الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
كيف تعامل الرافدينيين مع الموت والمصير ؟.

   * منذ أقدم العصور كانت حقيقة الموت والمصير تقض مضجع الإنسان وتقلقه وترعِبه أيضاً، حين كان يعرفُ يقيناً أنه سينتهي ويفنى تماماً كأي حيوان أو نبات، وأن الخلود هو للآلهة فقط وليس للبشر، بإستثناء (أُوتونابشتم) بطل ملحمة الطوفان البابلي، والذي إستحق الخلود لأنه قام بعمل خارق للطبيعة حين أنقذ النسل البشري من الهلاك والإنقراض بفعل الطوفان الكبير.

   ولِحَد اليوم نرى أن أكبر مخاوف الإنسان على الإطلاق هو خوفه من المجهول، ورغم كل ما يدعي البعض من أن هناك مصير وحياة وجنة ونار بعد الموت، لكنهم ليسوا واثقين تماماً من كل ذلك، لأنهم لا يملكون الدليل القاطع على ذلك، لهذا نراهم يبكون ويلطمون ويحزنون كلما مات شخصٌ عزيزٌ عليهم، بينما المفروض أن يفرحوا ويُهللوا لو كانوا حقاً يعتقدون بأنه ذاهبٌ إلى جنة الخُلد!!. وبسبب عدم معرفة الإنسان القديم لمصيره، لِذا نراه يبحث حوله عن بديل أو فكرة أو وهم أو حتى كذبة تُريحهُ من هواجسه وقلقه وكوابيسه

   المتعلقة بالموت والمصير، لكنه كان يصطدمُ بالفشل دائماً، كما يتوضح لنا من خِلال (ملحمة كلكامش) مثلاً، وهي أطول وأشهر وأقدم نماذج الأدب الملحمي في تأريخ كل حضارات العالَم، وفيها يقوم كلكامش -وهو ملك سومري ثلثه بشر وثلثيهِ إله- بسفرته البعيدة، راكباً المصاعب والمخاطر، باحثاً عن (عشبة الخلود)!، عَلهُ يُعيد الحياة لصديقه الميت أنكيدو، كمحاولة للإلتفاف على الموت ومصير الإنسان وجعل الخلود محطة لما بعد الموت!، وبهذا يكون قد أعطى هدفاً ومعنى للحياة الأرضية.

   ونجد أن أكبر وأعمق سؤال في تأريخ البشر كان دائماً: من أين جِئنا، وإلى أين سنذهب، وما هو مصيرنا بعد الموت!؟. وهنا نرى أن للبشر قناعات وأجوبة مُختلفة حول هذه الأسئلة تختلف بإختلاف المجتمعات الأرضية أو الأفراد والجماعات .. الخ.

   لكن .. كل هؤلاء البشر، نراهم يشتركون جميعاً في رفض أن يكون موتهم تلاشياً نهائياً وكُلياً من الوجود!، وخاصةً في المجتمعات القديمة، يوم لم يكن الناس قد توصلوا بعد لأية فكرة عن المصير كما هي اليوم في مفاهيمنا -الدينية وليس العلمية-، وبغض النظر عن كون تلك المفاهيم صحيحة أم هي مجرد أوهام من صنع البشر!.

   كذلك إعتقدوا أن روح الميت أو شبحه (أطيمو- أدمو) باللغة الأكدية، و (كديم) باللغة السومرية) تنفصل عن جسده ليتكون منها كائنٌ فائق الطبيعة ولا يُمكن الإمساك به!. ولا زال المؤمنين ببعض الديانات الأرضية يعتقدون بذلك لحد اللحظة.

   كان إنسان بلاد ما بين النهرين قد قَسَمَ الكون إلى 3 أقسام: 1- السماء حيث تسكن الآلهة. 2- الأرض حيث يسكن البشر. 3- العالم الأسفل حيث يسكن الأموات.

   وكانوا يعتقدون أن الميت سيذهب إلى (العالم الأسفل - التَحت أرضي) بعد موته، وهو عالم على شكل مدينة كبيرة جداً تكتنفها الظلمات الأبدية ويُحيط بها سبعة أسوار لكل منها باب يحرسه أحد الآلهة المرعبين، ويُحيط بهذا العالَم نهر يُشكل حدوده، وليس في هذا العالم حساب مع الخالق كما في أخيلة وتصورات الأديان التوحيدية، بل هناك سبع قضاة يُساعدون إلاهة العالم الأسفل (أريشكيجال) وزوجها (نرجال) وواجبهم جميعاً هو تسيير أمور العالَم الأسفل، ومحاكمة الموتى الجدد وإعطائهم نفس المصير!، حيث لا يهم كونهم أخياراً أو أشراراً، أغنياء أو فقراء، ملوك أو رعية أو عبيد!!، لأنهم جميعاً سيُلاقون ويتقاسمون نفس المصير في عالم تحت أرضي يغصُ ويطفحُ بالرعب والظلام والأوجاع والأنين والبكاء والأفاعي والعفاريت والأشباح وغيرها من الكائنات الأسطورية الفتاكة التي تنقل الأوبئة والأمراض!، وحيث الأموات عراة وقد نبتت لهم أجنحة وريش كما للطيور، يأكلون الطين والتراب، ويشربون الماء العكر الوسخ. وهي تقريباً نفس فكرة الجحيم في الأديان التوحيدية مع فارق أن الجحيم في الأعلى وليس في الأسفل كما في الفكر والإعتقاد السومري والبابلي، والجحيم ناري ومُلتهب بينما العالم الأسفل بارد جداً.

