الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
ملاحظات عن أداء وظائف مؤسسات الدولة العراقية
بقلم : د.صباح قدوري
عرض صفحة الكاتب
العودة الى صفحة المقالات

في المجتمعات المتقدمة، والتي ترسخت فيها مبادئ وقيم الديمقراطية وتمارس تطبيقها عمليا في الحياة اليومية، نجد ان مؤسسات الدولة الادارية ، وبالتحديد السلطات القضائية والتشريعية والتنفيذية مستقلة تماما وغير متداخلة في واجباتها واداء وظائفها، بالاضافة الى السلطة الرابعة وهي الاعلام .

اما في معظم دول المنطقة ومنها العراق ، فهناك خلل في فهم واجبات وممارسة صلاحيات هذه السلطات، كاد ان يكون الفصل بينها وعدم تجاوزها ضعيف جدا في الممارسات التطبيقية. وتؤدي هذه الحالة الى تداخل صلاحيات ومسؤوليات هذه السلطات مع بعضها، مما يؤثر بلا شك على ممارستها وما يترتب عليها من نتائج سلبية وغير مرضية في عملية صنع القرارات.

لقد حدد الدستور العراقي بشكل واضح صلاحيات هذه السلطات وكيفية ترجمتها الى واقع التطبيق العملي في الحياة اليومية. اما الممارسة الفعلية لهذه السلطات على ارض الواقع حاليا، فتتسم ببعض الصفات من بينها:

ـ ان السلطة القضائية مسيّسة بدرجة ما لصالح القرارات الحكومية (السلطة التنفيذية).

ـ ان تقاسم السلطات الادارية في التشكيلة الحكومية، لا يزال مبنيا على المحاصصة والحزبية الضيقة، الى جانب اختيار الوزراء ليس على اسس الكفاءة والمهنية والخبرة والنزاهة بل وفق نظام المحاصصات.

ـ ان دور وصلاحية السلطة التشريعية (البرلمان)، تهيمن عليها هي الاخرى المحاصصة الحزبية والطائفية والمذهبية والاثنية الضيقة.

ـ ان رئاسة البرلمان تمارس بعض المهمات التي هي ليست من اختصاصها، وفي كثير من الاحيان نرصد خروقا بروتوكولية واضحة في بعض هذه الممارسات.

ـ ان دور الرقابة لا يزال ضعيفا في البرلمان ويُمارس هذا الدور بشكل غير نظامي أحيانا، مما قد ينسحب سلبا على أداء هذا الدور بشفافية ومصداقية وجودة عالية. فمثلا لم نجد اي دور بناء للرقابة المالية في البرلمان، ولاسيما فيما يخص الموازنة الاتحادية، وتأخير تقديم الحسابات الختامية للفترات السابقة، وعدم مناقشة تقارير هيئة الرقابة المالية او حتى النزاهة.

ـ يتطلب من رئاسة البرلمان تنظيم مسألة التصريحات الاعلامية المختلفة التي تصدر من بعض اعضاء البرلمان بشكل شخصي او يعبر عن وجهات نظر كتلهم السياسية، وتتسم احيانا بنوع من الاستفزازية تجاه الاخرين و/ او تكون المعلومة ناقصة وغير مهنية. ومن الضروري حصر هذه التصريحات برؤساء اللجان المختصة في البرلمان كل حسب اختصاصه، منعا للالتباس .

ان علاقة السلطة التنفيذية والبرلمان ببعض المؤسسات الاخرى، مثل (البنك المركزي، وهيئة الرقابة المالية، وهيئة النزاهة، والهيئة المستقلة للانتخابات)، التي لها صفة مستقلة ايضا والمسؤولة مباشرة عن اداء واجبها،غير واضحة بشكل محدد، فمنها على سبيل المثال:

ـ نجد ان البرلمان من خلال لجانه المتعددة الدائمة، و/أو تشكيل لجان خاصة لمهمات خاصة، مثل انشائه مؤخرا لجنة خاصة للتحقيق في قضية سقوط الموصل في حزيران الماضي من قبل ( داعش) ، على اسس المحاصصة المقيتة، مما قد يؤثر على قراراتها وعلى (نزاهة التحقيق!) . علما بأن هذا التحقيق ليس من اختصاصها بقدر ما هو من اختصاص القضاء العسكري، بعد رفع الدعوى على المسؤولين المباشرين في وزارات الدفاع والداخلية والأمن الوطني والقائد العام للقوات المسلحة السابق، ومن شارك معهم من المدنيين بتهمة الخيانة العظمى وتهديد الامن الوطني، لتأخذ طريقها الى العدالة وفق الاصول القانونية.

ـ ان البنك المركزي مسؤول عن رسم السياسة النقدية للبلد، من قبيل: تحديد سعر صرف الدينار، اصدار العملة، احتياطات سلة العملات الاجنبية، معدل الفائدة، التضخم النقدي، وغيرها . فمن المفروض عدم التدخل او اطلاق اية توجيهات من السلطتين في شؤون البنك في هذه الاختصاصات. ولكن في حالة وجود تقصير في أداء مسؤولي البنك لواجباتهم بشكل صحيح، يقتضي على البرلمان استقدامهم للاستجواب والمحاسبة بعد ثبوت التقصير .

