الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
الإسلاميون داعشيون قلباً وقالبا

تصاعدت في الأيام الماضية صيحات بعض الأحزاب الإسلامية التي طالما اعلنت عن نفسها بتمثيلها للإسلام المعتدل، اسلام الرحمة والتسامح، معلنة مواقف مؤيدة للتنظيم الإرهابي، تنظيم الدولة الإسلامية، حتى وإن جاء هذا التأييد مشوباً بنوع من الخجل احياناً. لقد تبارى بعض قادة هذه الأحزاب، في الأردن مثلاً، على كسب ود مجرمي الدولة الإسلامية وذلك من خلال تبرير جرائمهم بحق المسلمين وغير المسلمين في المناطق التي وقعت تحت سيطرة مليشياتهم. وقد جاء هذا التبرير مستنداً على بعض الظواهر والوقائع التي، لو تمعن هؤلاء الأسلاميون بالنظر إليها، فإنها سوف لن تزيدهم إلا توغلاً في الجريمة وشد ارتباطهم باقرانهم من اسلاميي الدولة الإسلامية.

التبرير الأول الذي يلجأ إليه هؤلاء الإسلاميون ينطلق من تفسيرهم للتحالف الدولي ضد النشاطات الإجرامية لإخوانهم في الدولة الإسلامية على انه ادى إلى تعاطف كثير من المسلمين على هذا التنظيم الإرهابي بحيث سعى الكثير منهم إلى مساعدته او الدفاع عنه او حتى الإنظمام إليه، معتبرين الدخول في حرب على هذا التنظيم وكأنه حرب على الدين الإسلامي . وهنا يفضح هؤلاء الأسلاميون انفسهم بانفسهم من حيث يشعرون او لا يشعرون. ومحور هذه الفضيحة يدور حول مدى فهمهم واستيعابهم لدينهم الذي يربطونه بمرتكبي ابشع الجرائم بحق الإنسانية في القرن الحادي والعشرين من عمر البشرية. إن مقولتهم هذه تشير إلى انهم يقفون في صف ديني واحد مع هذا التنظيم. اي ان الجميع مسلمون والحمد لله وليس هناك إلا بعض الخلافات البسيطة التي لا تبيح لكافة الإسلاميين ان يتخلوا عن اخوتهم في جرائم الجهاد واخواتهم في جهاد النكاح، اخوتهم واخواتهم في الدين الإسلامي الذي يجمعهم جميعاً بما فيهم اولئك الذين ينشطون في إقامة دولة الخلافة الإسلامية البكرية البغدادية. اي انه لا يمكن الشك لا من قريب او بعيد بانتماء هذه الخلافة إلى الدين الإسلامي الذي يقود احزابه السياسية الإسلاميون الذين يعملون بين الناس وعلى وجه العلن للدعوة إلى نفس ذلك الدين الذي يريد تنظيم الدولة الإسلامية نشره بالوسائل التي شهدها العالم كله حتى إشمئز من رؤيتها كل من له مثقال ذرة من العقل.

اما التبرير الثاني لجرائم عصابات الدولة الإسلامية الذي يلجأ إليه قادة احزاب الإسلام السياسي للتهوين من بشاعة هذه الجرائم فإنه ينطلق من مواقف بعض الأنظمة السياسية في المناطق التي تمدد فيها هذا التنظيم وخاصة في سوريا والعراق. انهم يصورون جرائم اخوتهم في الجهاد وكأنها ردود فعل لما يعانيه السنة في سوريا والعراق على وجه الخصوص. ولو تجاوزنا ما يلاقيه السنة ايضاً من جرائم مروعة من قبل هؤلاء الجهادين الإسلاميين ليس في سوريا والعراق فقط، بل وعلى سائر البقاع التي تضم بعض عصاباتهم، لعلمنا بأن مسألة تمترسهم وراء الطائفة السنية ما هي إلا اكذوبة من اكاذيب الإسلام السياسي التي يحفل بها قاموسه، ولعلمنا ايضاً بأن الإسلاميين لا يعيرون اهتماماً للطائفة إلا بقدر ما يقدمه لهم الإختفاء وراء هذه الطائفة من منافع توصلهم إلى المراكز السياسية الحساسة في قيادة الدولة، فإن حصلوا عليها تصبح الطائفة لديهم وكأنها حلم مر عليهم في منامهم يوماً ما.