   لِهذا، وبسبب كل هذه الكوابيس والمنغصات عن الموت والعالم الأسفل في مفهوم الإنسان الرافديني، وخاصةً أن لا ثواب للإنسان الجيد السوي، فقد أصبحت الحياة الأرضية بالنسبة له من أهم أموره اليومية، فراح يعمل ويُجاهد في أن تكون حياته أطول -قدر الإمكان- لتأجيل مواجهة المصير المرعب. ولنفس الأسباب نجد أنه ومنذُ العصر السومري كان الملوك والخاصة وألأغنياء قد تنافسوا في تشييد المعابد، وتفانوا في خدمة وتمجيد الآلهة وتقديم الهدايا والطعام والأضاحي لها كنوع من الرشوة والتملق، وخوفاً وتضرعاً وتوسلاً لها، لأجل أن تُطيل أعمارهم وتحفظ لهم حياتهم الأرضية التي ينعمون فيها بالسعادة التي سيفتقدوها حتماً في العالم الأسفل التحت أرضي!.

   وهو نفس الهدف الذي من أجله يتدين (أغلب) الناس أو يَدَعون التدين اليوم، صالحين كانوا أم طالحين، متصورين أن الألهة أو الله سيرعوهم ويُقربوهم ويُحسنوا لهم بعد موتهم، وهذا يدعو للسخرية حقاً، حيث لو كان هناك آلهة حقاً، فهي لابد تملك القدرة بحيث سَتَعلمُ حتماً هل هؤلاء الناس أبرار وأخيار حقاً كما يدعون!، أم أنهم كَذَبَة وأشرار خدعوا الناس وأنفسهم ويُحاولون خداع حتى الله الذي يعبدوه ويؤمنون به ؟، وستتعرف الآلهة على نواياهم الوصولية الماكرة حتى لو كانوا في مركز البابا أو الخليفة أو السلطان أو الحاخام الأكبر أو الدالالاما.

   كذلك نرى أن نفس فكرة بناء المعابد تقرباً وتملقاً وتزلفاً وإرضاءً للآلهة، لا تزال موجودة لحد اليوم عند هؤلاء الذين يبنون الكنائس والجوامع والمعابد المختلفة لنفس الغرض القديم … لإرضاء الآلهة أو الله طمعاً في موطيء قدم في الجنة التي لا أحد يملك الإثبات العلمي المُقنع على وجودها!.

   ومن خِلال بعض التفاصيل هنا نرى أن أمل الناس ورغبتهم العارمة في تصديق فكرة (الحياة بعد الموت) هي السبب الرئيسي الأول لإيمانهم بالأديان والله، ولولا طمعهم في الجنة وحياة أخرى بعد الموت لكانت فكرة الله بالنسبة لهم ستكون أكبر نكتة ومسخرة !.

   * كان السومريون يسمون العالم الأسفل: ( كو-نو-كي ) أو (كور)، بينما سماهُ الأكديون (أرص لا تاري) وتعني: أرض اللا عودة، وسماهُ البابليون (أرالو) وكان يحكمه كما ذكرنا كلٌ من (أرشكيجال وزوجها نرجال)، وسماهُ فراعنة مصر (طوات - دوات) وكان يحكمه الإله (أوزيريس)، واليونانيون سموهُ (تارتاروس) وكان يحكمه الإله (هاديز)، وسماهُ الكنعانيون (حمري) وكان يحكمه الإله (مْوت) … الخ.

   ونجد لاحقاً أن اليهودية كانت قد إقتبست فكرة العالم الأسفل (الهاوية) من الشعوب التي حولها والتي سبقتها في هذه الفكرة بعدة مئات من السنين. وكما يرى الدارس، فالنص التوراتي يشبه النص البابلي حين يتعلق الأمر بالمصير في العالم الآخر التحت أرضي، بحيث أطلقوا عليه تسمية (شيول) و (الهاوية) وأدرجوه في توراتهم (العهد القديم)، عِلماً أن فكرة العالم الأسفل فكرة وثنية في حين يزعم اليهود أن دينهم سماوي و (موحى) به من قبل الرب الخالق!!، حيث نقرأ في (أشعيا-الإصحاح 43 - 17): [ يضطجعونَ معاً (يقصد الأشرار والأخيار) لا يقومون، وقد خمدوا كفتيلة وإنطفأوا ]!.

   كذلك نقرأ في (مز 9:17): [ الأشرار يرجعون إلى الهاوية، وكذلك كل الأمم التي نسيت الله ]، ويوجد الكثير من الآيات التوراتية التي تُثبت أن اليهود آمنوا بالعالم الأسفل وتشارك الأخيار والأشرار في المصير المُشترك والنهاية البائسة المظلمة للميت، وسنقرأ معاً أدناه كيف ولماذا قفزت فجأةً مفاهيم وإعتقادات الدين اليهودي حول العالم الأسفل إلى مفهوم جديد يتمحور حول (البعث والخلود والحياة في العالَم الآخر والجنة والجحيم وغيرها)، وذلك عِبرَ جولة مُختصرة ومُكثفة مع المُفكر والباحث د. سيد القمني في كِتابه (قصة الخلق)، وبإختصار وتصرف كاتب المقال:

   [ إستطاع أشعيا وصحبه أن يُساعدوا في فتح أبواب مدينة بابل لقورش وجيشه الفارسي، وبعد سقوط بابل تصرف أنبياء اليهود مع الوضع الجديد وإستغلوه سياسياً ودينياً بذكاء. فحولوا إلههم المحلي (يهوه) إلى إله عالمي، ولم يترددوا عن التجاسر بالقول أنه هو إله قورش وإله إمبراطوريته الفارسية، بل وسجلوا ذلك في توراتهم، وإدعوا أن قورش كان يعمل بنصح ومشورة وإرشادات (يهوه)!، ووصلت بهم الوقاحة لحد إدعاء أن قورش هو مسيح يهوه المُنتَظَر!، ومُخَلِص اليهود الذي طالما ترقبوا ظهوره ليعيدهم إلى أرضهم ليبنوا دولتهم من جديد. هذا رغم أن قورش كان رجلاً مؤمناً بديانته الزرادشتية ومُخلِصاً لها تماماً، لكنه لم يجد بأساً ولا حرجاً في قليل من المجاملة لجواسيسه الجدد، ولهذا تغاضى عما كان يُعلنه اليهود عنه وعن ربهم (يهوه)، ما دام الأمر لم يتجاوز النطاق الديني، أو بالأحرى نطاقهم الديني.

