضع الاجتماعي الذي تمزقه الطائفية المسلحة، وحدود المناطق حسب طائفتها ، الى العراك السياسي على مناصب وغنائم تستخدم مفاهيم مضللة مثل الاستحقاق الدستوري والاستحقاق العددي والاستحقاق الانتخابي. كما تدل عليه اهدار الموازنات السنوية على مشاريع لا يظهر منها حائط واحد. ورغم عشرات القصور الرئاسية ، التي لم تتحول الى قصور ثقافة او متاحف او قصور مؤتمرات واجتماعات ، فان الحكومة والبرلمان مشغولان كلاهما ببناء مبنى جديد للبرلمان، ومبنى لرئاسة الوزراء بكلف تصميمية وانشائية عالية جدا، ولعدة مصممين، تصل الى اكثر من مليار دولار تكفي لبناء عشرات المئات من الوحدات السكنية للمواطنين في وقت الغي فيه مفهوم الاراضي الزراعية التي تحولت الى قصور وبيوت تقلص المساحات الزراعية وتهدد مستقبل العراق الغذائي، اذ وصل الوضع في العراق الى اعتباره منطقة عجز غذائي تستورد الحنطة والرز والخيار والطماطم والخضروات والفواكه بمليارات الدولارات سنويا

اليس هذا وضع حقيقي وواقعي ملموس ومرئي تشهدًه مناطق سهل نينوى والموصل واربيل ، كما تشده مناطق الشامية وغماس. وتشهده البصرة الموطن السابق لاكثر من عشرين مليون نخلة تم قطعًها، وتشهًده العمارة الموطن  السابق للبنجر السكري .

اين الخطاب الانشائي السياسي الصرف، الايديولوجي الصرف ، المناطقي الصرف ، من تركيزه على  اهمية تلافي هذه الخسائر الوطنية الكبرى؟ لكن بدلاً عن ذلك تنطلق التصريحات المتشنجة للتصعيد الطائفي والقومي والايديولوجي. الحميع يمارس ذلك مع الاسف. اقصد القوى السياسية التي من النادر ان تجد فيها عقلانيين ووطنيين يهتمون بمصالح الوطن وناس هذا الوطن وهؤلاء يلوذون بالسكوت والانتظار لا اكثر.

لا يوجد برلمان في العالم المتمدن يدفع مثل هذه الرواتب والامتيازات لاعضائه واقارب اعضائه وعوائل اعضائه، ويشجع ممارسة نوابه على التحريض واثارة التمييز الاجتماعي والقومي والطائفي. ولا توجد حكومة  تفشل فيعاد تشكيلها بتغيير مواقع وزرائها انفسهم  ليشغلوا مواقع اخرى من جديد.

طبعا يختلف مفهوم الفشل بيننا وبينهم.  فالفشل المقصود هو اخفاق الوزارة بنتفيذ برنامجها. ولكن اية وزارة قدمت برنامجها واعلنته وبناء على ذلك يتم المصادقة عليها. طبعا لا اقصد برنامج الانشاء الذي تقدمه كل وزارة ، الانشاء الذي يمتلئ بالكامات الكبيرة القضاء على الفساد. تعزيز وحدة العراق. القضاء على الفقر. تحقيق العدالة. وغير ذلك من شعارات لا تعي اي برنامج محدد وملموس.

ما الذي تسعى اليه الحكومة الحالية؟ من حقنا ان نتساءل وهي في بداية عملها؟  هل تسعى لخدمة مواطنيها ام لتفويض الامريكان والفرنسيين ، ومن ثم الناتو على الارجح، القيام بعمليات عسكرية ضد داعش؟

اكثر تناقضات الحلف الدولي الذي شهدته باريس الاسبوع الماضي ضد داعش، هي القضاء على داعش في العراق وتسليحها في سوريا. وفي هذا الحلف من المفترض ان تقوم الدول السنية مثل قطر والسعودية والاردن بالدفاع عن الحكم الشيعي في العراق والذي هو جزء من الهلال الشيعي في نظر تلك الدول.

استعادة تجربة العهد الملكي الوزارية

تبدو الحكومات منذ ٢٠٠٣ حتى الان ، وكأنها استعادة لحكومات العهد الملكي .  كان هناك ناد احتل مكانه اتحاد الادباء الحالي يدعى نادي العشرة. شكله عشر رؤساء وزارات تبادلوا المنصب طوال سبعة وثلاثين عاما من عمر النظام الملكي. كانوا يتبادلون المناصب فيما بينهم . فاذا لم يكن احد منهم رئيس وزراء يصبح في الوزارة المشكلة وزير دفاع، او وزير خارجية ، او وزير داخلية ، او وزير عدل ، او مالية.  كان ذلك احد اهم اسباب سقوط النظام الملكي فقد كانت هذه الظاهرة تعمق العزلة بين الشعب وبين الحكم .

