الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
زها حديد

يتنادى بعض النشطاء هذه الأيام داعين الى تسليم أمانة العاصمة الى المعمارية العالمية زها حديد، بديلا عن الحاج عبعوب، الذي لا نعرف حتى الآن إن كان قد أقيل من منصبه ام انه ما زال يمارس مهماته في ادارة أمانة العاصمة بالوكالة.

والدعوة هذه تندرج في اطار النيات الطيبات، لأن زها حديد غادرت منذ عشرات السنين منطقة الحلم بأن تصبح أمينا لبغداد او حتى عمدة لمدينة لندن التي تسكنها وتعمل فيها. هذه السيدة ذات الجذور العراقية تدير من هناك مؤسسة هندسية كبرى يعمل ويتدرب فيها المئات من المهندسين والفنيين وتنتشر أعمالها الفذة في كبريات عواصم العالم.

لكن هذه الشخصية المعمارية العالمية، ولأن جذرها عراقي، كانت اعربت في احدى لقاءاتها التلفزيونية عن رغبتها في ان تضع لبغداد تصميما أساسيا جديدا، مشيرة الى ان التكليف لابد ان يأتي من الحكومة العراقية. ومات المشروع بعد ان أعطتها الحكومة الأذن الطرشة.

ومدينة بغداد بعمقها التاريخي وخرابها الراهن تمثل حلما وفرصة ذهبية لأي معماري كي يعيد تشكيلها على وفق رؤية تمزج التراث بالمعاصرة لتصنع منها مدينة عصرية حديثة تقف على قاعدة المدينة التاريخية القديمة. وفي واقع الأمر، يندر ان تجد مدينة خربت بنموها العشوائي كما خربت بغداد، والتي حلم يوما حاكم الامارات بأن تصبح دبي مثلها.

وأمثال زها حديد من المهاجرين العراقيين الأفذاذ يعدون بالمئات ممن غادروا الوطن حاملين معهم أحلامهم وطموحاتهم لتتلقفهم بلدان المنافي فتصنع منهم أسماء لامعة في شتى مجالات المعرفة. وهؤلاء لن يعودوا الى العراق بعد ان فات منذ سنين أوان عودتهم، والامتيازات والمغريات التي قدمت لهم على وفق مقاييسنا العراقية أتفه من ان ينظروا اليها. لكنهم مستعدون لوضع كفاءاتهم وخبراتهم في خدمة الأرض التي ولدوا عليها.

من أتحدث عنهم لا يبحثون عن رواتب ضخمة ولا حمايات ولا سكنا في المنطقة الخضراء، فكل ذلك متحقق لهم في البلاد التي يعيشون ويعملون فيها. لكنهم يحملون دينا في أعناقهم يريدون الايفاء به. لقد أكمل معظمهم دراسته الجامعية في العراق، في كليات الطب والهندسة والعلوم والتجارة والاقتصاد وغيرها. كان ذاك يوم لم تكن الجامعات العراقية تخرج نسخا متشابهة تتكدس على أبواب الدوائر الحكومية بحثا عن وظيفة مهما كان نوعها. لقد وضع العراق أساسهم العلمي الرصين الذين انطلقوا من بعده الى التميز في المنافي.

ستكون المكابرة بأننا نمتلك في الداخل كفاءات تكفي وتزيد نوعا من إغماض العين عن حقيقة مريعة لا يمتلك البعض شجاعة الاعتراف بها. لقد عزلنا زمن الدكتاتورية عن العالم المتقدم ثلاثين عاما، كان يلقي خلالها بخريجي الجامعات في جحيم الحروب لتموت أحلامهم على السواتر، ثم أدخلنا زمن ما بعد 2003 في عشوائية مدمرة من سوء التخطيط والادارة واهمال الكفاءات، فخسرنا آلافا أخرى فرت الى المنافي. وسنظل لسنوات قادمة، تطول أم تقصر، بحاجة الى ان نتعلم من عراقيي المهجر كيف نتعامل مع الكفاءات المتميزة فلا نخسرها ليتسلمها الآخرون.

وبدلا عن المطالبة بتعيين زها حديد لتحل محل عبعوب، يمكن الاستعانة بهيئة استشارية تكون هي أيضا عضوا فيها تكلف بوضع تصميم أساسي جديد ينقذ بغداد من عشوائيتها. كذلك الأمر بالنسبة للاقتصاد، وادارة موارد النفط، ووضع دراسات التنمية المستدامة، واصلاح هيكل الدولة المتهرئ ونظام التعليم الفاشل والخدمات الصحية الغائبة، وعشرات أخرى من الجوانب الحياتية التي غدت في معظم بلدان العالم من أساسيات الحياة التي لا تحتاج أصلا الى التحدث عنها. وكل ذلك يمكن تنفيذه بلا كلفة تقريبا، إذ أن هذه الهيئات لن تحتاج الى ايفادات بأموال ضخمة كي تجتمع، فهناك اختراع يدعى الدائرة التلفزيونية يمكن عقد الاجتماعات المطولة عبره. ولعل سياسيي الصدفة لم يسمعوا بمثل هذا الاختراع.

لقد أصبحنا أرضا خاما يمكن ان تستقبل اية بذرة صالحة تزرع فيها.

  كتب بتأريخ :  الإثنين 05-01-2015     عدد القراء :  3141       عدد التعليقات : 0