الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
...تشكيل الأقاليم حق دستوري .. ولكن
بقلم : طريق الشعب
عرض صفحة الكاتب
العودة الى صفحة المقالات

مجددا، تصاعدت الدعوات إلى إقامة أقاليم جديدة في العراق في سياقين سياسيين متمايزين. فهي تصدر من بعض الأوساط السياسية والشعبية في البصرة، كما أنها انطلقت من أوساط سياسية في المحافظات التي يسيطر تنظيم داعش على أجزاء مهمة فيها، ولكن هذان السياقان يشتركان بارتباطهما بحالة عدم التنسيق والتفاهم بين الحكومة الاتحادية والحكومات المحلية، والاختلاف على الصلاحيات ونزوع المحافظات وإداراتها المحلية للحصول على المزيد من الصلاحيات على حساب التخفيف من المركزية المفرطة، كما يتقاسمان الشعور بالغبن لدى المحافظات بعدم التطبيق الكامل لقانون المحافظات ذي الرقم 21 من قبل السلطة الاتحادية، سواء على صعيد نقل الصلاحيات إلى السلطات المحلية، أو الايفاء بالتعهدات المترتبة عليها وخصوصا تسليم مبالغ "البترودولار" للمحافظات المنتجة للنفط والغاز. وقد تم ربط تلك الدعوات أيضا بتوجه جدي لمحاربة الفساد المستشري.

وتزامنت هذه الدعوات الان مع الظروف الخطرة التي يعيشها الشعب والوطن وحربهما ضد الإرهاب وتنظيم داعش ومناصريه، وفي ظل صعوبات مالية تراكمت نتيجة لسوء إدارة البلد وفقدانه سياسة اقتصادية- مالية متكاملة تهدف إلى تحقيق النمو والتنمية وتنويع مصادر موارد الدولة، فاقمها انخفاض أسعار النفط عالميا وانعكاس ذلك على واردات العراق وتمويل الموازنة، والإيفاء بالتزامات السلطة الاتحادية إزاء المحافظات.

وفي هذا السياق، تبرز الحاجة إلى تقديم معالجة موضوعية جادة لعدد من القضايا المرتبطة بالدعوة إلى إنشاء أقاليم حاليا. هل يا ترى إقامة إقليم، هو السبيل الوحيد إلى تطبيق قانون المحافظات ذي الرقم 21 وتعديلاته وللحصول على عوائد الـ"البترودولار" ومكافحة الفساد، والتوجه إلى المزيد من الديمقراطية الإدارية؟ .. وهناك العديد من الأسئلة الأخرى ذات العلاقة.

لاشك انه جرى في الماضي، ولا يزال يجري بدرجة أقل، غمط لدور المحافظات وإتباع سياسة مفرطة في مركزيتها، وتحت ذرائع عدة، منها عدم الأهلية وقلة الكادر المؤهل، إضافة إلى سياسة التهميش والإقصاء والتجاهل، والتنكر للمطالب المشروعة الدستورية وعدم الاستجابة لها في وقتها، ما ولّد شعورا من الإحباط واليأس .والتباطؤ في تنفيذ العديد من المستحقات الملحة السياسية- الإدارية وتطبيقها السليم وتعزيز التوجه إلى اللامركزية.

هذه، وغيرها من الممارسات التي تنطلق من القول بالحاجة إلى "دولة مركزية قوية"، دفعت العديدين إلى عدم التيقن من القدرة على تامين مصالح المحافظات وتحقيق مطالب عادلة ومشروعة. ولا يمكن بالطبع نسيان أو تناسي الرغبات الشخصية والصراع والتنافس بين الكتل السياسية المتنفذة في المحافظات ورغبة بعضها في الهيمنة والتسلط والتفرد وتحقيق المزيد من المغانم والمكاسب.

ولكي توضع الأمور في سياقها السليم، لابد من التأكيد على أن تشكيل الأقاليم هو حق دستوري، وللعراقيين حق تقرير شكل الأقاليم التي يتم تشكيلها وفقا للدستور، وبموجب الآليات القانونية المنظمة لهذه العملية .