اليوم نعيد هذه الظاهرة ويتبادل حكام الوزارات السابقة مواقعهم.

توصف الديمقراطية من بعض منتقديها الديمقراطيين بانها حكم النخبة. لاحظوا انهم لم يقولوا حكم الاقلية. ولدينا لا توجد نخبة ولكن اقلية سياسية. وهذه الاقلية السياسية تتجاهل بشكل تام مطالب المجتمع ، وتتعامل معه كحشد من الاميين والجهلة الفارغين الذين لا حقوق لهم. اما المواطنة وحقوق المواطنة الواردة في الباب الثاني من الدستور فقد ادخلها كتبة الدستور لانها موجودة في كل الدساتير. الدساتير الديمقراطية التي تعترف بهذه الحقوق والدساتير الدكتاتورية التي تتركها كما يقال حبرا على ورق. وكانت احد اهم اسباب بقاء اسكوتلندا ، اضافة الى اسباب مهمة اخرى، ان لا مواطن يشكو من قمع او غياب حرية. ولا مواطن يشكو من عدم اهتمام بريطانيا بصحته وبطالته واسرته وتعليم ابنائه. وقد تصاعدت النقاشات حول مصير برنامج الرعاية الصحية اذا استقلت اسكوتلندا لان العجز في هذه البرنامج سيصل الى نصف مليار جنيه استرليني.

رؤيتي الواقعية تقوم على ما يلي:

ان الحكومة  لم تتشكل بناء على رغبات وطنية وانما على رغبات اقليمية ودولية. اي كما كان الحال في العهد الملكي. هذه حقيقة وليست اتهاما. واذا كان العراق غير مقسم دستوريا فانه مقسم سياسيا وواقعيا. مقسم على دول الجوار بحيث لا يستطيع سياسي لا يملك دعما اقليميا او دوليا من الفوز في الانتخابات التي يشك في ان نتائجها النهائية ليست بريئة، اذ تتلاعب بها اصابع الجوار واصابع العالم وفقا لخارطة معدة قبل النتائج. والنتائج الاخيرة هي التي تساهم بصياغة رأي عام يكرس ايمانه بان لا فائدة من التغيير المستحيل وان لا يمكن لغير هؤلاء الاشخاص الفوز.

تكرس نتائج الانتخابات والانتخابات نفسها الطابع الطائفي والمناطقي للتقسيم. واذا وصلنا الى تشكيل حرس وطني للمحافظات ، اي جيوش محافظاتية، فذلك يعني اننا سنحمد الله على تقسيم العراق الى ثلاث دويلات . فتشكيل حرس وطني فخ واسع وعميق سنقوم اذا وقعنا فيه ، بتقسيم العراق الى اربع عشرة دويلة فيها اربعة عشر جيشا  بدون ان يكون لنا جيش وطني موحد، يوحد العراق. ان العراق يواجه مثل هذه الاحتمالات التي يتم العمل عليها. لكن التاريخ لا يرحم في احيان كثيرة. فمثلما تحاول داعش توحيد الدولة الاسلامية لابد ان تحاول قوى وطنية اليوم او غدا اعادة توحيد العراق دون ان تستخدم سلاح وايديولوجيا داعش.

من المؤكد ان العراق اليوم ليس لاهله. ولكن متى كان العراق لأهله؟ . انه ليس قدرا ومصيرا ، ولكنه جيوبوليتيك وثقافة. جيوبولتيك وضع العراق في قلب العالم ، وبالتالي قام بادوار حضارية تاريخية عبر امبراطورياته المتعاقبة الاكدية والبابلية والاشورية والعباسية وانتج ثقافة تستوعب التعددية اجتماعيا وترفضها سياسيا، وهذا ما يجعل العراق غير مستقر. فالثقافة الاجتماعية تواجه صراعات الثقافة السياسية.

