الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
الفقراء على مائدة الفقهاء ... الظاهرة المرافقة لحكم الإسلام السياسي

كأن عشرات الآلاف التي تلتهمها ساحات القتال مع عصابات عجزت امامها الدولة العراقية بكل قوتها واموالها وجبروت احزابها وقياداتها الدينية والمدنية ، لم تكفِ للنيل من الذين استجابوا لنداء الوطن ووثقوا بالحكومة وبياناتها وبالمرجعيات الدينية ونداءاتها ليسارعوا لوضع اجسادهم التي كان معظمها من ابناء الشعب الفقراء الذين لا ينتمون إلى العوائل المالكة في العراق الجديد ومن الشباب الغض، امام محرقة الأسلحة العراقية التي قدمها إلى عصابات داعش انصاف الرجال من عسكريين وسياسيين منبوذين كانوا يوماًما من القائمين على امن المنطقة الشمالية من العراق في سهل نينوى وما جاورها وامن اقليم كوردستان. كأن كل هذه الآلاف من ضحايا الفقراء غير كافية حتى تتكرر مآسي القتل اليومي في مواقع الفقراء ايضاً من خلال تفجيرات وعبوات ومفخخات واغتيالات اصبحت ملازمة لحياة هؤلاء الناس كما حصل اليوم في مدينة الثورة وكما حصل بالأمس القريب في الكاظمية وما قبلها وقبلها وقبلها في مناطق اخرى امام اسماع صماء وعيون عمياء من الحاكمين والمتنفذين من رواد الإسلام السياسي ومريديه من المراجع الدينية التي تتعامل مع هؤلاء الحكام التعامل الذي يسميه المثل العراقي " خد وعين " وهو تعامل خجول ومأساوي لم نرَ منه حتى الآن غير ذلك الطنين المرفق بعبارات جوفاء اصبحت تمر على مسمع الحكام وكأنها تحاكي حوار الطرشان الذي لا صدى له ولا اثر يُذكر. لقد اصبحت نداءات المرجعيات الدينية تشكل وجبات رئيسية على مائدة السياسيين كبهارات يحسنون بها طعم لحوم الفقراء التي يفترسونها يومياً من خلال تعامل بعضهم تعاملاً مباشراً مع الإرهاب قناعة وإيماناً به. ومن خلال تقاضي بعضهم العِظام السمينة من فضلات موائد الإرهاب. ومن خلال عزف وترديد النغم الطائفي الممجوج على اشلاء اهل هذا الوطن كتعبير عن رهانات البعثفاشية المقيتة التي تمثلها شلة بعثية ساقطة تحتل بعض مقاعد مجلس النوام . او كتعبير عن فراغ فكري وتخلف عقلي حاز على قصب السبق في اللعبة السياسية العراقية الجديدة تمشياً مع المثل العراقي القائل " من قِلَة الخيل ......" حتى اصبح لا يفقه من السياسة غير نحن .... و  هم .... وكأننا العراقيون اصبحنا لا نُعَرَف إلا من خلال هذه الضمائر التي تستتر خلف تجار الدين او الراكبين على  موجة الدين او الساكتين على الإستهتار بالدين والمكتفين بترديد نريد ... ونطالب .... ونأمل .... ولا مِن مجيب لطلباتهم وأمانيهم، إذ ان كل اولي الأمر السياسي يحيطون بهم وبحاشيتهم ومجالسهم ومكاتب فتاواهم ،وكل على ملته، إحاطة تامة لا إفلات منها. وبهذا يتم سكوت المراجع الدينية عن كثير من المآسي التي تحيق بالفقراء الذين لا مدافع عنهم غير الذين اوكلوا لهم امور دينهم ودنياهم والذين اصبحوا يمنونهم بالحياة بعد موتهم بعد ان فقدوها قبله.

إلى اين يسير بالعراق حملة هذا الدين الذي يتاجر به يومياً ومنذ اكثر من احد عشر عاماً سماسرة لا يختلفون فيما يوظفونه من حِيَل واكاذيب لتمرير بضاعتهم عن اولئك السماسرة الذين منحتهم خبرة تجارتهم في اسواق الرقيق والعقيق منطق عرض البضاعة وسُبل الترغيب بها.

إلى اين يسير بالعراق واهل العراق اولئك الذين يبرزون في الملمات ، التي لا يعاني منها سوى فقراء هذا الشعب في اغنى بلد في العالم ، ليمثلوا دور المنقذين بعد ان جمعوا حولهم ما يمكن جمعه من المال والسلاح وشكلوا المليشيات التي تصول وتجول في الشوارع تاركة آكلي لحوم العراقيين من الدواعش ورواد الفواحش يصولون ويجولون ليفجروا ويفخخوا وينسفوا ، ليستمع القاصي والداني بعد كل مأساة من هذه المآسي الكثار إلى هؤلاء " الصناديد " وهم يرعدون ويزبدون ، وما هم في الحقيقفة سوى فقاعات هواء سرعان ما تختفي امام ابسط الرياح التي تواجهها.

