الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
إصلاح الفكر الديني
بقلم : مازن العاني
عرض صفحة الكاتب
العودة الى صفحة المقالات

 «العَقّلَنَة الدينية ساعدت على عقلنة جميع التصرفات الاجتماعية»

ماكس فيبر

لم يمر تاريخنا بفترة كان فيها الفقهاء والمجتهدون والمرجعيات الدينية للطوائف الاسلامية المختلفة، كما هو الحال اليوم، بحاجة الى التحلي بالجرأة والشجاعة للوقوف امام مسوولياتهم الدينية والدنيوية من اجل الدعوة الى إصلاح عميق للفكر والممارسة الدينيين.

اليوم، حيث تنتشر كوارث التزمت والتشدد والتطرف والانغلاق الديني، نحن بامس الحاجة للخروج من هذا الانسداد التاريخي الى تصحيح المفاهيم الدينية من خلال احداث ثورة فى التفكير فيها، على حد تعبير الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي.

نحتاج الى هذه الثورة لاجراء نقلة نوعية في الوعي الإسلامي التقليدي تمكنه من الانسجام مع واقع المجتمعات الحديثة بما هي عليه من مؤسسات اجتماعية و سياسية وعلوم وقيم انسانية اممية.

اذا تجاوزنا المحاولات الاولى لاصلاح الفكر الديني لابن رشد وابن خلدون ونجم الدين الطوفي وآخرين قبلهم وبعدهم، فان هذا الفكر في العصر الحديث ظل بلا إصلاح بعد قرن ونصف القرن من تعثر المحاولات الجريئة في هذا الاتجاه، لأن من حاولوا النهوض بذلك، من الافغاني والطهطاوي إلى عبده ورضا والاخرين، لم يتمنكوا، ارتباطا بالظروف التي عاشوا فيها، من صياغة مشروع إصلاحي متكامل قادر على احداث تغيير جذري في وجهة هذا الفكر لتكييفه مع العالم الحديث. وحتى القضايا التي طرحها هؤلاء المصلحون الجريئون لم تجد طريقها الى مناهج التعليم في عموم بلاد العرب اوطاني وبلدان دار الاسلام بهدف صياغة وعي ديني جديد ومفاهيم جديدة وقيم إنسانية كونية تنسجم مع المتغيرات العلمية والاجتماعية والثقافية التي تحملها سنة التطور الموضوعي للمجتمع والفكر الانساني .

مازلنا ندور في دوامة الاجترار والتقليد والحفظ والتكرار والشروحات وشروح الشروحات،نراوح في المكان، بل نتراجع، تحت رحمة فرق ضالة، على حد تعبير ابن رشد، تكفر الآخر وتجعله مستباح الدم، لمجرد الاختلاف معه على تأويل بعض النصوص الدينية.

نحتاج الى الاصلاح لانه ماعاد باستطاعة أمة أن تستثني نفسها من ضرورات التاريخ إلا إذا تغلبت فيها غريزة الموت على غرائز الحياة،كما يقول العفيف الاخضر.

الاصلاح الجريء الذي نحتاجه اليوم يستوعب النقد المستنير و النقاش الحيوى للظاهرة المرضية التي نعيشها، و يتبني مشاريع تنويرية تتخذ من الإنسان مبتدأً ومنتهى في التعامل مع النصوص الشرعية- حسب صحيفة الرياض السعودية، مشاريع تطمن حاجة الناس الى التجديد ومواكبة شؤون عصرهم و تضع حدا لتكفير الاخرين من مجتهدين و فرق اسلامية ودينية اخرى، وجعل الإسلام دينا حديثا يُقصي العنف والغلو من فقهه.

اذا تعارضت المصلحة مع النص فى غير العبادات والعقائد، غٌلبت المصلحة، هذا ما دعا اليه الفقيه الطوفي قبل سبعة قرون. العقائد والعبادات ثابتة، اما المعاملات والسلوك الذى يحكم امور الناس فهى متغيرة بتغير الازمان والظروف .

يشكل تدريس علوم الأديان في مدارسنا ومعاهدنا اسوة بما يجري في جامعات العالم مدخلا هاما في عملية الاصلاح، حيث المطلوب تدريس منهج الأديان المقارنة، لاشاعة معرفة حقيقية بالأديان السماوية منها والوضعية فالذى لا يعرف عن الاديان غير دينه لا يعرف من أمور الدين شيئا،كما قال الفيلسوف الألمانى أدولوف هارناك.

  كتب بتأريخ :  الإثنين 26-01-2015     عدد القراء :  2250       عدد التعليقات : 0