إن اي متابع منصف بتحليله ونظرته إلى مجريات التطور السياسي في هذين البلدين، سوريا والعراق، سوف لن يستطيع تجاوز المشاكل اليومية التي عانى منها اهل هذين البلدين طيلة الفترة التي تسلطت فيها دكتاتورية البعث على السلطة، واستمرار هذا التسلط حينما فوضت السياسة الأمريكية استلام الإسلام السياسي مقاليد السلطة السياسية من البعث في العراق بعد التاسع من نيسان عام 2003.

إن ما يتعلق بحكم حزب البعث في البلدين سوريا والعراق، فامره  معروف لكل مَن له ابسط الإطلاع على الوضع السياسي في هذين البلدين. إنه حكم دكتاتوري بامتياز لم يتوان عن التنكيل بمعارضيه دون ان يلتفت إلى الجهة الدينية او القومية او المناطقية التي تنطلق منها هذه المعارضة. لقد كان هم النظامين الدكتاتوريين في سوريا والعراق هو التخلص بشتى الوسائل، التي ابتكرتها دكتاتورية البعث من تعذيب إلى سجون إلى تشريد وتهجير وملاحقات يومية وتجسس، للتخلص من اي صوت يعارض النظام. فلا يمكن والحالة هذه ان يجري تبرير جرائم عصابات الدولة الإسلامية على انها ردة فعل لدكتاتورية النظام التي كان يوجهها ضد الإسلاميين، كما يدعي الإسلاميون الذين يقفون متفرجين على هذه الجرائم.