   وزاد قورش في مجاملاته لهم فأطلق سراحهم من الأسر البابلي، وساعدهم في إقامة هيكلهم مرة أخرى، ثم تزوج واحدة منهم (إيستر) وجعلها ملكة على بابل، وكان لكل هذه الدبلوماسيات دور فاعل في تحول (يهوه) من إله محلي إلى إله عالمي ].

   في مقطع آخر من نفس الفصل يقول د. سيد القمني: [ وهكذا تكفل أشعيا بإشاعة أن (يهوه) هو إله قورش وناصِره، ومن ثم هو إله الأمبراطورية الفارسية وكل العالم، ولم يعترض قورش على جواسيسه الذين نقلوا له أخبار بابل ومُختلف شعوب المنطقة وبكل وفاء جلي.

   أما دانيال النبي، فقد تكفل بمهمة أخرى، فقام برد إحسان قورش بأحسن منه، فأدخل إلى اليهودية عقيدة جديدة لن تكن فيها أبداً من قبل، أخذها عن ديانة قورش الزرادشتية، ليكون هذا المزج الديني كفيلاً بتحقيق الأهداف المرجوة، حيث كان اليهود طوال عهودهم يعتقدون ويؤمنون بأن الموتى جميعهم ( الصالح والطالح ) يذهبون بعد موتهم إلى العالم السفلي التحت أرضي الذي إقتبسوا فكرته من أقوام ما بين النهرين، ذلك أن العالم الذي أسمته التوراة (الهاوية) و (شيول) وأكدت التوراة هذا المعنى في قولها: "ومن جهة أمور البشر، فإن الرب يمتحنهم ليريهم أنه كما البهيمة هُم، موت هذا كموت ذاك، وقسمةٌ واحدة للكل" (ص3-16-22). وكان أعظم عقاب رباني -برأيهم- يلحق بالإنسان، هو أن يموت، حتى أن الرب ذاته كثيراً ما كان يلجأ إلى سلاح الموت السريع المفعول لإنزال العقوبة على العصاة، فيُميتهم ليذهبوا إلى تحت الأرض (الهاوية -شيول)، بينما الإنسان المُخلص ليهوه فكان يهوه يُزيد في سني عمره وفي حياته الدنيوية الأرضية !، وكذلك كانت التوراة تؤكد دائماً أن الموتى "يضطجعون معاً ولا يقومون، وقد خمدوا كفتيلة إنطفأت" (أشعيا43-17)، وأيضاً: "ينامون نوماً أبدياً ولا يستيقظون"، (أرميا 51-39). بل يبدو لنا في التوراة أن العالم التحت أرضي لهو خارج عن سلطان (يهوه) وسيطرته !!.

   حتى كبار أنبياء اليهود كانوا يعلمون مصيرهم بعد الموت، وأنه إلى هاوية تحت الأرض، فها هو يعقوب يبكي وينوح حزناً على موت ولده يوسف، بعد أن خدعه أبناؤه وقالوا له أن ذئباً قد أكله، فيقول: "إني أنزل إلى إبني نائحاً في الهاوية" (تكوين37-35). ولكن .. هل كان دانيال يتصور حقاً أن قورش سيرضى بفكرة المصيرٍ في العالم السفلي!، بينما لديه في الديانة الزرادشتية نعيماً مُقيماً بعد الموت في مكان سماوي يُدعى (باراديس) أو (الفردوس)!؟. وهنا كانت مهمة دانيال الذكي، فقام يُحول (شيول والهاوية) إلى عالم خالد، من أجل عيون قورش، ذلك الذي أصبح مسيحاً للرب يهوه، والذي يستحق مصيراً أفضل بعد موته. وبالطبع قَبَلَ قورش الهدية مُمتناً شاكراً، وهكذا ظهر في التوراة ولإول مرة وتماشياً وتناغماً مع أفكار الديانة الزرادشتية، حديثٌ حول قيامة الموتى !!:

   وكثيرٌ من الراقدين في تراب الأرض يستيقظون

   هؤلاء إلى الحياة الأبدية ويُقصّدُ بهم الأخيار

   وهؤلاء إلى العار والإزدراء ويُقصَدُ بهم الأشرار

   هلم يا شعبي إدخل مخادعك. (أشعيا 26-19).

   كذلك تقول التوراة:

   وأضع روحي فيكم فتحيون

   وأضعكم في أرضكم ..

   فتعلمون انني أنا الرب … تكلمتُ وفعلتُ.. (حزقيال 37-4:1).

   ومع ذلك فقد كان عامة الشعب اليهودي يعلمون أن ذلك ليس في أصل دينهم، وأن المسألة لعبة سياسية، فعاملوا هذه الأفكار الجديدة بحسبانها غشاً وتدليساً ودساً على ربهم يهوه، وكانت محل رفض وإستنكار من المُتزمتين التقليديين، حتى مجيء المسيح، الذي كان تأكيده على فكرة (البعث والحِساب) من أهم حيثيات الحكم عليه بالكفران بدين يهوه، ومن ثم إستحقاقه حكم الإعدام صلباً ]. إنتهى اٌلإقتباس.

   وما أحاول أن أقوله من خِلال كل ذلك هو: كيف يدعي اليهود أن دينهم موحى به من قبل الرب؟، في حين نرى هذا الرب يُغير آرائه في أمور جوهرية حول الموت والمصير بين فترة وأخرى، وكأنه غير متأكد نت نفسه!.

