الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
تريد العامري خُـذ العيساوي إذاً!

أعتذر لكم، عن العودة إلى مسألة تجارب الأمم، وما تفرضه هذه التجارب من المقارنات، وما تمنحه لأصحابها من أحقيّة في الشهادة على التاريخ، وكلما حدث حادث ذو طبيعة تاريخية، يعود الكاتب إلى قراءاته أو مشاهداته.

لماذا العودة الى تجارب سنغافورة والبرازيل وماليزيا وألمانيا ، وفي ذاكرتنا تتكدس تجارب قاسية مرَّ بها بلدنا العراق؟ لماذا العودة الى دروس التاريخ، والحاضر أمامنا يراوح مكانه والمستقبل مجهول الملامح؟

منذ عقود ومع مجيء ملهمي الامة العربية الذين احتلوا أوطانهم عبر شعار " القائد الضرورة " مرَّت على العالم أنظمة حكم عــدة، ويطول المجال لذكر أسماء كثيرة تركت السلطة وهي في أوج ازدهارها ، انهارت نظريات وبرزت نظريات جديدة ، باستثناء أنظمتنا الفولاذية التي ظلت ترفع شعار " باقٍ وأعمارُ الشعبِ قصار ".

في تجارب الشعوب التي طالما أعود إليها أجد في نموذج البرازيل مثالا للبلاد التي استطاعت بفضل ساستها أن تحقق انعطافاً مهماً في تاريخها.

دارسو الحالة البرازيلية يعــدُّون انتخاب الرئيس "لولا دا سليفا" عام 2002 شكّل انتقالة مهمة في حياة البلاد، وخاصة عندما أطلق في مطلع عام 2003 برنامجه الشهير "الجوع صفر" أي "القضاء على الجوع" الذي ربط فيه بين تقديم مساعدات مالية للأسر الفقيرة وبين دخول أبنائها إلى المدارس.

ظلّ "لولا" في الحكم حتى عام 2010 عندها شعر أهالي البرازيل بنوع من الخيبة لأن الدستور لا يسمح لـ"رئيسهم المحبوب" بالبقاء رئيساً للبرازيل لدورة ثالثة .

قدم صورة أخرى للزعامات في العالم، فبينما يلقي بعض الساسة الخطب الرنانة عن الاعداء الذين يختبئون خلف الابواب ، أعطى لشعبه، ازدهاراً لم يعرفه من قبل.. لم يكذب عليهم ولم يركب على أكتافهم ، وبينما يصرُّ البعض على الاستمرار في السلطة حتى النفس الأخير، مشى "لولا " حتى اليوم الأخير من حكمه مؤمناً بالدستور رافضاً أن يُغيـِّره لصالحه فيبقى رئيساً مثلما يتمنى معظم أهالي البرازيل.

استطاع بفضل نزاهته وحكمته وإصراره على إشاعة روح العدالة الاجتماعية أن يُحدث اكبر التحولات السياسية والاقتصادية في العالم، وحين يطمئن إلى أن كل شيء يسير في الطريق الصحيح نفض يديه من السلطة وقرر أن لا ولاية ثالثة حتى وإن كان السبب في إنقاذ الملايين من العوز وحوَّل بلادهم إلى فردوس على الأرض.

أما نحن مساكين هذه البلاد فقد توهمنا أن التغيير سيجعل الحرية حقاً والأمان مسؤولية ، والاستقامة منهجاً ، فإذا نحن أمام ساسة حولوا الحق إلى ضلالة ، والمسؤولية إلى جحيم يكتوي بنارها معظم العراقيين.

كنت أتمنى لو سأل السياسي العراقي نفسه : ما الذي تحقق أثناء توليه منصب وزير او رئيس للوزراء ، او مارس الإدمان على منصب نائب رئيس مجلس الوزراء مثل صالح المطلك ؟ هل يعيش العراقيون اليوم جميعا متساوين بالحقوق والواجبات؟ هل شعار ساستنا حكومة الكفاءة أولا؟ وهل بنينا دولة مدنية لا تميز بين المواطنين؟

في دولة البحث عن وزير للدفاع وللداخلية ، لا يهم ان تصبح مثل دون كيشوت ترمي السهم أينما تشاء، فحيث يصيب السهم هناك الأعداء، الكل أعداء، اليوم يريد لنا البعض ان "ننبطح" أمامه صاغرين ، حين يرفع شعار لا بديل عن العامري إلا العامري نفسه ، ولا حياة لوزارة الدفاع من دون " خبرات " رافع العيساوي!

كانت الناس تأمل أن تعيش في ظل ساسة يكونون مزيجاً من الطموح والصدق وشجاعة الحلم والسعي لبناء الوطن، فوجدوا أنفسهم مع سياسيين غارقين في الطائفية واستجداء السلطة وابتزاز كل مَن يختلف معهم !

  كتب بتأريخ :  الإثنين 29-09-2014     عدد القراء :  3909       عدد التعليقات : 0