أن الحزب الشيوعي العراقي يؤيد من حيث المبدأ حق تشكيل الأقاليم ضمن الدولة العراقية الاتحادية الديمقراطية الموحدة، لأن ذلك ينسجم مع ما اقره الدستور، وهو يتجاوب ايضا، مع التوجه إلى المزيد من تطبيق الديمقراطية الإدارية ومنح صلاحيات اوسع للمحافظات والتخفيف من المركزية الخانقة والشديدة، وانه ايضا ينسجم مع بناء الدولة على أساس طوعي ووفقا لإرادة الشعب وخياراته الحرة. فالتوجه نحو إعادة توزيع السلطات والصلاحيات باتجاه اللامركزية، وهو إذ يوسع المشاركة ويعزز أجواء الثقة والطمأنينة والشعور بالمساواة وعدم التمييز؛ من شأنه تجنب القنابل الموقوتة في العلاقة بين أبناء البلد الواحد على اختلاف أطيافهم.

ولكن الحزب شدد على ضرورة التأكد، عند تشكيل أقاليم جديدة، من الحاجة الفعلية والواقعية غير المفتعلة عند تكوين الإقليم المعني والبعيدة عن أي ظرف آني طارئ، وان يأتي ذلك انعكاسا طبيعيا لإرادة أهل الإقليم الحرة ويعبر عن طموحاتهم، بعيدا عن الطائفية والفرض والإكراه. ومن الطبيعي أن يأتي ذلك في أجواء عامة بناءة من التوافق الوطني العام في المناطق المعنية، والمصالحة الوطنية الحقيقية وإعادة الأمن والاستقرار. خلاف ذلك وفي ظل ظروف بلادنا الحالية، لن يحمل تشكيل الأقاليم الأمن والاستقرار والازدهار، وإنما سيكون باعثا لمزيد من الانقسام والتوتر والتدخلات الخارجية وتداعياتها في مزيد من اللااستقرار.

أن تشكيل الإقليم على هذا النحو، في إطار العراق الديمقراطي الموحد، سيكون عامل استقرار وطمأنينة، وتمتين للوحدة الوطنية المبنية على الإرادة الحرة والاتحاد الطوعي.

وما أثير أخيرا بشأن الإقليم، يؤكد مجددا الحاجة إلى السير بخطوات ثابتة، وضمن الاستحقاقات الدستورية، وحل القضايا ذات المساس بعملية بناء الدولة الاتحادية، وبضمن ذلك تنظيم العلاقة بين الحكومة الاتحادية وإقليم كردستان، وكذلك توزيع الصلاحيات بين المركز والمحافظات، والعمل على دعم المحافظات وتمكينها من ممارسة صلاحياتها.

أن استمرار الصراع غير المبدئي بين القوى والكتل السياسية، والعراك على المناصب والنفوذ، وانعدام الاستقرار والأمان، وتواصل التخندق والشحن الطائفي، ونشاط المليشيات المنفلتة والخارجة على القانون، وضعف الدولة ومؤسساتها وأجهزتها، ونزعات التفرد والتهميش والاقصاء، والتضييق على الحريات، وضعف الحماس للشراكة الوطنية الحقيقية والمشاركة الفعلية في السلطة والقرار.. هذا كله، وغيره، يشجع التقوقع والانعزال، ويغذي الميول الانفصالية، كما انه يغري مختلف الاطراف الخارجية على مواصلة التدخل في الشأن العراقي، والسعي إلى توجيهه وفقا لما تريد هي، وليس كما يراه أبناؤه وما يريدونه لمستقبل بلدهم.

وعلى العكس من هذا تماما، فأن أجواء الديمقراطية والحريات والمصالحة الوطنية الحقيقية والبناء السليم للدولة ومؤسساتها ومد جسور الحوار والتفاهم، وتوزيع الصلاحيات، والتخلص من المحاصصة وأزماتها، وخوض معركة دحر داعش بمقاسات وطنية، بعيدة عن الحسابات الطائفية أو المناطقية الضيقة، والتعامل السليم مع المواطنين بعيدا عن التمييز والتفرقة لأي اعتبار وتحقيق العدالة والمساواة، كل هذا سيقود إلى بناء الدولة المرتجاة، الدولة المدنية الديمقراطية الاتحادية، المعول عليها في بناء وطن يتسع للجميع، يكون فيه العراقيون متساوين أمام القانون.

  كتب بتأريخ :  الإثنين 22-12-2014     عدد القراء :  2061       عدد التعليقات : 0