الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
\"التفكيكية\" العراقية

سأظل أكرر القول، اليوم وغدا وبعد غد، بان التسامح هو طريق للخلاص من كل هذه الفوضى، الكراهية موت وخراب، ونتائجها دائما مقابر جماعية، واعتقد ان هذه البلاد " شبعت " من الموت المجاني، ولم يتبق في روزنامتها يوم لاستذكار ضحايا جدد.. وأيضا سأظل أكرر في هذه الزاوية الحديث عن ساحر أفريقيا نيلسون مانديلا، ربما سيقول البعض ، ما الذي يمكن لكاتب، مثل جنابي، ان يضيف، رجل عاش حياته ومات من اجل ان يظل ضمانة لكل سكان جنوب أفريقيا بكل ألوانهم وأطيافهم وقومياتهم ودياناتهم.

ظل مانديلا يؤمن بان السير نحو المستقبل أهم من لعبة إعادة الماضي وحكاياته. ولهذا عارض وبشدة مطالب شعبه من السود بالتفرغ للانتقام فيكتب: " الشجاعة لا تعني انعدام الخوف، إنما تعني تشجيع الآخرين لتجاوز الخوف.. احرص على وجود أنصارك بقربك، ومنافسيك أقرب إليك "، لم يستبعد أو يسحق منافسيه بل أصر على أن يجعلهم شركاء. أما أهم دروسه فهو أنه: " لا يوجد في السياسة إما- أو.. فالحياة أعقد من أن تأخذ حلاً واحداً، فلا شيء اسمه الحل الوحيد، بل خليط من الحلول تصنع معا حلاً صحيحاً ولهذا فالتراجع وقت الخطأ من صفات السياسي الناجح ".

منذ أيام ونحن نعيش معركة " تفكيكية " مع الاعتذار للمرحوم جاك دريدا بين أطراف التحالف الوطني، وتحالف القوى السُنية وتضاربت الأنباء حول مقتل مدنيين في ديالى ، مثلما تضاربت نفس الأنباء وبنجاح حول استهداف طائرة مدنية في مطار بغداد.. النتيجة ستكون حتماً مثل معادلات المسيو دريدا اللغوية، موجة من التصريحات، لجان تشكل، مؤتمرات لانهاية لها من أبطال البرلمان، فنحن قوم تعوّدنا على أن نتيجة اللجنة التحقيقية ليست مهمّة جداً، وأن المشكلة فقط في وصف الجريمة، هل هي متعمدة، أم سهواً،، فكلها في الاخير ستضاف إلى سجل خُطت عليه عبارة كبيرة بلون الدم " كل شيء تحت السيطرة ". المهم في النهاية ان نفكّك أوصال الوطن مثلما فكّكنا من قبل أواصر الرحمة وأوصال المواطنة.

في كتاب "ماذا عن الغد" يقول دريدا "ان الخصم الرئيس للبشرية هو صنّاع مستنقعات الدم الذين يأخذوننا معهم كل يوم الى الهاوية. "

لم يكن دريدا قد اطلع على أحوال العراقيين بعد أحاديث الأربعاء، فالرجل غادرنا ونحن نعيش سنة أولى ديمقراطية عام 2004 .

هل تريدون مزيدا من دروس التفكيكية، هاكم ماجاء في تقرير وزارة التخطيط عن خرائط الفقر في العراق..التقرير يشير الى ان "العراق يمتلك احد أهم و أكبر الاحتياطات النفطية وواحداً من البلدان الزراعية المهمة ومن الممكن أن يكون بلداً سياحياً لما يمتلكه من أماكن سياحية وتنوع جغرافي" أتمنى عليكم ان لا تفرحوا كثيرا قبل ان اكمل التقرير الذي يضيف أصحابه " أن نسب الفقر في العراق مرشحة للزيادة، فضلاً عن أن نسب البطالة لعام 2014 قد ارتفعت بمعدل 20 %" وأتمنى عليكم أيضا ان تمسحوا من ذاكرتكم كل الخطب والبيانات التي بشرنا أصحابها بأننا سنكون خلال عام 2008، عفواً اقصد 2009 آسف 2010 اعتذر ثانية 2011، لقد خانتني الذاكرة سنة 2013 سنصبح البلد الأول في التنمية ونسبة الرفاهية، لاتنسوا ان عبعوب اكد لنا امس ان العاصمة بغداد جميلة جدا لكنها تحتاج الى قليل من المكياج.. لاتبتعد التفكيكية لا تبتعد كثيرا عن صاحب مدونات الزرق ورق؟

تنهض البلدان من رماد الحروب والدمار لتصبح أكبر اقتصاديات العالم، فيما نحن نعيش في ظل ورش بدائية أصحابها يبحثون عن ثارات الماضي، ولا يهمهم ان نقترب من الأرقام القياسية في عدد القتلى والمشردين والمعوزين.. هل هناك تفكيكة اعمق من هذه ؟

  كتب بتأريخ :  الخميس 29-01-2015     عدد القراء :  3171       عدد التعليقات : 0