   كذلك نجد أن السومريين والبابليين لم يكونوا قد توصلوا بعد لفكرة (يوم القيامة والعقاب والثواب) في العالم الآخر، والتي تخيلتها ونحتتها الأديان التوحيدية بعد إقتباس الفكرة من الزرادشتية!.

   أما فكرة (جهنم والجحيم) والتي يعتقد ملايين الناس بأنها ستكون مثوى الأشرار في يوم القيامة المزعوم!، فقد كان قد جاء بها الزرادشتيون أيضاً، ومنهم إقتبسها اليهود-كعادتهم- وتسربت عبرهم إلى الديانتين المسيحية والإسلامية وبنفس الطريقة الكاربونية!.

   * الديانة الزرادشتية -النصف الأول من القرن السادس ق.م- هي ديانة توحيدية تقول تعاليمها: أن روح الميت تهيمُ لمدة ثلاث أيام لتواجه بعدها الحساب. وفي اليوم الرابع تمضي إلى (جسر الحساب)، حيث توزن أفعال الميت، فإذا غلبَت كفة الخير على كفة الشر، فإن الروح تعبر جسر الحِساب بمرافقة عذراء جميلة، وسيتسع الجسر لعبور الروح، فتدخل الجنة (وربما من هنا جاء محمد بفكرة الحور العين العذراوات في جنته المُفترضة)!.

   وفي حالة تغلب كفة الشر على الخير، فهنا يتقدم الميت ماشياً فوق الصراط حيث ستقترب منه عجوز شمطاء قبيحة دميمة نتنة الرائحة مشعثة الشعر تملأ البثور والدمامل والقروح وجهها، فيسألها الميت بفزع: من أنتِ ؟، فتُجيبهُ: أنا أعمالك الأرضية السيئة الشريرة. ثم تحتضنه وتجذبه معها كي يسقطوا معاً إلى قاع الجحيم الزرادشتي الأبدي البارد!!!!.

   الزرادشتية صورت جحيمها بارداً ثلجياً لأنها كانت تُقدسُ وتعبد النور والنار. وهنا قد يطول الكلام عن الجحيم الزرادشتي مما لا علاقة له بموضوعنا هذا.

   كذلك يؤمن الزرادشتيون بيوم الحشر (الدينونة)، وإنه بعد المعركة العالمية الأخيرة الفاصلة بين قوى الخير والشر، والتي تسميها الديانة اليهودية ب (هرمجدون)، فإن الأخيار سيكونون في الجنة مع زرادشت، والأشرار سيُخَلَدون في النار مع الشيطان (أهريمان).

   كذلك يؤمنون بعدم إختلاط الجسد المادي للميت بعناصر الحياة الثلاثة (الماء والتراب والهواء) لِذا يتركون أجساد موتاهم في العراء منشورة فوق أبراج خاصة تسمى (أبراج الصمت- رخنة)، وبعد أن تأكل الطيور جثة الميت تُجمع العظام وتوضع في فجوة خاصة من البرج دون دفنها.

   الزرادشتية عقيدة دينية تتمحور حول إلوهية إله واحد مطلق عالمي، خالق غير مخلوق، مقتدر على كل شيء، وإليه ترجع أمور كل المخلوقات. وهذه الصفات تُذَكِرني ببعض صلاة المسيحيين.

   كذلك الزرادشتية تؤمن بالعقاب والثواب والصراط وميزان الأعمال واليوم الآخر وبوجود الروح وبفناء الجسد وليس الروح، وأن الروح ستبقى بعد موت صاحبها في منطقة وسطى بين النار والجنة تُدعى (البرزخ).

   ومفهوم الجحيم في الزرادشتية بإختصار شديد، هو منطقة باردة فيها حيوانات متوحشة ستُعاقِب المُذنبين على آثامهم الحياتية الأرضية. أما (الأبستاق) فهو كِتاب الزرادشتيين المُقدس.

   وكلما قرأنا عن الزرادشتية أكثر كلما حصلنا على قناعة أكبر من أن الأديان التوحيدية الثلاثة مستوحاة ومقتبسة بنسبة كبيرة من الزرادشتية، لدرجة ممكن معها تقسيم عقائد الموت إلى ما قبل الزرادشتية وما بعد الزرادشتية!.

   * يُشير اللوح الثاني عشر في ملحمة كلكامش إلى أن وضع وأحوال الميت وإستقراره في العالم الأسفل إنما هو رهنٌ بما يُقَدِم أقرباؤه وعائلته الأحياء من أضاحِ وقرابين للآلهة والمعبد!، لِذا كان لِزاماً عليهم دفن الميت بموجب القواعد والشروط الدينية، وإلا فستخرج روح الميت (أطيمو) هائمة على وجهها لتسبب الرعب والأمراض والأوبئة وكل أنواع الضرر للأحياء من أقارب الميت ومن حولهم لدرجة قد تصل لحد إلتهامهم وهم أحياء !.

   وطبعاً هذا -لوحده- يكشف مدى خداع وتحايل الكهنة منذُ قديم الزمان، من أجل إبتزاز الأموال والعطايا من أهل الميت، ونرى أن هذه الأساليب والإبتزازات لا زالت مُستعملة لحد اليوم من قبل الكهنة ورجال الدين في كل الأديان وبطرق جديدة لكنها جميعاً تؤدي إلى فائدة الكاهن والمؤسسة الدينية، والموضوع ككل يدخل ضمن دائرة الجهل والإستغلال والكذب والحيلة والتي يشترك في قطبيها كلُ من المؤمن الساذج مع رجل الدين المحتال!. وكما يقول المثل العراقي الشعبي: "إللي ما يفتح زنبيلة .. محد يعبيلة"!.

