الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
النائبة التي تريد ان تحكمنا

عندما نقرأ ونسمع، ان نائبة في البرلمان العراقي تعيب على رئيس مجلس الوزراء زيارته لدولة الإمارات ، وان نائب رئيس الجمهورية الذي يقبض راتبه ومخصصاته من خزانة الدولة لايزال مصرا على تمثيل دور المعارض ، ماذا يخطر في بالك؟ لا أدري.. أما أنا، فيخطر لي أن أرفع كتاب تقدير وإعجاب إلى ائتلاف دولة القانون لعبقريته المثيرة.

على أي حال، أنا معجب بنباهة القائمين على هذا الائتلاف اللطيف، فأجمل ما فيه ان أعضاءه ينشطون هذه الأيام لقطع الطريق أمام أية فرصة للسلم الاجتماعي، ونراهم منهمكين بكل قواهم في إعادة تصحيح المسار الديمقراطي لهذه البلاد بنداء عاجل لعودة السيد نوري المالكي الى كرسي رئاسة الوزراء.

ثماني سنوات وائتلاف دولة القانون يرفع شعارات الرفاهية والعدالة الاجتماعية والاستقرار، لكن اعضائه الكرام لم يبرعوا سوى بتوزيع ثروات البلاد على انفسهم وأقاربهم ، والاستقرار الوحيد الذي تحقق وازدهر هو احتلال عصابات داعش للموصل وتكريت وتهجير اكثر من مليوني مواطن، وإقامة مدن من الخيام ، بدلا من ناطحات السحاب.

عندما توحدت المانيا من جديد، قبل نحو ربع قرن، كان الثمن ترليون دولار دفعتها بون، المدينة التي دمرتها الحرب العالمية الثانية ، لكن نهوض الالمان من ركام الموت والخراب اقتضى سياسيا مدركا لمسؤوليته تجاه شعبه، فكان الاختيار لـ "اديناور"، الذي سمي فيما بعد " باني المانيا الحديثة " لأنه استطاع وخلال سنوات قليلة ان يجعل من هذه البلاد المهزومة، واحدة من اقوى اقتصاديات العالم.

في مذكراته التي اطلق عليها " الميراث والحلم "، يقدم اديناور هذه الصورة المفزعة لبلاده بعد ان استيقظت المانيا على خسارتها المريرة في الحرب: " كان برد المدينة يهاجم الناس مثل وحش ضار، البيوت تحولت الى خرائب، وكان الناس يتدفأون بمقاعد خلعوها من الحدائق العامة، الأطفال وكبار السن يموتون في الفراش بالآلاف، وكإجراء طارئ خصصت لكل أسرة المانية شجرة للتدفئة، وفي نهاية 1948 كانت الحدائق قد تحولت الى ساحات من جذوع الأشجار المقطوعة، العواصف الثلجية التي دفنت تحتها انقاض المدن المدمرة، لم تستطع ان تخفي الميراث المدمر لحلم هتلر الكاذب من اجل المانيا، اما برلين فكانت مكانا بائسا باردا موحشا، كانت مهزومة ومقهورة ومحتلة."

وصف كثير من المؤرخين اديناور بالداهية، فهو يستغل ابتسامته اللطيفة والحنكة التي تعلمها من والدته الفلاحة للوصول إلى أهدافه، ولم يتأخر يوما عن طلب المساعدة من سياسيين كان قد هاجمهم من قبل، مثل تشرشل، وحين يفاجئه مواطن الماني بسؤال: لماذا تطلب المشورة من سياسي خاض من قبل حربا مدمرة ضد المانيا؟، يقول: يحتاج المرء إلى المشورة والإنصات لكي يتمكن من الاستفادة من رجال هم اكثر ذكاء منه.

يعيش صاحب شعار السلطة المطلقة في عالم من الوهم ينسجه له المقربون. صدَّق مبارك التظاهرات التي انطلقت للهتاف باسمه، فيما ظل القذافي حتى اللحظة الاخيرة من حياته يردد "الشعب يحبني"،.. في خريف البطريرك يكتب ماركيز "يعيش الدكتاتور في عالم من القطيعة والأحكام المطلقة التي لا تفسح مجالا للاختلاف" أما مريدوه ومقربوه فنراهم أمام شاشات الفضائيات يبثون الفرقة ويعيدون انتاج الكراهية.

اليوم يريد لنا بعض جهابذة دولة القانون ان نعيش في، نظام لا مكان للبسطاء فيه، إلا بالشعارات والخطب وراء الميكرفونات.. فلا واجبات ولا مسؤوليات تجاه هذا الشعب، بل "منـَّـة" اذا تنازل المسؤول وتمشى وسط حماياته في احد الشوارع،، و"منـَّة" اذا تكرَّم وحضر اجتماع للبرلمان ليناقش قانوناً يهم الملايين، و"منـَّة" اذا وافق ان يصافح المختلفين معه في الرأي!..

ياسيدتي " النائبة " الشعب الذي تريدين ان تحكميه بوصايا المالكي ذهب ولن يعود ثانية.

  كتب بتأريخ :  السبت 20-12-2014     عدد القراء :  4107       عدد التعليقات : 0