حروب آلهة ووكلاء تجاريون

لا يبدو العراق مقبلا على الاستقرار بقدر ما يبدو انه يواجه اضطرابات مناطقية وسياسية. طبعا ، واستنادا الى القانون الدولي المعاصر، لا يملك اي بلد حق تقسيم بلد اخر. لكن القانون الدولي لا يمنع الدول الكبرى من ان تعمل على تمزيق الوحدة الوطنية سياسيا لكي تمزقها ثقافيا واقتصاديا. فالثروات كانت وما تزال الدافع لاعمال السياسة التي تاخذ طابع اعمال الحرب او التدخل بكل اشكاله. واذا تطابقت مصالح افراد او قوى سياسية مع مصالح دول متنفذة ، فحينذاك سيدعوا العراقيون هذا التطابق في المصالح بالعمالة كما وصفوا نوري السعيد وغيره من سياسيي العهد الملكي.

نحن في مثل حالة العهد الملكي تقريبا او اسوأ منها. لان ذلك العهد كان منسجما في ولائه وانتمائه لبريطانيا التي كانت تستبدل الوجوه والاسماء نفسها في لعبة انتهت الى ان تكون مملة ومزعجة ولا فائدة من ورائها. فحصان طروادة كان دائما موجودا ليتركه المنسحبون وراءهم ليأخذوا طروادة من داخلها. وما داعش اليوم الا مثالا على احصنة طروادة.

لا تختلف الاسطورة الاغريقية عن الاسطورة الرافدينية اختلافا شديدا. وفي احيان كثيرة تبدو متشابهة. فالاساطير الاغريقية تعزي حرب طروادة الى مشاحنة بين الهة الاولمب الاثني عشر وخلاف بين الربات الثلاث هيرا وافروديت واثينا حول من منهن الاجمل واقدام باريس ابن ملك طروادة ، الذي تنبأت العرافة بانه سيكون سبب دمار طروادة، بخطف هيلين الطروادية زوجة منيلاوس شقيق اجاممنون ملك اسبارطة.

كانت هذه المرأة سبب الحرب بين الابطال. لكن لا احد خطف عشتار، وانما هي التي كانت تحث الالهة على القتال من اجل ملاذها. في اثينا واسبارطة وطروادة يتقاتل الرجال وفي بلاد الرافدين تتقاتل الالهة.

ظلت هيلين مع باريس. لم ترجع لزوجها مع زوجها. وفي طروادة تقاتل الابطال وقتلوا جميعا : هكتور واخيل وانتهت الحرب في طروادة لكن حرب العراق لم تنته بعد.

لو استطعنا السيطرة على ملذات عشتار وتقلباتها العاطفية لانهينا حروب الالهة في بلاد الرافدين

لكن لكل الهة تحارب في العراق وكيل تجاري وله اتباع واقرباء لابد ان يحصلوا على مغانم الحرب وانفصالها ومثلما لم يفد نصح الالهة لعشتار بالسيطرة على شهواتها لا يفيد نصح احد للوكلاء التجاريين في العراق ولا لالهتهم.

كتب كثير من المؤلفين والصحفيين عن تدمير العراق. هم يقصدون التدمير التلمودي حيث السبي اليهودي البابلي لا يغيب عن الاذهان. لا احد يريد ان يتخلص من التاريخ. فتاريخ السبي مثل تاريخ الحروب الصليبية. وتاريخ الصراع الصفوي - العثماني مثل تاريخ الصراع الساساني- المقدوني، وتاريخ العهد الجمهوري مثل تاريخ العهد الملكي. وفي كل اعادة وتمرار هناك ثمن جديد على العراق ان يدفعه وعلى العراقيين ان يدفعوه.

لكن غالبا ما تكون الجغرافيا مسؤولة عن صناعة التاريخ. هل العراق قلب العالم ام قلب الظلام؟ هل العراق الحضارة ام الانسان ؟ هل العراق النفط ام نقطة تلاقي طرق العالم البرية والبحرية والجوية ايضا؟ طريق الحرير. طريق الهند. طريق الصين. طريق خراسان ام الطريق الى جنة عدن؟

لكن في كل مرة يندلع فيها صراع يكثر الكلام.  لسنا وحدنا في الانشاء . كل امة العرب تفعل ذلك. امة (كلمانية) لكنها لم تعد تجيد وصف الكلمات.امة تتكلم كثيرا. تفكر قليلا. لا تقرأ. لا تتأمل. لا تنظر الى الامام. لا تصمت.

امة تسير دون ان ترى. وتتكلم دون ان تسمع .