ـ هيئة الرقابة المالية مسؤولة عن تدقيق الحسابات وانجاز الحسابات الختامية في موعدها المقرر، والوقوف على التجاوزات وعدم قانونية الصرف او الايرادات ، والكشف عن الفساد المالي والاداري في اداء المؤسسات الادارية للدولة، وغيرها. وهي ملزمة بتزويد البرلمان بتقاريرها الدورية والسنوية بغية عرضها للمناقشة من قبل اعضاء البرلمان والمصادقة عليها .

ـ اما هيئة النزاهة المستقلة، وهي حديثة التكوين في العراق بعد 2003 ، مهمتها اجراء التحقيقات اللازمة في كل القضايا المتعلقة بالفساد المالي والاداري. فهي ضعيفة في أدائها، وتحتاج الى اعادة تشكيلها على اسس الكفاءة والخبرة والنزاهة والاخلاص بعيدا عن المحاصصة الطائفية والحزبية الضيقة ، وتفعيل دورها في محاربة الفساد المستشري في كل المفاصل الحكومية والحزبية.

ـ والحال بالنسبة للهيئة المستقلة للانتخابات، وهي الاخرى حديثة العهد بعد 2003، اذ تقاسم أعضاؤها على اسس المحاصصة الطائفية والمذهبية والاثنية والحزبية الضيقة. بالاضافة الى التدخل المباشر من (السلطة التنفيذية) في شؤون المفوضية في كل الدورات الانتخابية، لفرض تنفيذ اوامرها ورغباتها وطلباتها على العملية الانتخابية، مما يمس باستقلاليتها ودورها في الاداء.

ان تفعيل دور السلطات القضائية والتشريعية والتنفيذية والاعلامية، لكي تمارس وظائفها بالشكل الصحيح والمطلوب ، يقتضي قبل كل شئ التأكيد على احترام استقلاليتها وعدم التدخل في شؤونها. وفي التطبيق العملي لا يمكن تحقيق ذلك ، الا من خلال الديمقراطية الحقيقية وممارستها فعليا في الحياة اليومية. وهذا يعني الإقرار بالتعددية السياسية ونظام الحكم والمساواة في المواطنة بعيدا عن الهويات الفرعية (الدين، القومية، الحزبية الضيقة) واحترام الآراء والحقوق العامة والخاصة للمواطن، والفصل بين الدين والحكم، وتحقيق العدالة الاجتماعية والاقتصادية.

وبالرغم من التغيير الذي حصل بعد الانتخابات الاخيرة، وتحقيق بعض المنجزات الأولية في اجراء تغيرات على البنية الادارية لمؤسسات الدولة، وانفتاح الكتل السياسية على بعضها (نظريا)، لكن العملية تجري ببطء في الممارسات الفعلية، والتوجه نحو حل الخلافات مع الاقليم من دون اعلان اجراءاتها وملامحها وحلولها كاملة وبشفافية للجمهور العراقي. الانفتاح ايضا في العلاقات مع دول الجوار الاقليمية والدولية، تحتاج الى المتابعة ووفق اسس المصالح المشتركة ومبدأ التعامل بالمثل، وعدم التفريط بالسيادة الوطنية.

ختاما، ان جميع المؤسسات الادارية المتمثلة بالسلطات المذكورة آنفا ، مطالبة بالعمل الجاد لاجراء اصلاحات سياسية واقتصادية من بينها (وباختصار) ما يلي:

ـ امام البرلمان مهمات اساسية آنية، يجب انجازها وتشريع قوانين خاصة بها، لاسيما قانون الميزانية، قانون النفط والغاز، قانون الاحزاب، واعادة النظر في قانون الانتخابات التشريعية الحالية، وغيرها، وبأسرع وقت ممكن.

ـ التوجه نحو حل المشاكل السياسية بين الاطراف المشاركة في العملية السياسية لمصلحة وحدة العراق وشعبه.

ـ الابتعاد عن المحاصصة الطائفية والمذهبية والاثنية والحزبية الضيقة في توزيع الادوار السياسية، بهدف تجنب الاستحواذ على السلطة والثروة والنفوذ.

ـ اصدار قانون الاحزاب على اسس المواطنة، بعيدا عن التعصب الطائفي والقومي والديني والتدخل الحكومي المباشر في شؤونها الداخلية.

ـ إنقاذ البلاد من الخطر الامني، والقضاء على الارهاب بأشكاله المختلفة ، وخاصة في الحرب ضد (داعش)

ـ التحول من الدولة الريعية ، الى دولة إنمائية ، تدفع بعملية النمو الاقتصادي، من خلال تحسين الانتاجية، وارساء الحكم السليم ومعالجة البطالة عن طريق استحداث فرص العمل اللائق.

ـ التوجه نحو التنمية المستدامة الشاملة للجميع ، والقابلة للتحقيق.

ـ اعتماد سياسات اقتصادية واجتماعية شاملة للجميع لتحقق العدالة الاقتصادية والاجتماعية.

ـ محاربة الفساد الاداري والمالي بجدية وحزم.

ـ الاسترشاد بأركان ومبادئ الإدارة الرشيدة.

ـ ضرورة تفعيل وتطبيق اللامركزية الإدارية والمالية للمحافظات بعد اقرار الموازنة الاتحادية 2015.

ـ ايجاد حلول سريعة ومجدية لمعالجة شؤون اللاجئين والنازحين عبر التعاون الجدي بين الرئاسات الثلاث ، وبأسرع وقت ممكن.

  كتب بتأريخ :  الخميس 22-01-2015     عدد القراء :  3396       عدد التعليقات : 0