الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
الإرهاب واستهداف منشآت الري في العراق
بقلم : د.حسن الجنابي
عرض صفحة الكاتب
العودة الى صفحة المقالات

اولا:

تواصل مجموعات "داعش" محاولاتها الرامية لإدامة "دولتها" الظلامية من خلال السيطرة على المنشآت المائية والنفطية في العراق وسوريا، بغرض تأمين موارد مادية كبيرة لبسط نفوذها، وسحق اية محاولة لتحدي سلطاتها القادمة من اعماق التوحش وهمجية ماقبل التاريخ.

وبالرغم من بدائية وهمجية وسائلها في القتل، فهي تلجأ عند تنفيذ جرائمها الى استخدام احدث مبتكرات التكنولوجيا والاتصالات والفيديو ووسائل التواصل الاجتماعي، لنشر الرعب في نفوس السكان المدنيين، واستفزاز مشاعر وقوانين واعراف المجتمعات والدول الاجنبية، عن طريق التنكيل الشنيع بمواطنيهم المختطفين، وقطع رقابهم، وهم مدنيون وصحفيون معروفون، وحيث يلبسون ضحيتهم رداءً نظيفا خاصا تحضيرا لحز رقبته، ويلقون خطبا بلكنة لندنية،ويوثقّون جريمة القتل "اصوليا"، كأنهم يمارسون طقسا احتفاليا يرسلون به ضحاياهم الى الجحيم، فيما هم يحجزون من خلاله مقاعدا لهم في "جنة" متخيلة، ابتكرتها عقول مريضة ومتوحشة،ونفوس غارقة في الجهالة والدموية متخصصة بقتل الابرياء والضعفاء، في ظاهرة لم يسبق للبشرية ان شهدت مثيلا لها، حيث ينحاز مجرمون محليون، ويمنحون افضلية، لمجرمين غرباء قادمين من وراء البحار والحدود، ومن خارج المعايير والنظم والاخلاق البشرية المعتادة، على ابناء وطنهم من النساء والرجال والاطفال، تسبى وفقها العوائل، وتثكل النساء وتسلب الممتلكات وتهدم المساجد والمعابد والكنائس ومراكز الثقافة والتعليم والجامعات وغير ذلك من شواهد.

وفي سعيه لترسيخ نوع "جديد" من الحكم يستمر تنظيم "داعش" في البحث عن موارد له، يمسك من خلالها بعصب الحياة ويتحكم بمصائر السكان، ومن تلك الموارد الحيوية : المياه.

ثانيا:

بالرغم من هزيمتها في موقع سد الموصل، وابعاد شرورها عنه، الا ان "داعش" لم تتخل عن طموحها في السيطرة مجددا على السد الذي يتحكم الى درجة كبيرة بنهر دجلة، الذي تعتمد عليه حياة نصف المجتمع العراقي، ويمكن ان تتعرض حياة اكثر من عشرة ملايين مواطن منهم للخطر بدرجات مختلفة اذا تغلبت الارادة الشريرة لداعش، بمعاييرها القروسطية وهمجيتها، وهو امر ممكن بسبب قدرتها على ارتكاب الفظاعات دون رادع.

ومازالت قوات التحالف الدولي تقصف مواقع "داعش" على مسافات قريبة من سد الموصل، ما يعني انها لن تتخل عن رغبتها باستعادة السيطرة على السد، واظن انها لو تمكنت من ذلك فلن تنسحب او تجبر على الانسحاب دون الاضرار المتعمد بالمنشأ امعانا بايقاع اوسع الخسائر بالمدنيين والبنى التحتية الضامنة لوحدة البلاد.

بالوقت نفسه تواصل "داعش" محاولات السيطرة على سد حديثة على نهر الفرات، بعد ان سيطرت على سدة الفلوجة في نيسان الماضي، واخرجتها من وظيفتها التشغيلية،حيث اغرقت آنذاك مساحات زراعية شاسعة في شمال وغرب بغداد، وهي مناطق ستشهد في المواسم المقبلة عطشا وجفافا بسبب توقف السدة عن اداء وظيفتها التشغيلية في ارواء تلك الاراضي.

ثالثا:

شنت "داعش" ايضا اكثر من هجوم مكثف في سوريا للسيطرة على سد الطبقة على الفرات، وهو اكبر سد في سوريا بسعة خزنية تزيد على (11) مليار متر مكعب، ويتحكم الى درجة كبيرة بجريان الفرات الى العراق، لكن تلك الهجمات فشلت للآن في تحقيق اهدافها، بالرغم من ان احتمال السيطرة على السد والتحكم بنهر الفرات مازال قائما.

