الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
الحبّ هالحرفين

تقول القواميس أن الحبّ هو كيمياء متبادلة، وهو تعلق لا يُستطاع التخلص منه، ولا يُصبَر على مفارقته، وغالبا ما يصاحبه العذاب. وقد ورد في القرآن الكريم: "إن عذابها كان غراما"، كما جاء في الحديث النبوي :"حبّك الشيء يُعْمي ويُصم" لأنه ـ أي الحبّ ـ إيثار المحبوب على جميع المصحوب، وموافقته حضورا وغيابا، وهو الذكر الدائم للحبيب وعدم السلوان. ومن الغريب أن ندعو لصاحب العزاء والفاتحة بـ "السلوان".

وللحب شعار هو القلب الأحمر، وله أسماء كثيرة منها: المحبة، الهوى، الصبوة، الشغف، الوجد، العشق، النجوى، الشوق، الودّ، الخُلّة، الغرام، الوله، الهُيام والتعبد.

ولمعنى "الهوى" نقرأ في السِفر، أن خولة بنت حكيم كانت من اللائي وهبن أنفسهن للنبي، فقالت عائشة: أما تستحي المرأة أن تهبَ نفسها للرجل؟ فلمّا نزلت الآية: "تُرجي من تشاء منهنَّ"، استدركت عائشة قائلة: يا رسول الله، ما أرى ربَّك إلا يُسارعُ في هواك.

كما نقرأ في معنى "الهيام" أنه جنون العشق، فالعاشق المستهام، في كلّ زمن وفي كلّ بلد، يستبدّ به العطش إلى محبوبه، فيهيم على وجهه لا يأكل ولا يشرب ولا ينام، فينعكس عليه ليصبح كالمجنون، أو يكاد يجنّ على قول شوقي:

ويقول: تكــــادُ تـُجنّ به فأقول: وأوشك أعبُده

مولاي وروحي في يده قد ضيّعها سلِمت يده

بل يكون هو (المجنون) المتعبد الذي يصدح:

أصلي فما أدري اذا ما ذكرتها

إثنتين صليتُ الضحى أم ثمانيا

وفي العشق نقرأ لأبي زكريا الفراء: "العشق نبت لزج، وسُمّي العشق الذي يكون في الإنسان لِلصُوقهِ بالقلب". والفراء حجة، فالنحاة يعدّونه أمير المؤمنين في النحو.

وفي الحبّ العذري يقول البوصيري، الشاعر الامازيغي المولود بمصر قبل قرون سبعة، في قصيدته الشهيرة "البُردة":

نعمْ سرى طيفُ من أهوى فأرّقني

والحُبّ يَعترضُ اللذاتِ بالأَلمِ

يا لائمي في الهوى العُذريِّ مَعذرة ً

منّي إليكَ ولو أنصفتَ لم تلـُمِ

واختلفت الناس في نظرتها الى الحبّ، ما بين شرق وغرب، فقراء وأثرياء، ماركسيين ودجّالة، فلاسفة ومتصوفين، شعراء وتجار، بدو وحضر. فمثلا، مرّة نزل اعرابيّ ضيفا على صاحبه الحضري، فتعشيا وتسامرا. ومن حديث لحديث صارا يتحدثان عن العشق وأحواله وقصصه في بيئتيهما، فقال الاعرابي:

ان عاشقنا يرصد محبوبته من على بعد فرسخين، يتأملها وهي تملأ الجرّة في النبع البعيد، ويتلهف لها ويتحرق وهو يراها مع صويحباتها آيبات الى السلف، وبعين فؤاده يميزها بينهن وكلهن متشحات بسواد العباءات، ويبات الليل كله يعدّ النجوم ويسترجع القصيد ويئن ويزفر الآهات والنجوى.

وهنا ناغاه الحضري قائلا: أما عاشقنا فهو يواعد صاحبته مهاتفة، وعند منتصف الليل تعبر "المالومة" سطحا أو اثنين وتأتي للقائه، يطفئان الموبايلات، ثم يذوبان في جحيم من القبل، ويلتحمان فتحرق اللهفة ملابسهما التي تطير بعطابها مع الريح، وهكذا يفترشان الكاشي ويلتحفان الفضاء، ويفقدان النطق والسمع والبصر حتى مطلع الفجر.

هنا انتفض الاعرابي ضجرا وخجلا وكرامة، وصاح:

ـ يا أخي، هذا الذي تتحدث عنه ليس حبّا، هذا "جهاد نكاح"!

  كتب بتأريخ :  الأربعاء 01-10-2014     عدد القراء :  3579       عدد التعليقات : 0