حتى ربيعنا العربي تحول الى عواصف دامية وزوابع واعاصير وهزات ارضية ولم نعد نرى ربيع البحتري:

اتاك الربيع الطلق يختال ضاحكا         من الحسن حتى كاد ان يتكلما

التحالف الدولي وتناقضاته .. داعش وخراسان والمهدوية

الغرب لا يريد لنا الديمقراطية. وهو حارب كل ديمقراطي حقيقي يريد اقامة نظام ديمقراطي ووضعه في قائمة سوداء يعرفها معظم السياسيين العراقيين ويتصرفون مع الديمقراطيين على اساسها. انه يعتبر شعوب الشرق الاوسط شعوبا بدائية يجب تشجيعها على ان تتحارب دينيا وطائفيا. وليس مستغربا ما يعتقده العراقيون من ان وراء صناعة داعش نفس القوى التي تريد القضاء عليها الان سواء الاقليمية او الدولية . فهل قاربت داعش على ان تنجز مهماتها التي اوكلت اليها، خاصة وان القاعدة قد دخلت سوريا هذه المرة بعنوان (جماعة خراسان) الا ترون المهدوية في الاسماء والرايات والازياء؟ جماعات ارهابية متطرفة تأخذ من فكر الشيعة تفاصيل المهدوية وتسعى الى تطبيقها؟ ما الهدف من وراء ذلك؟ وجماعة خراسان في نظر المخابرات الامريكية اخطر من داعش. كيف يمكن ان نحل هذا التناقض؟

وكيف يمكن للعراق ان يحل التناقض الذي قام على اساسه مؤتمر باريس للتحالف الدولي؟ دول مولت وسلحت داعش وكانت صوتها الاعلامي الناطق، ثم فجأة يطلب منها ان تساهم في التحالف الدولي للحرب على داعش.

كيف يمكن ان يحل العراق ودول التحالف معا ازدواجية الموقف من داعش. تمويلها ودعمها في سوريا والقضاء عليها في العراق.

واذا كان من حق الدول الاقليمية والعالمية عقد مؤتمر دولي فلماذا لا تقدم الحكومة العراقية على عقد مؤتمر وطني في العراق لا يقتصر على مشاركة الوزراء وانما رجال الفكر والبحث والمعرفة والثقافة لدراسة الوضع العراقي ومستقبله ومستقبل مكوناته التي يكثر الحديث عنها اكثر مما يكثر عن العراق. فالحديث يدور عن مكونات العراق الثلاثة وكأنه يدور عن ثلاث دول وثلاثة امم وثلاثة شعوب.

واذا كان العراق قد فقد الولاء الوطني من كثير من سياسيه، فذلك لا يعني ان نفكر بتفكيك العراق،  بل بإعادة وحدته على اسس ديمقراطية ينال بموجبها كل مواطن حقوقه الدستورية بشكل متساو ومتكافئ

ها هي انجلترا ( تتوسل )  قبل يوم الاستفتاء على الاستقلال، على لسان سياسييها ومسؤوليها باسكتلندا ان تبقى ضمن المملكة المتحدة. وينشغل سياسيو ومواطنو اسكتلندا بحقوقهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية فيما اذا ظلوا في الاتحاد البريطاني او انفصلوا. ولم يرفع احد منهم شعارات فارغة وايديولوجية انهم منشغلون عبر نقاشات وندوات وحوارات جادة وواسعة يساهم فيها التلفزيون بشكل جاد ومهني ومسؤول في: هل اذا استقلت اسكتلندا قادرة على الدخول في الاتحاد الاوربي وفي هذه الحالة ستنتعش اقتصاديا ام تتدهور ؟ او اي نقد سيكون لها وكيف ستكون  علاقة نقدهم بالاسترليني ؟ وما حجم هذا النقد بالنسبة لليورو ؟ او: هل يستطيعون توفير العجز الذي سينشأ في برنامج الرعاية الصحية ويصل الى قرابة ٥٠٠ مليون جنيه استرليني كما ذكرت من قبل؟ وهل يمكن الانفصال السياسي بين المتزوجين الانكليز والاسكتلنديين ؟ وهل تتوفر فرص عمل في اسكتلندا اذا ما استقلت؟  واي مناهج تعليم ستتبع وغير ذلك من مشكلات واقعية لم يرفع فيها شعار قومي عن الامجاد والبطولات والماضي ولم يذكر احد مناطق متنازعا عليها ولا احصاء سكاني ولا تهجير ولا حدود.

ودول جزر المارتينيك الفرنسية التي نشأت من سود افريقيا والمستعمرات لا تريد ان تستقل عن فرنسا لانها ستخسر الكثير مما حصلت عليه سياسيا واقتصاديا وثقافيا. فالبشر الاصحاء يفكرون بمصالحهم لا بانشائهم وشعاراتهم .