وهذا ما يقودنا إلى التبرير الثالث الذي امتشقته البعثفاشية المقيتة وتمترست خلفه من خلال توظيفها للدين  بعد سقوطها في العراق. فكثير من مجرمي البعث الذين سمح لهم الإحتلال الأمريكي للعراق بأن يغادروا البلد دون ان يقول القضاء كلمته فيهم، عادوا مرة اخرى لممارسة العمل السياسي في وطننا، إلا انهم عادوا وقد ارتدى بعضهم الجبة والعمامة وكووا جباههم، من اثر السجود؟، في حين ظل البعض الآخر محافظاً على هندامه بعد ان تيقن من بَلادة الحكام الجدد من قوى الإسلام السياسي واهتمامهم برعاية الفساد قبل العباد. عاد البعثيون لا ليساهموا في العملية السياسية كبعثيين، بل كطائفيين يحملون راية الدفاع عن السنة العرب، وليس السنة الكورد، في العراق. وهنا لم يبرز تخلفهم الفكري فقط باستخدامهم لهذا الخطاب الديني الشائن، بل وعبروا بذلك وبكل جدارة ايضاً عن تعصبهم القومي الشوفيني الأعمى حينما تحول ما يسمونه دفاعهم عن السنة العرب فقط إلى تبني كل ما من شأنه الوقوف بوجه تطلعات الشعب الكوردي المشروعة في السياسة والثقافة والتراث على ارض كوردستان، حتى نشروا الأفكار الداعية لإعتبار الكورد، والعراقيين منهم خاصة، اعداءً للعرب. وهذا ما سهل بطبيعة الحال بروز التعصب الشوفيني لدى بعض العنصريين الكورد الذين اتخذوا من ذلك حجة لنشر مفهوم عداء العرب للكورد. إن ما سهل للبعثيين الخروج بهذا الوجه الطائفي القبيح الجديد هي الممارسات التي مارسها الإسلام السياسي الشيعي والسني على حد سواء وبكل احزابه، والذي اراد ان يجعل من ألإنتماء الطائفي والإنحياز الكامل له، الهوية البديلة للمواطن العراقي، حيث تسبب كل ذلك بردود فعل طائفية في مجتمع تسوده الأمية وينخر فيه الجهل حتى بامور دينه. فلا عجب والحالة هذه ان يجعل البعثيون بالأمس والمدافعون عن السنة العرب اليوم من مناطق تواجدهم ونفوذهم السياسي حواضن لكل القوى الإرهابية التي تعيث بوطننا الفساد. ولم يكن غريباً ان تنتشر في تجمعاتهم وإلى جانب اعلام البعث رايات القاعدة وداعش وكل شعارات  عصابات الجريمة. ولا عجب ايضاً من وقوق بعضهم مدافعاً عن داعش علناً حينما يؤكد على سير الحياة في الموصل وفي المدن التي احتلها تنظيم الدولة الإسلامية بشكل طبيعي وان الناس بخير. ولا عجب ان تنخرط حتى بعض العشائر، التي فقدت غيرتها الوطنية على بناتها المغتصبات والمسبيات وابناءها القتلى بايادي هؤلاء المجرمين، في صفوف الإرهابيين ليصفهم البعث في خطابه السياسي بانهم ثوار العراق. ولا عجب من ان يصرح قادة البعث، القابع بعضهم في اربيل، ومن عمان ودول الخليج ايضاً، ان داعش حليف الثوار العراقيين وإن هدفهم واحد وهو الزحف على بغداد. ولا عجب ايضاً وتحت تسلط احزاب الإسلام السياسي في وطننا ونتيجة لسياستها الطائفية المحاصصاتية ان يهرب مَن يهرب ويعود مَن يعود من كبار الرؤوس البعثية المعروفة، حتى ان بعضهم اصبح من المساهمين الفعالين في العملية السياسية، خاصة ضمن السلطتين التنفيذية والتشريعية. ولا عجب  ان تُستباح ثاني اكبر مدينة في العراق من قِبل عشرات الإرهابيين بكل ما تضمه مواقعها الأمنية من جيش وشرطة ومعدات مختلفة، وتتسع هذه الإستباحة لتشمل مدن وقرى عراقية اخرى جنوب الموصل وفي سهل نينوى. لا عجب من كل ذلك ما دام الدين قد اصبح اليوم سلاح البعثيين والدواعش واحزاب الإسلام السياسي بكل طوائفها وتوجهاتها. هذا الدين الذي الذي يوظفه كل تجار الدين هؤلاء، لم يواجهوا لحد الآن مَن يقول للناس ما هو الدين الحق الذي يسمونه دين الرحمة والتسامح واين هو؟ وكيف يمكن تفسير كل هذه الجرائم وكل هذا الفساد المالي والإخلاقي والإداري في مؤسسات الدولة العراقية التي يحكمها ويتحكم بها الإسلام السياسي؟ ليس كافياً ان نكرر ونكرر حتى التقيؤ مقولة: ان كل ذلك لا علاقة له بالدين. ارونا هذا الدين إذن ليتأكد كل منا بأن مثل هؤلاء المجرمين والفاسدين لا علاقة لهم بالدين فعلاً وهم القائمون الصائمون المخمسون المزكون وسيبرزون في الأيام القليلة القادمة في شهر محرم وهم اللطامون الطباخون والمطبرون ايضاً.

كفى تلاعباً بمشاعر الناس وشرعنة الكذب عليهم وسرقة اموالهم والتلاعب بمقدراتهم وانتهاك حرماتهم. لم يبق لديكم حتى تلك القطرة من الحياء التي يعبر بها العراقيون عن بقايا الأخلاق في احاديثهم.

  كتب بتأريخ :  الثلاثاء 28-10-2014     عدد القراء :  4140       عدد التعليقات : 0