أين يسير بالعراق واهل العراق المتكالبين على المناصب الوزارية وقيادة المؤسسات الحكومية والعاملين على تصنيف اسعار الوزارات إنطلاقاً من القيمة السيادية او الخدمية ، وكل شيئ بحسابه ، كما يقول اهل السوق ورواد التجارة . اين هم في صراعاتهم هذه التي لا تبتعد عن الإصطفاف الطائفي المقيت واساليب المحاصصة المتخلفة ، والشعب العراقي باجمعه يعاني من اشرس هجمة وحشية تعرض لها في تاريخه الحديث ، تهدد بتقطيع اوصاله وتشتيت اهله ونهب خيراته والإتيان على كل ما فيه مما تميز به هذا الوطن من تراث وقيم وثقافة ورموز.

إنهم يسيرون بوطننا نحو الهاوية التي يرسمها لهم دينهم الذي ارتبط بكل ما هو سيئ ويسيئ إلى سمعة الدين الذي اجهز عليه هؤلاء التجار به قبل ان يجهز عليه الدواعش . السياسيون اللصوص ومن يقف خلفهم ويحميهم والساكت عن تصرفاتهم او الهامس بها همساً من رجال الدين الذين لم يقفوا مع الفقراء صراحة ضد السياسيين ، وهم ، شاءوا ام ابوا ، يشاركون هؤلاء السياسيين في مسيرتهم السوداء هذه.

انهم يسرون بوطننا العراق واهل العراق نحو الدمار الذي يقدمونه على موائد حفلاتهم المليئة بجثث ودماء الفقراء من اهل هذا الوطن ليبدأوا وجباتهم الشهية إلى نفوسهم هذه بالبسملة التي مللنا من سماع ترديدها في كل مناسبة يجلسون فيها حول موائدهم هذه ، حتى اصبح الطفل يهزأ من سماعها من افواه اصبح الكذب المشرعن بالدين ديدنها ، لتعيش حياتها التي تريد في هذه الدنيا وتمنح الفقراء حياة الآخرة. إن الفقراء لا يريدون الحياة الموعودة من قِبَلِكُم ايها السيدات والسادة من السياسيين اينما كنتم في الوزارات او المؤسسات او البرلمان او ما شابه من مواقع الإستنزاف والسقوط الإجتماعي والخلقي. انهم لا يريدون الحياة التي تشرعنونها بشريعتكم التي اصبحت طوع بنانكم في التفسير والتأويل والتوضيح ، حسب ما ترغبون به وما تجنون من وراءه. إنهم يريدون شريعة الحقيقة التي لا تجعلكم تعيشون في عليين والفقراء في اسفل السافلين . الشريعة التي لا تعرف الطائفية، ولا تتمشدق باسلحة المذهب ، ولا تقتل الآخرين من اجل نص عمره  مئات السنين، ولا تسمح بالثراء الفاحش لهذا حتى وإن صلى وزكى وصام وبسمل وحوقل ، وبالفقر المدقع لمن لا يجد وقتاً لصلاته حينما يقضي يومه بالتفتيش على لقمة عيشه ، ولا يجد ما يصوم عنه وكل حياته صيام ، والذي يفتش عن اموال الزكاة ليستعين بها فلم يجد منها شيئاً في محافل من يفتش بينهم من اقرانه.

إنهم يريدون شريعة الحقيقة التي تتناغم مع واقعهم المادي وتجلياتهم الروحية والتي لا تُفرق بين بني البشر مهما اختلفوا، والتي عبر عنها الفيلسوف ابن عربي قبل ثمانية قرون حينما قال :

لقد كنت قبل اليوم انكر صاحبي ........ إذا لم يكن ديني إلى دينه داني

وقد صار قلبي قابلاً كل مِلَّة ............ فمرعى لغزلان ودير لرهبان

ومعبد اوثان وكعبة طائف ............  والواح توراة ومصحف قرآن

أدين بدين الحب أنى توجهت .......... ركائبه فالحب ديني وإيماني

هذه ثُريا الدين الذي نادى بها فلاسفة الأمس وينادي بها علمانيو اليوم . وما دين الإسلام السياسي وكل تجار الدين إلا ثرى هذا الدين. فأين الثرى واين الثريا ؟

  كتب بتأريخ :  الجمعة 26-09-2014     عدد القراء :  4275       عدد التعليقات : 0