الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
في عام البيئة.. سجل العراق ظل خاوياً
بقلم : د. كاظم المقدادي
عرض صفحة الكاتب
العودة الى صفحة المقالات

يعاني العراق مشكلات بيئية وتبعات صحية وخيمة،جوبهت بإهمال صارخ من قبل المسؤولين المتنفذين في سلطة العراق ( الجديد).. للتذكير، نشير الى ان وزيرة البيئة نرمين عثمان كانت قد كشفت في عام 2009 بان اهتمام السياسين بالقضايا الاخرى حال دون النظر الى المشاكل البيئية وان وزارتها تواجه عدم اهتمام الدولة بالبيئة. وفي سياق متصل، أكّد تقرير دولــي ان العراق آخر دولة تهتم بالبيئــة وفق مؤشر الأداء البيئي (EPI) لعام 2012. وفي وقتها، أيدت لجان برلمانية متخصصة عراقية عدم وجود رعاية رسميّة للبيئة، ما يضعف عمل الوزارة المختصة بشؤونها.

لقد أثبتت حكومة المالكي بأنها ليست حريصة على البيئة العراقية، وإلدليل أنها لم تحقق خلال 8 سنوات تقدماً يذكر في معالجة مشكلاتها الساخنة، وهي التي أهملت الكثير من المبادرات العلمية البناءة والقابلة للتحقيق. وفي عهد المالكي إتسمت مواقف المسؤولين المتنفذين بتخبط صارخ ومخجل. فوزيرة البيئة السابقة نرمين عثمان، التي إنتقدت الحكومة لتلكؤها في تنظيف البيئة من الملوثات الخطرة، لم تثبت على موقف واحد بشأن التلوث الإشعاعي وتداعياته الصحية.في المقابل، أقرّ وزير العلوم والتكنولوجيا عبد الكريم السامرائي، بأن العراق فيه تلوّث إشعاعي، لكنه زعم بأن الأمر «مُسَيطَر عليه بالكامل وغير منتشر ولا يسبب اية تأثيرات سلبية على الصحة».وبشر السامرائي بحصول وزارته (والصحيح استجدائها) من الاتحاد الأوربي على منحة مليوني يورو لبناء موقع لطمر النفايات النووية المشعة.. تصوروا، بلد يمتلك ميزانية انفجارية تجاوزت الـ 120 مليار دولار أمريكي يستجدي مليوني يورو لبناء موقع لطمر النفايات المشعة فائقة الخطورة، بل أنها تجعل التلوث البيئي في العراق مسألة خطيرة. ووفق وصف مجلة ("البيئة والحياة"، العدد 19) التابعة لوزارة البيئة: «اتّسع التدهور البيئي والصحي في المجتمع العراقي، إلى الحد الذي لم يعد بإمكان المجتمع فيه الادعاء بكل طمأنينة القدرة على العمل في إطار نظام صحي وبيئي سليم».

الى هذا، قدّرت وزارة البيئة، في السنة الفائتة، كلفة التدهور البيئي في العراق بما يزيد على 8 بلايين دولار. وبيّن «تقرير توقعات البيئة في العراق» الذي أطلقته الوزارة في شباط 2014، أن ذلك يعادل 7.1 بالمئة من الناتج الإجمالي المحلي، ما يفوق النمو السنوي للاقتصاد. ويفرض ذلك الرقم العمل بجديّة لتحسين أوضاع البيئة، والحدّ من التأثيرات السلبيّة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، على البيئية والاقتصاد الوطني ورفاهية المواطن.

وقبل سنتين، بعد اتّضاح صورة الخراب البيئي الشامل، جرى الإعلان رسمياً عن تكريس عام 2014 لجهود البيئة في العراق. واعتقد كثير من حسني الظن، بأن حكومة المالكي استفاقت من غيبوبتها وعادت الى رشدها لتصحح موقفها من البيئة ومشكلاتها، ولو بعد تأخر كبير،لاسيما مع إطلاق وعود رسمية كثيرة بأن عام البيئة "سيحقق طفرة في الواقع البيئي الراهن"..

بيد ان العارفين ببواطن الأمور و"بجدية" و"حرص" المسؤولين المتنفذين ومدى "التزامهم"، لم يصدقوا وعودهم. فبالاستناد الى تجربة 8 سنوات عجاف انصرمت شككنا في تحقيق الحكومة أي منجز بيئي. وأعرب الكاتب والصحفي عدنان حسين عن شكه في مدى إدراك مجلس الوزراء للأبعاد والمتطلبات الكاملة لقرار تخصيص سنة 2014 للبيئة في البلاد. ورأى حسين أن ذلك القرار يتطلّب فعليّاً أن تكرّس الدولة والمجتمع جهوداً استثنائيّة وموارد مالية وفيرة، لإيجاد حلول ناجعة لمشاكل البيئة. وأشار حسين إلى غياب المؤشّرات عن الجديّة في الانخراط في جهود تحسين البيئة، بل رأى الأمور تسير في الاتجاه المعاكس.