   يقول الفيلسوف الإنكليزي (فرانسيس بيكون): "إن مُجتمعاً من الخراف يخلق دائماً حُكاماً من الذئاب"، وتُقابلها حكمة شرقية تقول: "لن يركب أحد ظهرك إلا إذا إنحنيتَ" وهذه حِكَم تُثبت نفسها كل يوم، ولهذا السبب نرى رجال الدين في أغلب الحقب التأريخية يحتكرون المعرفة والعلوم والكِتابة -قدر الإمكان- في المجتمعات الأرضية، ومن هنا كانوا يستَقون أغلب قوتهم وتسلطهم على العِباد، حيثُ يقول نفس الفيلسوف (فرنسيس بيكون): "المعرفة قوة". ولهذا كان الناس دائماً يخافون ويرهبون سطوة وتسلط وهيمنة رجال الدين والكهنة، وبسبب تفوق الكهنة فكرياً ومعلوماتياً وسلطوياً، وخاصةً حين يقف لمساندتهم الله العاتي الجبار وبكل تهديداته ووعيده وتخويفه للبشر بالعقاب وجهنم التي سيتلضى على نارها المارقون إلى (دار داريتو) ومعناها إلى أبد الآبدين.

   كذلك يقول اللوح #12 في ملحمة كلكامش: إن بعض الموتى من الذين خَلَفوا المآثر الصالحة وذرية من البنين، ومن سقط شهيداً في أرض المعركة، ومن واضَبَ أقرباؤه على تقديم القرابين والطعام للمعبد والآلهة، ستنال روحه في العالم الأسفل بعض الراحة وستحصل على الطعام والشراب. وهنا نجد مدى إستغلال الكهنة للناس البسطاء المساكين في حثهم وإغرائهم على العطاء أكثر واكثر!.

   أما الفقرة التي تقول بأن من سقط ميتاً في أرض المعركة سينال الحسنات في العالَم الأسفل، فقد تكون المصدر الأصلي الذي إقتبس منه رسول الإسلام الآية القرآنية التي تقول: "ولا تحسبن الذين قُتلوا في سبيل الله أمواتاً، بل أحياءً عند ربهم يُرزقون".

   إن سلطة المعبد ورجال الكهنوت كانت أقوى من الحاكم الباطش أحياناً، وكانت تُمثل أكبر سلطة مدنية في بعض المدن وخاصةً القرى الصغيرة النائية حيث يُعشش الجهل، مثال القرى المسيحية في سهل نينوى حيث كان يعيش أجدادي.

   وفي حقب تأريخية كثيرة رأينا الناس والمجتمعات أُسرى وتابعين للكهنة والمعبد والدين، وحتى الملوك .. كانوا أحياناً ضحية ولُعبة (يويو) بأيدي بعض رجال الكهنوت الأشرار، وعبيداً لتعقيدات شعائر وهلوسات دينية مُدمرة !.

   ذات يوم سمعتُ رجلاً من أقاربي يُردد واحدة من الأمثال باللغة الكلدانية (السورث) في إمتداحِ رجل شاطر ومنطيق من أصدقائه حيث قال عنه: ( إكمَحمِل قاشة )، وترجمتها للعربية: ( يستطيع إيقاف أو مُجابهة كاهن أو قس )!. وهذا يعني بصورة مباشرة أو غير مُباشرة أن القس كان يملك من العقل والمنطق والمعرفة والشخصية وحجة الكلام ما يجعل إحتمال مُجابهته أو إيقافه شيء من بعض المستحيل في نظر القرويين الجهلة، وطبعاً هو حال الناس في كل قرية أو منطقة سكنية بعيدة نوعاً ما عن المدنية والثقافة والتعلم، وبعيدة أيضاً عن تداول وممارسة الأفكار الحرة التي كانت سابقاً تدخل ضمن باب الكفر والهرطقة والزندقة وغيرها من البُدع التي خلقتها الأديان التوحيدية الأرضية الترهيبية لمجابهة كل من يُفكر ويُشكك ويستعمل عقله!، ولهذا كان الكاهن دائماً يُمرر على مُجتمعه ما يُريد تمريره من أمور شتى وبكل سهولة ويُسر، ولا زال يفعل ذلك للأسف الشديد!.

   * كذلك كان الناس في الأزمنة القديمة يعتقدون أن الموت لا يقضي على الإنسان بصورة كاملة ما دام سيُخلف من الأبناء من سيحمل أسمه، لِذا كان لمن يُخَلِف عِدة أولاد، بعض الرعاية الحسنة في عالم الأموات التحت أرضي!!، ونرى نفس الفكرة لا زالت موجودة في الذاكرة العراقية من خِلال المثل الشعبي القائل: "اللي خَلَف ما مات".

   كذلك كان يتحتم على أهل الميت البُكاء عليه (باكو) وأن يقبروه ويدفنوه (قبيرو) ويُقدموا من أجل راحة روحهِ القرابين من طعام وأضاحي وغيرها ولمدة من الزمن، وهذه أيضاً لا تزال قائمة ليومنا هذا في مجتمع المسيحيين والمسلمين في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وذلك من خلال (طعام الرحمة) الذي تقدمه عائلة الميت لجموع المُعزين وللفقراء من الناس أيضاً، وحين تُخَصَص الأيام الثلاثة الأولى من موته لإقامة التعازي على روحه، زائداً اليوم السابع ويوم الأربعين ومرور سنة واحدة، وبمناسبة أول عيد ديني بعد موته !.

