الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
نزاع التحول المذهبي.. «المؤيد» مثالاً

تحدثنا عن تجربة التيجاني، وقد ملأ المكتبات بالكتب التي تعرض، على حد عبارته، «استبصاره»، وكان خطابه مختلفاً عن الذين تحولوا بهدوء، بلا عداء وتخوين أو حتى أسف على ما مضى. ونأتي إلى تجربة الشيخ حسين المؤيد، الذي تحول من المذهب الشِّيعي الإمامي إلى السني السلفي، وكانت مسألة الإمامة التي أدخلت التيجاني إلى التشيع هي التي أخرجته منه.

فحسب سيرة المؤيد، والتي صرح بها لأكثر من فضائية، ومنها «الخليجية» في برنامجها «لقاء الجمعة» مع الإعلامي عبد الله المديفر، وأخرى فضائية متطرفة في خطابها، أنه ولد بالكاظمية (1965)، وكان والده طبيباً وأخواله آل الصدر. درس مقدمات العلم الديني، ثم رحل إلى إيران (1982) وأكمل دراسته في حوزة قُم، ومكث بها أكثر مِن عشرين عاماً.

يقول المؤيد عن نفسه إنه حاز على درجة «آية الله» وعمره 21 سنة، وذلك لتقدمه في الدراسة، وهي درجة عليا بين علماء الإمامية. مرّ المؤيد في تحوله بثلاث مراحل، حسب سرده لسيرته، الأولى أنه كان شيعياً متعصباً، والثانية إصلاحياً (1998-2005)، ثم التحول التام الذي بدأ معه عام 2008 وأعلنه 2011.

هناك تشابه بين تجربتي المؤيد والتيجاني، فكلاهما حصّلا هذا التبدل عبر قراءة الكتب، الأول تحول شيعياً والثاني سنياً، ويتشابهان بردة الفعل ضد المذهب السابق.

يقول المؤيد إنه بدأ يفكر جلياً بالإصلاح أولا والتحول ثانياً إلى السلفية عن طريق كتاب «نقد أُصول الشيعة» لناصر الغفاري، وإنه وجدها انتقادات «صميمية»، على حد عبارته، ومنها ما يخص عقيدة الإمامة والبداء، وهو ما يقابل الناسخ والمنسوخ.. وبعد بحث ودراسة حصل له التحول، فاستبدل الشماغ الأبيض بعمامته البيضاء.

كل هذا لم يكن شاذاً، فالعبور من مذهب إلى آخر ليس محرماً بنص من النصوص، وهو من حق أي إنسان، فكيف إذا كان بلغ مرحلة الاجتهاد؟ ليس عليه البقاء على عقيدة لا يقرها، وإلا عُد منافقاً. فما زالت الطرق إلى الله متعددة فلا يضر هذا باتخاذ قناعات جديدة.

لكن خلافاً للتيجاني الذي حاول عبر سلسلة مؤلفاتٍ إنجاز كسب مذهبي أمام احتقان أبناء مذهبه السابق ضده، نرى المؤيد يتولى هدم مذهبه السابق عبر الفضائيات، ولسنا بصدد الصواب والخطأ، لكنه يأتي في زمن أصبحت فيه كل كلمة تتحول إلى غضب ودماء.

ومما صرح به المؤيد، عندما سأله مقدم البرنامج عن إخلاص ووطنية الشيعة المتدينين، على وجه الخصوص، لأوطانهم، أجاب: «أشكك بوطنية الشيعة، صعب للشيعي أن يكون مخلصاً لوطنيته»!

كذلك اعتبر التقريب بين المذاهب حيلة شيعية ضد المذهب الآخر، كمحاولة لنزع الاعتراف.

ومعلوم أن نشاط التقريب، خارج السياسة الطائفية الرسمية التي تحاول زرع الأحزاب والجماعات الموالية، حقق أجواءً مِن الحوار والانفتاح بين المرجع حسين البروجردي (ت 1961) وشيخ الأزهر محمود شلتوت (ت 1963)، فجاءت فتوى جواز التعبد بالمذهب الإمامي (للإطلاع على صورة الفتوى انظر: هويدي، إيران من الداخل). لكن لا يعني جواز التعبد بالمذهب الإمامي رفع راية الحرابة للمذهب السابق، وقد خصت هذه الفتوى التحول العبادي لا السياسي، ورفع الحرابة بلا شك يجري بمنطق السياسة لا الديانة!

وبالمقابل تقدم الشيعة صراحة بإعلان ما يخص تكريم الصحابة وأُمهات المؤمنين؛ جاء نصاً: «عدولهم وصلحاؤهم وأخيارهم واجبوا التقدير والاحترام وعداوتهم والنيل منهم والقدح فيهم لأجل دينهم أو صحبتهم لرسول الله (ص) كفر وضلال، وخروج عن الإسلام لرجوعه إلى عداوة النبي (ص) وبغضه، وهذا ما لا يختلف فيه اثنان منهم. أما نساء النبي فهن أُمهات المؤمنين، كما جاء التنصيص عليه في القرآن، فمَن استحل منهن ما حرم الله فليس بمسلم، ولا مؤمن إطلاقاً» (القزويني، الشيعة في عقائدهم وأحكامهم).

كان المنتظر من المتحولين مذهبياً أن يكونوا جسوراً لردم الكراهية فالأوطان تتسع، وأن لا يؤخذ الوضع الطائفي الاستثنائي، لسبب سياسي قبل أن يكون دينياً، كحالة دائمة.

مَن ذكرناهم ليسوا أُناساً عاديين، وإنما كانوا أصحاب معارف في أحوال المذاهب، وهم على علم بأن محو الآخر مستحيل.

ومَن يسمع المؤيد يجد خطابه زيتاً في نار الطائفية، حتى صار تحوله مناسبة للتشفي. فبعد إعلان التيجاني استبصاره والمؤيد هدايته، تقابلت بهما الفضائيات.

أقول: ليحتفلا بالاستبصار أو الهداية، لكن بلا ضجيج داخل مناطق ملتهبة.

  كتب بتأريخ :  الأربعاء 29-10-2014     عدد القراء :  3894       عدد التعليقات : 0