الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
مؤتمر أربيل

   يحقّ لكل ثلاثة أو أكثر من المواطنين العراقيين أن يلتئموا في اجتماع، أينما شاءوا على أرض الوطن ووقتما شاؤوا وكيفما شاؤوا. ويحقّ لهم أن يتحدثوا في الاجتماع ما شاؤوا إلا ما كان فيه دعوة للعنف والحرب والإرهاب أو إثارة عنصرية أو دينية أو طائفية .. وما الى ذلك، فهذا مما كفله الدستور على نحو جلّي تماماً.

   "المؤتمر العربي" الذي انعقد في أربيل منذ بضعة أيام يتعيّن النظر اليه من هذه الزاوية. وما كان للذين تهجّموا عليه حتى قبل انعقاده أن يفعلوا ذلك.. كان عليهم انتظار النتائج ليقولوا فيه ما شاؤوا أيضاً، لأنهم بخلاف هذا ينصّبون أنفسهم، من دون وجه حق، أوصياءً وأولياءَ أمر على الآخرين، ويصادرون حقهم الدستوري في التعبير عن أنفسهم.

   الأمور بخواتيمها، كما قالت العرب، وخاتمة مؤتمر أربيل لم ترضني شخصياً لأن ما توصّل اليه المجتمعون وحددوا فيه مطالبهم وآمالهم وطموحاتهم لم يتضمن شيئاً مهماً للغاية كنت أرغب في أن يثمر عنه المؤتمر.

   المؤتمر لم يختلف في شكله وفي مضمونه عن عشرات المؤتمرات السابقة المنعقدة في الداخل وفي الخارج : الكثير الكثير من الكلام، أكثره معسول ومعاد ومكرر.. الشعارات.. المطالب.. الملامات، والمأكولات والمشروبات، في مقابل القليل .. القليل جداً من العمل.. لم تكن هناك دراسات رصينة ولا أوراق عمل ينغمر المجتمعون في مناقشتها سعياً للوصول إلى النتائج المفضية الى العمل المطلوب.

   أفضل وأهم ما كان ينبغي أن يسفر عنه المؤتمر تشكيل مجموعة عمل يجري اختيارها من شخصيات ذات قبول وطني واسع، وتُعهد اليها مهمة الاتصال بالحكومة والبرلمان والقوى السياسية المختلفة في البلاد، للبحث في إمكانات قيام تفاهم وطني شامل على حلّ شامل للأزمة السياسية التي يواجهها الجميع ووضعتهم في مأزق ولم يفلحوا جميعاً في إيجاد مخرج منها حتى الآن، ولا يبدو انهم سيفلحون ما داموا يعوّلون في مؤتمراتهم واجتماعاتهم على الكلام ويتفادون الانتقال الى مرحلة العمل الجدّي.

   تصارع اللبنانيون، وهم مثلنا مجتمع متعدّد القوميات والأديان والطوائف والتيارات السياسية.. تصارعوا على مدار عقدين من الزمن بالسلاح الأبيض والأسود، وسفكوا دماء غزيرة وأزهقوا أرواحاً كثيرة لبعضهم البعض... وفي النهاية توصلوا الى ان ليس في وسع أحد منهم ولا في مصلحة أحد أن يفنى الآخرون، فأوقفوا صراعهم الدموي، وعوّلوا على السياسة ووسائلها السلمية لتحقيق مطالبهم.

   نحن، في عقد واحد، سفكنا من دماء بعضنا البعض وأزهقنا من أرواح بعضنا البعض أضعاف ما كان للبنانيين.. كان علينا أن نعتبر بالتجربة اللبنانية وبتجارب كثيرة مماثلة، بل بتجربتنا الرهيبة ذاتها، لندرك أن ليس في وسع أحد منا ولا في مصلحته أن يفنى السنة على أيدي الشيعة ولا الشيعة على أيدي السنة أو الكرد على أيدي العرب، لنلقي بالسلاح كما فعل اللبنانيون وغيرهم، ونتبارز بأوراق العمل ومشاريع العمل التي تغيب عن مؤتمراتنا كلها وآخرها مؤتمر أربيل.

  كتب بتأريخ :  الأحد 21-12-2014     عدد القراء :  2721       عدد التعليقات : 0