"فداعش" قد راهنت على عوامل عديدة منها استمرار تدفق المقاتلين والاموال، وانفتاح الحدود الدولية وبيع النفط في الاسواق الدولية، ودعم بعض الاقطاب الاقليمية، مقابل انشغال الدول المعنية باحداث داخلية ناتجة عن الفشل في انجاز مستحقات مرحلة الانتقال من الدكتاتورية الى الديمقراطية، ولا يبدو ان هذا التنظيم الارهابي عابئا بالتحالف الدولي، او بأعداد وحجم الدول المنخرطة فيه، ولا كثافة القصف الجوي على مواقعه، او التحول - المعلن على الاقل- في خطاب او مواقف اطراف كانت تعتبر داعمة له او صامتة عن افعاله، بل هو يواصل زحفه نحو مدن ومواقع  ومنشآت كبيرة على الارض، كما يحصل في مدينة عين العرب (كوباني) امام الانظار، او في استعداده الدائم ومحاولاته المتكررة للسيطرة على مصفى بيجي، اضافة الى اصراره على اصدار وتطبيق نظم وتعاميم دولته المزعومة في المدن والقرى الواقعة تحت

سيطرته.

رابعا:

لقد تمكنت القوات العراقية، وبمساندة السكان، من صد الهجمات المتوالية الرامية للسيطرة على مناطق اعالي الفرات في العراق وبضمنها سد حديثة، لكن "داعش" لاتزال على مسافة خمسة كيلومترات من السد، وهي تشكل - دون شك- خطرا داهما على سلامة السد، وان لم تلحق بها هزيمة عسكرية ساحقة وسريعة فان خطر تحطيم منظومة الري على الفرات يبقى قائما، وخاصة في مفاصل المنظومة الرئيسة ومنها سدة الرمادي، ونواظم التحكم بالجريان الى بحيرة الحبانية والتصريف منها، سواء الى نهر الفرات او الى بحيرة الرزازة، اي من خلال نواظم الورّار والذبان والمجرّة على التوالي.

فسد حديثة الذي يقع الى الشمال قليلا من مدينة حديثة الفراتية، بنحو270 كم شمال غرب العاصمة، هو ثاني اكبر سد في العراق بسعة خزنية تقدر بنحو 8 مليار متر مكعب، وذلك بعد سد الموصل الذي تزيد سعتها لخزنية على (11) مليار متر مكعب، وقد تزامن انشاء سد حديثة مع انشاء سد الموصل في الثمانينيات، ودخل المنشآت مرحلة التشغيل في وقت متزامن ايضا في العام 1986 واصبحا جزءا رئيسا من منظومة الري العراقي التي تضم منشآت كبرى على النهرين، والتي كانت تعتبر منظومة محكمة وانجازا هندسيا رائعا للعراق، الى ان تكشفت بعض نقاط الضعف والهشاشة فيها اثر ثلاثة عوامل رئيسة: اولها اجراءات دول الجوار في بناء سدود كبرى داخل حدودها ادت الى احداث شحة شبه دائمة في العراق، وثانيها التغيرات المناخية واحترار سطح الارض، وثالثها الهجمات الارهابية "لداعش" وابرزها سيطرة "داعش" على سدة الفلوجة وسد الموصل ومحاولاتها المستمرة الآن للسيطرة على منشآت اخرى.

خامسا:

ان لجوء "داعش" الى استخدام  المياه كسلاح في حربها ضد حكومة وشعب العراق، يمثل ثاني محاولة سجلت في تاريخنا الحديث في استخدام هذا الاسلوب المحرم، ولم يسبقها بذلك سوى نظام صدام عندما لجأ الى تجفيف الاهوار العراقية في التسعينيات لتحقيق اهداف امنية -عسكرية ضد شعبه، وهذا بالتالي موضع ادانة بل جريمة ضد الانسانية وانتهاك صارخ للقانون الدولي الانساني.

ان احتلال الموصل والمدن الاخرى واستخدام اساليب القتل والبطش والتهجير والاستيلاء على الممتلكات بحد ذاته شكل تهديدا لحياة ملايين الناس، فضلا عن ان التحكم بمصادر المياه، وتحطيم نظم الري المعتادة يتسبب في افقارهم، وفعلا فان الاحصائيات الاخيرة تشير الى دفع نحو ثلاثة ملايين مواطن الى مادون خط الفقر ليبلغ 30بالمئة من سكان العراق بعد ان كان بحدود 18بالمئة قبل الهجوم "الداعشي" .

• سفير ورئيس دائرة حقوق الانسان في وزارة الخارجية

  كتب بتأريخ :  الخميس 16-10-2014     عدد القراء :  3168       عدد التعليقات : 0