ولم يكن الأستاذ حسين مغالياً في ما طرحه. فقد راحت وزارة البيئة تتحدث عن "إنجازات" ولم تبدأ فعاليات العام بعد.وإعتبر وزيرها سركون لازار إقرار الحكومة عاماً للبيئة "اهم انجاز يمكن ان يساهم في تدعيم جهود العاملين في الوزارة ويزيد من الدعم الدولي من خلال المساعدة في تشريع القوانين والمحددات البيئية التي تشكل احدى اهم الخطوات في استعادة العراق لبيئته الحيوية "..

وتحقّقت التوقعات التي رأت الفشل في الأفق، في ظل حكومة لم يعرف عنها غير الفشل الذريع والإمعان في الاستهتار بحياة العراقيين. فقد انتهى «عام البيئة» إلى سدى. وذهبت حكومة المالكي، غير مأسوف عليها، ولم تحقّق شيئاً سوى المزيد من الكوارث والفواجع والآلام للعراقيين. ولم يتحقق أي دعم لجهود العاملين في وزارة البيئة، ولم تظهر زيادة في الدعم الدولي. والأنكى من ذلك هو عدم ظهور تشريعات وقوانين بشأن البيئة ومحدّداتها، وهي التي وعد بها وزير البيئة. وحتى «الاستراتيجية الوطنية لحماية بيئة العراق وخطة العمل التنفيذية للفترة (2013 - 2017)» التي تضمّنت «خطة لتطبيق 10 أهداف من مشروع الاستراتيجية» لم ينفذ منها أي شيء عملياً.

ويزيد في الحصيلة السلبيّة، عدم انعقاد «المؤتمر العلمي الدولي الأول للبيئة» الذي كان مقرّراً في15 -17 نيسان 2014، برعاية رئيس مجلس الوزراء نوري المالكي. وغني عن القول إن كثيرين راهنوا على انعقاده، آملين بأن يتمخض عن نتائج وتوصيات تساهم في الحدّ من المشكلات البيئية الساخنة في العراق، والمخجل أكثر أنه لم يتم إشعار المشاركين فيه، خصوصاً من هم خارج العراق، بإلغائه إلا بعد مرور 3 شهور على موعد انعقاده.

وهكذا، إنتهي عام البيئة في العراق وكل ما " أنجز" خلاله هو:

* تنظيم معرض لرسوم الاطفال والاعمال الفنية يعنى بالحفاظ على البيئة.

* إختيار يوم 26 من كانون الثاني من كل عام يوما للبيئة في العراق.

* تنظيم احتفالية لترديد القسم لـ"المراقب البيئي" الذي يتضمن ان يكون المراقب "مسؤولاً قانونيا في تنفيذ خطة العمل والمساهمة بشكل فاعل لتطبيق الاستراتيجية الوطنية لحماية البيئة"..

ولعل الاستنتاج الأبرز للمحصلة أنها دليل واضح على فشل حكومة المالكي وعدم جدية وعودها، وأنها لم تدرك أن نجاح تنفيذ أي مشروع يستلزم أفعالاً جادة وليس كلاماً ووعوداً في الهواء.

كذلك فشلِت حكومة المالكي في فهم ان نجاح استراتيجية وطنية لحماية البيئة يرتبط بشروط تشريعية وسياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية وتربوية، إلى جانب كونها مُهِمّة وطنيّة تتطلب تظافر جهود حكومية وشعبيّة متنوّعة. والأرجح أن تلك الشروط تغيب في العراق في الوقت الحاضر، الذي ما يزال لليوم يفتقر الى الكثير مما تتطلبه المعالجات البيئية الجدية والفاعلة في ظل إدارة بيئية حديثة.

وتتحمل السلطة الجزء الأكبر من المسؤولية نتيجة تمسكها بنظام المحاصصة الطائفية والأثنية وتقاسم المغانم والاعتماد على الفاشلين وأصحاب الشهادات المزورة، وبالتالي استشراء الفساد الإداري والمالي وفشل الخطط والمشاريع الوطنية.

  كتب بتأريخ :  الثلاثاء 20-01-2015     عدد القراء :  2418       عدد التعليقات : 0