   وكانوا يمنعون منعاً باتاً كل من يقوم بإزعاج الموتى وإخراجهم من قبورهم لأي سبب من الأسباب، وكان حرمان الميت من مراسيم وطقوس الدفن يُعتبرُ عقاباً كبيراً وخطيراً جداً ولا يُحكَمُ به إلا من كان له جريمة كبيرة، مثال: المرأة التي تُسقِطُ حملها وجنينها عمداً مع سبق الإصرار، حيث كان عقابها أن تُرفع وهي لا تزال حية على الخازوق!، ولا تُدفن جثتها، إمعاناً في قسوة العقاب الموجه لها في الحياة وما بعد الموت!. ولو كان هذا العِقاب مُطَبَقاً لحد اليوم لكنا سنحتاج إلى عدة معامل لتصنيع الخوازيق (القوازيغ) !!.

   كذلك كان رثاء وتعديد مناقب الميت معروفاً في تلك الأزمنة كما هو اليوم بالضبط، وكان يقوم به مجموعة مُحترفة من الرجال والنساء الكاهنات المغنيات العدادات والنائحات، ومن أشهر ما تم إكتشافه من الرثاءات ما يتعلق برثاء كلكامش لصديقه الحميم إنكيدو، وأيضاً كان لتلك الأزمان ناس أجادوا عملية الرثاء والبكاء والنواح في المناسبات الحزينة، وكان نوعاً من الإحتراف المهني تقوم به مجموعة من الكاهنات والعدادات النائحات، بالضبط كما هو معروف في المجتمع العراقي اليوم من النساء (العدادات)، وجائت هذه المفردة من (تِعداد) مناقب الميت أيام التعازي المقامة من أجله، وفيها يتم غض النظر عن كل سلبيات وسيئات الميت (المرحوم !) ولا تُذكر إلا محاسنه، وإن لم يكن له محاسن فستخترع له العدادة محاسن من جيبها وجعبتها، وطبعاً كل شيء له ثمن! وفي هذا يقول المثل العراقي: "الميت تطول كراعينة"!. وفي حالة عدم وجود محاسن للميت لتذكرها العدادة، فيقول المثل: "تْحير النايحة شِتعَدِد وشِتكول" !!.

   كذلك كان للسومريين والبابليين إبتهالات وصلوات ومراثي خاصة متنوعة ومعقدة كان بعضها مُخصصاً لراحة أرواح الأموات، ومن ضمنها إبتهالات تُدعى ب ( مراثي تهدئة القلوب)، وهي من نوعية الإعتراف بالذنوب في سبيل نيل المغفرة والعفو، ونجد اليوم في الطقوس الشرقية للكنيسة الكلدانية العراقية صلاة شبيهة بهذه الإبتهالات تسمى بصلاة أو قراءة (فعل الندامة).

   * أما عن طرق الدفن .......

   ففي البداية نجد أن السومريين كانوا يدفنون الخدم وبعض الحاشية مع الملك حين موته، كما جاء في كتاب (قصة الخلق) للدكتور سيد القمني:

   [ إهتم السومريون بالموتى، وزخرت قبورهم بالمتاع والطعام والشراب ويبدو أنه كان بقصد إنتفاع الميت، لذلك ربما إعتقدوا بعودة روح الميت بين آنٍ وآخر من العالم التحت أرضي إلى القبر. وربما كان سبب وضعهم للمتاع أنهم إعتقدوا ببقاء الميت في قبره حياً لفترة محدودة قبل هبوطه إلى العالم التحت أرضي، مما يجعله محتاجاً في هذه الأثناء للطعام والشراب، علماً أن حُكام سومر قبل عهد العاهل (أورنمو) كانوا يصطحبون معهم عند موتهم مُقتنياتهم وحاشيتهم من بشر، بعد أن يتجرع هؤلاء السم ليهبطوا بصحبة سيدهم (الملك) إلى عالم تحت الأرض ]. إنتهى الأقتباس.

   أيضاً كانت هناك عادة دفن خاتَم الميت معه، وقد زالت هذه العادة بتقادم الزمن لأسباب منها حاجة العائلة لثمن الخاتم، وأيضاً بسبب نبش قبر الميت من قبل لصوص المقابر لسرقة الخاتم أو أي حاجة ثمينة أخرى. وفي هذا يقول كِتاب (مدخل إلى حضارات الشرق القديم) للكاتب ف.فون.هوزن: [ تم الكشف في المدافن القديمة عن لُقى ثمينة بعضها من الذهب تعود للألف الثالث ق.م، وذلك في بلاد بابل (أور، كيش) وآسيا الصغرى، وقد تعرضت

   أغلب القبور والمدافن القديمة لنهب لصوص المدافن ]. إنتهى الإقتباس.

   أن إكتشاف الكثير من الذهب والحُلي والأدوات الحياتية اليومية والمنزلية ومنها الأسلحة في القبور والمدافن البابلية والآشورية والفرعونية والفينيقية وغيرها، يدل على قناعة وإيمان تلك الأقوام بفكرة البعث وقيامة الموتى في الحياة الأخرى بعد الموت، وكلها جائت بسبب رفض البشر لفكرة إنتهائهم وتلاشيهم بعد الموت.

   وحول الدفن أيضاً، يقول العالِم وإختصاصي السومريات (جان بوتيرو) في كِتابه (بلاد الرافدين)، مُختصر وبتصرف: [ في الماضي البعيد كانت غالبية الشعوب تدفن كل حاشية الملك معه حين موته، لترافقه وتخدمه في العالم

   الآخر. بعدها نجد في بلاد ما بين النهرين توقف عادة التضحية بالحاشية والخدم لمرافقة الملك، وذلك بعد سلالة أُور الأولى -منتصف الألف الثالث-، ولم نعثر عندهم على مثل هذه المجازر الرهيبة، وخيرُ شاهد على ذلك هو ما جاء في مقدمة ونهاية شريعة حمورابي. وكانت عادة تقديم الناس حياتهم فِداءً وخدمة لملكهم وحاكمهم من أجل حياته وديمومته وإسعادهِ معروفة في الأزمنة القديمة، ففي مدينة (ماري- القرن 18) تم إكتشاف صيغة بليغة للمُتعبد عن ولائه الكُلي للملك والإخلاص له وتضحية الجسد والنفس في سبيله، حيث تقول تلك الصيغة: ( أنا دينا نيكا لوليك ) وترجمتها: ليتني أذهب إلى الموت عوضك أو بدلاً عنك، حيثُ كان أمراً تُحتمه الأخلاق أن يقوم الفرد بتقديم ذاته وحياته ضحية أو قرباناً لخلاص سيده أو ملكهِ ] إنتهى الإقتباس