فكرة عن (انسانيتنا)

لدينا فكرة خاطئة عن (انسانيتنا) . فكثير من العراقيين يكتبون ويعلقون على كل ذلك باننا لسنا مثلهم وانه لن ينفع معنا الا دكتاتور، وان الشعب متخلف ولا تنطبق عليه تجارب الشعوب المتقدمة، واننا بحاجة الى مئات السنين لنتعلم

مثل هذه الافكار في الواقع هي فكرة خاطئة عن  انسانيتنا ، عن انفسنا . هذه الفكرة الخاطئة تجعلنا نتعامل مع انفسنا بطريقة جلد الذات وكأننا ارتكبنا آثام البشرية كلها، واننا بحاجة الى القتل والتطهير والتطبير ولطم الصدور للتكفير عن خطايانا، في حين اننا لم نرتكب اثما حبن طالبنا بحقوقنا. لكن الاثم ان نجلس نثبط انفسنا عن الحصول على حقوقنا بحجة اننا متخلفون ولا نستحق حياة حرة وكريمة وسعيدة في مجتمع متقدم يعيش مثل بقية المجتمعات الحرة التي تجبر انظمتها السياسية الديمقراطية على الاستجابة لمطالبها.

لا نتقدم اكثر من توسيع الشكوى فيما بيننا لنجلد ذواتنا، وقد اخذ الفيس بوك يقوم بهذه المهمة عبر الندب وجلد الذات وشتم انفسنا وتحقيرها باننا نستحق كل المصائب التي تحل بنا ، ومنها مصيبتنا بطبقة سياسية فاسدة عموما . وانانية بشكل اعم . وجاهلة بما يجب ان تقوم به وتقدمه لشعب انتخبها .

المصيبة الاخرى المزدوجة هي ان اكثر الذين يتبنون هذه الفكرة هم من النخبة التي تتهم الطبقة السياسية بالفساد وتتهم الشعب بالامية والجهل،  لكنها لا تقدم سوى مخدر من نوع : نحن شعب جاهل . نحن شعب طائفي . نحن شعب يحب جلاديه. نحن شعب لا يعرف ان يختار

لكن ما هو واجبنا في ان نجعل الشعب كيف يختار. وان لا يثق في يوم الانتخابات، وليس في كل يوم الا يوم الانتخابات،  بهذه الطبقة التي خانت عهودها ووعودها

اكثر من ذلك لا تجري اية مراجعة بناء على قواعد وقيم محددة . فاعادة الاعتبار لصدام لا تقوم الا على اعادة الاعتبار لنوري السعيد في افكار وكتابات كثير من العراقيين والتًرحم على عهديهما. وفي نفس الوقت الترحم على عهد عبد الكريم قاسم وعبد السلام عارف وعبد الرحمن عارف واحمد حسن البكر. ماذا فعلنا اذن ونحن نترحم على جميع العهود الدكتاتورية وثلاثة ارباع الديكتاتورية ونصف الديكتاتورية وربع الديكتاتورية ؟

ما هي معاييرنا للحكم على تاريخ العراق؟ هل هي العواطف ام الايولوجيا ام المذهبية ام القومية ام مصالح الدولة والوطن والشعب؟

لا نجد بين الفرنسيين من يدين الثورة الفرنسية ومبادئها التي اصبحت عالمية التاثير رغم مجازر المقصلة التي ارتدت على بعض قادة الثورة انفسهم . ولا نجد بين البريطانيين من يدين عهد كرومويل الجمهوري الذي استمر تسع سنوات وتم فيها اعدام الملك جارلس الثالث على شرفة البرلمان في منتصف القرن السابع عشر ونجد اسم كرومويل، رغم عودة الملكية، وقد اطلق على شوارع وساحات ، وله تمثال في البرلمان،  بينما الحكم ملكي في بريطانيا وكرومويل جمهوري . ولم نجد بين الامريكيين من ادان لنكولن او قائد قوات الجنوب في الحرب الاهلية جيفرسون ديفيس لكن الجميع يقدرون صدور قانون تحرير العبيد اثناء تلك الحرب.

صار من المؤكد لي اننا ضحية خطة ما تزال قيد التنفيذ. خطة او مؤمراة تقوم على ابعاد الديمقراطيين الذين ناضلوا ضد الدكتاتورية من اجل اقامة نظام ديمقراطي. وهذه الخطة تقتضي تسليم العراق الى فوضى وفساد وتوريط سياسيين بهذه الفوضى وهذا الفساذ.

  كتب بتأريخ :  الإثنين 22-09-2014     عدد القراء :  4836       عدد التعليقات : 0