الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
الحظر الجوي
بقلم : سالم مشكور
عرض صفحة الكاتب
العودة الى صفحة المقالات

بداية التسعينيات فرضت الولايات المتحدة وبريطانيا حظر الطيران العراقي فوق منطقة كردستان العراق الحالية. كان ذلك باقتراح من قبل حكومة تورغوت أوزال التركية. تلك الخطوة أثارت القوميين الاتراك وعلى رأسهم العسكر خوفا من ان تكون هذه المنطقة بداية لإقليم حكم ذاتي وتاليا الاستقلال، وهو ما كان يمثل خطرا كبيرا على الامن القومي التركي وعلى وحدة الاراضي التركية التي يعيش عليها أكثر من عشرة ملايين كردي وهناك حركة كردية مسلحة كانت في حرب استنزاف مع الجيش التركي. لكن أوزال كان يحمل مشروعا "امبراطوريا" يتضمن في بعض جوانبه إلحاق المناطق الكردية في العراق وسوريا بتركيا.

منذ العام ٢٠٠٢ وصل حزب العدالة والتنمية الى السلطة، وما هي إلا سنوات قليلة حتى بدأ الحديث عن مشروع امبراطوري جديد تسعى اليه حكومة انقرة الاخوانية الجذور. برز اسم أحمد داود أوغلو الذي تولى الخارجية ثم رئاسة الوزراء حاليا، كمنظّر لمشروع تركيا الجديدة التي بدا واضحا، مع انطلاق مشروع ما سمي بالربيع العربي. انها تريد استخدام المنهج الاسلامي الطائفي لإقامة عثمانية جديدة. ويعتبر البعض أن مشروع داوود أوغلو نسخة مطورة من مشروع أوزال.

اليوم يكاد المشهد يتكرر في سوريا. أنقرة الاردوغانية بحكومة أحمد داود أوغلو تطالب بفرض منطقة حظر جوي في شريط حدودي داخل سوريا ملاصق للحدود التركية. سكان هذا الشريط هم من الكرد السوريين، تماما كما جرى لمنطقة الحظر الجوي العراقية بدءا من أوائل التسعينيات من القرن الماضي. يضع أردوغان هذه المنطقة شرطا، الى جانب الاطاحة بنظام الاسد، للانضمام الى الحلف الدولي لمحاربة "داعش". الجانب الاميركي رفض الطلب بداية لكن تصريحات بدأت تصدر في واشنطن تتحدث عن إمكانية مناقشة هذا الاقتراح. اللافت ان أردوغان يبرر مطالبته بهذه المنطقة بحماية تركمان سوريين فيها، وهو الذي تخلى عن تركمان العراق وتركهم لقمة سائغة لـ"داعش" التي لم توفر بشاعة ووحشية الا ومارستها ضدهم.

المطالبة بالمنطقة الآمنة داخل سوريا تزامنت مع موافقة البرلمان التركي على قيام القوات البرية التركية بعمليات عسكرية داخل الاراضي السورية والعراقية، وهو ما يعطي للقوات التركية حرية التوغل الى المنطقة الآمنة المطلوبة بما يضمن ترتيب الاوضاع فيها بالشكل الذي لا يسمح لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي السوري بأن يهيمن على هذه المنطقة التي تشكل عمقا ستراتيجيا لمقاتلي حزب العمال الكردستاني التركي، وتوفير ضمانات بأن تكون هذه المنطقة، وما تتوسع عنه مستقبلا، عمقاً امنياً واقتصاديا لتركيا، حتى لو تمتعت بشكل من أشكال الحكم الذاتي، كما هي الحالة في كردستان العراق حاليا.

لكن أداء تركيا في ما تسعى اليه في سوريا يطرح سؤالا حيويا حول مدى انعكاس هذا الأداء على كرد العراق الذين ينتابهم الغضب من هذا الموقف التركي المعادي لكرد سوريا الى حد السماح لـ"داعش" باجتياح مناطقهم، وفي المقابل منع مقاتلين كرد سوريين وأتراك من عبور الحدود لنصرة المقاتلين الكرد في كوباني. والاكثر من ذلك هو منع وصول المساعدات من اقليم كردستان الى كوباني عبر الاراضي التركية، الى جانب قصف الطائرات التركية تجمعات المقاتلين الكرد السوريين في محيط كوباني بحجة ان بينهم مقاتلين من حزب العمال الكردستاني التركي الذي تعده الحكومة التركية إرهابيا.

الغضب الكردي العراقي من تركيا لم يبدأ بكوباني بل بالصمت التركي حيال تهديد "داعش" للاقليم. ولا يبدو قليلا الحرج الذي يشعر به مسؤولو الاقليم من الذين راهنوا على علاقة ستراتيجية مع تركيا لدرجة دفعتهم الى الزهد بالعلاقة مع بغداد، بل الى التصعيد معها وإطلاق التهديدات بانفصال الاقليم عنها رسميا بعد ان انفصل عنها عمليا منذ سنوات¡ مع تمييز بين مواقف حزب الاتحاد الوطني الكردستاني وحركة التغيير من جهة، وموقف الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود بارزاني الذي يمسك بمفاصل السلطة والقرار في الاقليم وهو المندفع منذ سنوات باتجاه توثيق الترابط مع تركيا.

ولا بد ان يعيد هؤلاء الآن حساباتهم، لكن السؤال هنا هو: هل يمكن للاقليم التراجع عن مستوى الارتباط الامني والسياسي والاقتصادي الحالي بتركيا؟.

إعلامي ومحلل سياسي

  كتب بتأريخ :  الخميس 16-10-2014     عدد القراء :  2598       عدد التعليقات : 0