   وهذا القول يُذَكِرُنا بالهتافات والأهازيج الشعبية الشهيرة التي كان يصرخ بها الشعب العراقي لصدام حسين: "بالروح بالدم نفديك يا صدام"، أو بالنشيد الذي كُنا ننشده في الزمن الملكي أثناء الإصطفاف الصباحي قبل بداية الحصص الدراسية للمدرسة الإبتدائية، والذي كانت بدايته تقول: "مليكنا مليكنا نفديكَ بالأرواحِ … عِش سالماً عِش غانماً بوجهِكَ الوضاحِ"، أو بالتعابير الشعبية العراقية الجميلة حين كانت الأم الحنون تقول لولدها .. أو الحبيبة المُخلصة لحبيبها: "أروحلك فدوة" أو بتعبير جميل ورقيق آخر "بِية ولا بيك"، والذي يعني: عسى الشر أن يًصيبني ولا يُصيبك!، أو من خِلال المُفردة التي كان يتخاطب بها يهود العراق الطيبين في لهجتهم العربية البغدادية الخاصة: "أفدالك" وتعني: أنا فِداءً لك، أو كما سمعتُ في إحدى المسرحيات حين راحت الحبيبة تٌُخاطب حبيبها بقوله: روحي وروحك يا روحي روحين إبروح … ولو راحت روحك يا روحي روحي بتروح !.

   وعن طرق الدفن أيضاً، فهناك معلومة تستحق النشر قرأتها في كِتاب (كيمياء الكلمات) للكاتب (علي الشوك) يقول فيها: [ يروي المؤرخ اليوناني (هيرودتس) أن البابليين كانوا "يدفنون موتاهم في العسل"!!، وهذه المعلومة ذَكَرَها (سْترابو) أيضاً على النحو الآتي: "كان البابليين يدفنون موتاهم في العسل، بعد أن يدهنوهم بالشمع"، ولا شك في أن هذا الخبر لا يشمل عامة الناس، بل ملوك البابليين فقط ]. إنتهى الإقتباس.

   وفي (ويكيبيديا الموسوعة الحرة) حول الدفن نقرأ: [ مقابر العراقيين القدماء أعطتنا الكثير من المعلومات عن عادات الدفن، ففي مدينة أُور مثلاً كان مُعظم الناس يدفنون موتاهم في مقبرة الأسرة الواقعة تحتَ منازلهم، جنباً إلى جنب مع مُمتلكات الميت وما يحتاجه، وهناك عدد قليل من الموتى تم العثور عليهم ملفوفين داخل حصير أو سِجاد، أما جُثث الأطفال فكانت قد وُضِعَت داخل جِرار كبيرة مفخورة، وبعض الأموات كانوا قد دُفِنوا في مقبرة المدينة، كذلك عُثِرَ على آخرين وقد دُفِنوا مع محتويات ثمينة وبعضها ثمين جداً، ويُفتَرَض أنهم من الملوك وألأمراء وعلية القوم ]. إنتهى الإقتباس.

   وبحسب آخر البحوث والمكتشفات، يَعتَبِرُ بعض العلماء أن إنسان (نيانترثال)، الذي عاشَ في المرحلة الواقعة بين 100 الف سنة و 40 الف سنة خلت، كان أول من لجأ إلى دفن موتاه، وقبل ذلك لم يختلف أجدادنا الأوائل عن الحيوانات في ترك موتاهم دونما لحد (قبر) في العراء فريسةً للأوابد وأنواع الحيوانات الجائعة.

   وربما كان أول من آمَن بفكرة البعث والخلود بعد الموت هم المصريون القدماء، ولهذا كان فراعنتهم يُحنطون جثث موتاهم كي يُبقوا أجسادهم بصورة صالحة لعالم ما بعد الموت حيث سيلتقي الجسد مع روحه.

   كذلك إعتَقَدَ بفكرة الحياة بعد الموت بعض الفراتيين الأوائل، كذلك الصينيين، بدليل العثور على جيش صيني مصنوع من الخشب يتكون من عدة آلاف من الجنود الذين دُفِنوا مع إمبراطورهم بعد الموت، وكان ذلك الجيش الصيني الخشبي يتألف من 8.099 تمثالاً خشبياً بنفس الأحجام الطبيعية للبشر، وكان قد تم صنعهم ليُرافقوا إمبراطور الصين (كين شي هوانج) في حياته الأخرى بعد موته، والفيدو أدناه يشرح لنا كل شيء عن هذا الجيش الخشبي الأعجوبة!.

   http://alsamer85.blogspot.com/2014/04/blog-post_97.html#.VIqlOBZSzzI

   معلومة جميلة أخرى تقول أن جُثث نساء الفراعنة والنبلاء المصريين كانت تُترك لبضعة أيام قبل أن تبدأ عليها إجراءات ومراسيم التحنيط، وكان الهدف من ذلك هو السماح للجثة كي تفقد رونقها ونضارتها وجمالها، حتى لا تبدو مُثيرة في نظر المُحَنِطين من الرجال!!!. هي غيرة الرجل وأنانيته وشدة إستئثارهِ بحريمه وأنثاه التي يحب ويعشق حتى بعد موتها!.

