الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
أمين «الدعوة الإسلامية».. يستخف بعقولنا

نشرت «الأخبار» اللبنانية (19 نوفمبر 2014) كلمة لرئيس وزراء العراق السابق نوري المالكي؛ بصفته أميناً لحزب «الدعوة الإسلامية»، عنوانها: «الدعوة والقدرة على المراجعة المستمرة»، يوضح فيها أنه بسبب المسؤولية الحكومية بعد عام 2003، وتحت ذلك الضغط، عاش الحزب -العبارة للمالكي- ظرفاً استثنائياً، ومع ذلك قَدم على المراجعة لكنها لم تكن بالمستوى المطلوب، وأنه حزب يتجدد، مستثنياً نظريته على أنها ثابتة: «ماهية حزب الدعوة الإسلامية ونظريته وفلسفته تبقى ثابتة بصرف النظر عن الزمان والمكان». أقول أية نظرية أو فكرة لا تتأثر بالزمان والمكان، تصنف من المقدسات لا تقبل التجديد ولا التغيير، فكيف يجري العمل السياسي والحزبي بهذا الاشتراط؟

أما هدف الحزب فهو «تحقيق غايات الشريعة الإسلامية، على مستوى الفرد والجماعة والأمة. ولا يفارق حزب الدعوة الإسلامية ثوابته العقيدية والفقهية والفكرية التي تأسس عليها، وهي الثوابت التي تمثل فلسفة وجوده. مع الأخذ بالاعتبار أن الشريعة السمحاء فتحت الأبواب أمام المشرعين للتجديد في الأفكار الإسلامية التي تقع في دائرة المتغيرات، والتجديد في الأدوات تبعاً لذلك. أي أن أدوات العمل الدعَوي وأساليبه هي المساحات التي تتحرك فيها آلة التغيير والتجديد والتطوير؛ بالشكل الذي ينسجم مع متطلبات الزمان والمكان والوقائع الجديدة والمسائل المستحدثة، التي يجب ألا تخرج عن غايات الشريعة ومضامينها».

ومِن المعروف أن عقيدة «حزب الدَّعوة الإسلامية» غير منفصلة عن الإسلام السياسي، وبالتحديد «الإخوان المسلمين»، وحتى الساعة لم تظهر داخله نظرية خاصة، فوجوده النظري اعتمد بالأساس على كتب سيد قطب (أُعدم 1966) وأبي الأعلى المودودي (ت 1979). كما كان تأسيس «الدعوة الإسلامية» ردة فعل على المد اليساري (1959). ويعني هذا أنه ظهر لمواجهة خصم وظرف، وليس بيده أداة فكرية غير التي لدى «الإخوان»، حتى أخذ العديد مِن المهتمين يصفونه بـ«إخوان الشيعة». وخلال فترة قصيرة مِن ظهور النواة الأولى للحزب، والمالكي والموجودون جميعاً لم يكونوا بينها، ظهرت الانشقاقات تلو الانشقاقات. فعن أية نظرية خاصة بـ«حزب الدعوة» يتحدث المالكي؟ أليست هي النظرية الإسلامية السياسية المأزومة؟ فها هو يتحدث عن السعي لتطبيق الشريعة، وبهذا الصدد هل نأخذ كلماته عن «دولة مدنية» عندما كان رئيساً للوزراء حالة نفاقية حتى يحصل التمكن؟

ورد في مقال المالكي التأكيد على الأخلاق وترويض النفس ومحاسبتها، والإصرار على الهوية الإسلامية، بما تحمل من طُهر وتضحية، وكأنه لم يتسلم رئاسة السلطة التنفيذية، لدورتين، وكحزب للدورة الثالثة والآن الرابعة، ولم يبق حتى الصدى مِن تلك الثوابت التي عبّر عنها كمنظومة أخلاقية للحزب، يتربى عليها الدعاة، بينما الفساد الذي ضرب الثروة العراقية، في عهد الحزب، لم يسبق له مثيل، فالحزب اختار لإدارة السلطة التنفيذية، سواء كان في مكتب رئاسة الوزراء أو مكتب القائد العام للقوات المسلحة مَن لا خبرة لهم ولا عِلم ولا نزاهة. فهل عطبت ذاكرة المالكي إلى هذا الحد، كي يتحدث عن الطُهر الثوري الديني؟ ولمَن يوجه حديثه؟

ركز المالكي على ثلاث نقاط، جميعها لا صلة لها بما قدمه حزبه من مثال سيء وهو في السلطة، بل وهو في المعارضة أيضاً، وهي: التمسك بمبادئ «الدعوة» وثوابتها، والتمسك بسلوكيات الدعوة وأخلاقياتها، والتمكين لمفهوم أن السلطة أداة للدعوة لا هدف لها، وأنه يريد تفكيك إشكالية علاقة الدعوة بالسلطة. فبأي مبدأ يتمسك حزب الدعوة؟ لقد فشل بإدارة الصراع تماماً، بل ذهب به المالكي إلى أقصر الطرق للسلطة، وهي الطائفية، والتستر بعنوان «دولة القانون». لقد أظهرت السنوات العشر التي أمضاها الحزب حاكماً، أنه لم يتحرك وفقاً لتلك الأخلاقيات المدعاة، وأظهرته حزباً مأزوماً أخلاقياً، وكانت الأسوأ في الولاية الثانية لأمينه العام. فهل كان أمينه جاداً عندما يصف حزبه بالقول: «الكتلة المؤمنة الصالحة الواعية»! الواقع يُكذب هذا الادعاء تماماً.

إن أزمة حزب الدعوة ليست أزمة ممارسة أو أدوات فحسب، وإنما هي أيضاً أزمة الفكر الإسلامي السياسي على العموم، وللنتائج أسباب، سواء كان الحال بمصر أو تونس أو إيران حيث اعتقد الإسلام السياسي أنه الحل، فالحركات التي خطفت الدِّين، على اختلاف مشاربها، تعيش أزمة فكر وأزمة أخلاق، ولم تعد حلاً للمشكلات. إن تجديد المالكي، بما قدمه مِن ماهية حزبه وطهوريته وأزليته، يمثل استخفافاً بعقولنا.

  كتب بتأريخ :  الثلاثاء 25-11-2014     عدد القراء :  3621       عدد التعليقات : 0