   آه ثم آه .. كم أنتِ كبيرة وجميلة وضرورية وغالية ومعبودة في نظر الرجل أيتها المرأة الرائعة، رغم كل ما ينثروه حولك من تهميش متعمد؟، وكم هي الحياة جافة وقاحلة وبدون طعم ومعنى ومذاق من دونك سيدتي الأنثى أُم الحياة والخصب والديمومة.

   * مسك الختام ورأي كاتب المقال:

   كما مر بنا، فقد رفض الإنسان عبر كل تأريخه أن يكون مصيره (الفناء) بعد الموت، لِذا إبتدع فكرة (الخلود)، أو حياة ما بعد الموت، وفي البداية وهب هذه الفكرة للآلهة التي كان هو من خلقها بواسطة فكرهِ المُبدع الخصب الخَلاق. بعدها حاول أن يجد ويحصل على الخلود لنفسه، لكنه فشل دائماً وعلى طول الخط، وكان يموت في النهاية وهو يحلم، وكانَ سبب فشله، وبكل بساطة، لأنه ليس هناك أي خلود أو بطيخ !.

   وحين يَئِسَ تماماً من إيجاد الخلود، أقنع نفسه بأن الحصول على الخلود ممكن تحقيقه بطرق أخرى منها: أن يبقى ذِكْر الرجل وإسمه متواصلان من خٍِلال كثرة أبنائه وأحفاده!، وهذا واضح في أسطورة قصة (إيتانا) ملك مدينة (لِكِش)، الذي صعد إلى السماء وحصل على (نبات الولادة) من الإله (أنو) ليُعالِج به عقم زوجته، ثم حبلت زوجته وولدت له طفلاً !، وهي فكرة خلود الإسم عن طريق التناسل والتكاثر عبر الأبناء والأحفاد الذين سيحملون إسم الجد الأكبر.

   أما الطريقة الثانية للبديل عن الخلود، فهي طريقة (كلكامش)، الذي وبعد أن فشل في الحصول على (عشبة الخلود) المزعومة، تم له تخليد نفسه عن طريق (البطولة والأعمال الصالحة الجيدة) التي تم عبرها -لاحقاً- تخليد أسماء وأفعال آلاف البشر المُميزين عبر التأريخ، وهو بالنسبة لي تخليدٌ للإسم فقط، ومن سلبياته أن التأريخ يُخَلِد الأشرار والأخيار معاًُ، بالضبط كما كان الحال في العالم الأسفل الذي عامل الأخيار كما الأشرار وبميزانٍ واحد!.

   بعض ألأديان الأرضية، توصلت لفكرة وجود حياة أخرى بعد الموت قد يطول الكلام عن كيف وصلت إلينا عبر آلاف السنين، لكنها تبقى غير مُقنِعة، لأن لا دليل عليها او لها لحد اللحظة، خاصةً لمن كان لا يؤمن إلا بالعلم والإثباتات.

   الحياة بعد الموت بالنسبة لي فكرة غيبية حالمة أوجدها البشر لتخدير خوفهم وقلقهم الطبيعي من عقدة وكابوس الفناء الكلي، لكن الفناء -شِئنا أم أبينا- هو مصير الإنسان رغم كل المحاولات لإيجاد المُهدئات العصبية والبدائل المُريحة للفكر والنفس من خِلال تهويمات وهلاميات الديانات الأرضية. ونجد أنه حتى فكرة وجود الله أو الخالق، أوجدها البشر كدواء لإزماتهم النفسية حين واجهوا كل ما هو غامض ومستعصي على الفهم حولهم، وفي مقدمتها جميعاً غموض وألغاز ومبهمات الميلاد والموت والمصير.

   وبرأيي أنه حتى لو كان لِزاماً أو قسراً علينا التصديق بواحدة من إحتمالات فكرة (الحياة بعد الموت)، فأعتقد إنني سأختار إحتمال اننا من صنع كائنات فضائية من كواكب وعوالم أخرى بعيدة جداً لم نتوصل لمعرفتها بعد، لإننا لا زلنا في مرحلة الطفولة العلمية ولا ترقى أزمان علومنا لحفنة من السنين قياساً إلى عمر الأرض، وهذا صفر بالنسبة لبعض الكواكب التي قد تكون قد سبقتنا حضارياً ووجودياً بآلاف وربما ملايين من السنين التي مكنتها من صنعنا وإرسالنا كتجارب مُختبرية لهم عبر فايروسات أو جراثيم بطريقة أو بأخرى إلى كوكب الأرض !.

   لكن تلك الكائنات الذكية الخلاقة حتماً ليست هي الله بمفهومه الحالي الساذج الديني الأرضي، وبالإمكان جداً تسمية تلك الكائنات بأي إسم حتى لو كانت التسمية هي (الله)، ولكن …. من دون قداسة وعِبادة وإذلال وأديان غيبية وكهنة ومُحرمات وتابوهات وقيود فكرية، والأهم من كل ذلك .. دون خزعبلات.

   وعسى أن لا يطلب مني بعظكم إثباتاً وحُججاً على صحة فكرتي هذه، فهي مجرد فكرة وحلم، كما هي أحلام وأفكار بعضكم بالضبط عن الله، والحلم لا يضر أبداً، بل ما يضر حقاً هو أن نُحول أحلامنا إلى حقيقة غير ملموسة، ونفرضها على الناس بالقوة، كما فُرِضَت علينا فكرة الله السوبرمان !!.

   أدناه رابط لمقال سابق لي بعنوان: (( هل الأرض مُخترقة فضائياً؟ ))، أقترح على من يملك الوقت أن يقرأه بتمعن، لإن له علاقة برأيي الأخير في موضوع اليوم حول تلك الأقوام الفضائية التي يطيب لي أن (أحلم) بأنها هي التي صنعتنا !!.

   http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=231298

  كتب بتأريخ :  الخميس 18-12-2014     عدد القراء :  4539       عدد التعليقات : 0