الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
ثقافــة الحـــزن

أشعر أحيانا بالحرج عندما آتي على ذكر شخصيات من الماضي القريب قد لا تعرف الأجيال الجديدة شيئاً عنهم، كما أشعر بالأسى، لأن هذه الأجيال فاتها أن تقرأ السيرة الناصعة لدعاة التنوير في زمن كثُرت فيه فتاوى التحريم ومطاردة الفكر وتجريم الفرح، والحطّ من قيمة العقل والمعرفة في حياة الشعوب المستنيرة، دائما أحاول أن أتحدّث عن النموذج الإنساني الذي يجب أن نكون عليه ونزرعه في نفوس الشباب، أفكر في نوع المجتمع الذي يراد له أن ينشأ في ظلّ أصحاب فتاوى الكهوف! وأيضا في نوع الجيل الذي سينمو في ظل تأليه الحزن، وغلق نوافذ الفرح وأبواب المسرّات البريئة ،، أفكّر في مَن يتخذ من الدين وسيلة لاستغلال ضعف الناس وحاجتهم، أنا يا سادة يهمني أن يعرف شبابنا بماذا كان يفكر الشيخ المعمم محمد رضا الشبيبي، وكيف وقف الشيخ علي الشرقي بوجه سرّاق قوت الشعب، اليوم يراد لنا ان نعيش في ظل حزن مميت، فيما العالم حولنا يعيش سعادة وطمأنينة.

أتذكّر الشبيبي والشرقي وأنا أشاهد مظاهر الهمّ والغمّ التي يحاول سياسيونا ومسؤولونا إحياءها وتعميمها عبر ممارسات تعيد العراق إلى زمن العصور الوسطى، فالموسيقى حرام،لأنها تثير الغرائز، والغناء رجس من عمل الشيطان، والفرح مهنة أصحاب الدنيا ونحن نريد أن نؤسس لثقافة الحياة الآخرة، زينة المرأة غواية، الضحك طريق إلى جهنم.

للأسف يحاول البعض أن يوهم الناس البسطاء، بأن مشاكلهم اليومية لا تتعلق بغياب الأمن والخدمات، وأن معركتهم الحقيقية ليست مع سرّاق المال العام، ومروّجي الخطب الطائفية، وأن الأزمة العراقية ليست السعي إلى تقسيم البلاد لدويلات طائفية.. وإنما أزمتنا الحقيقية هي مع فعاليات شبابية تتحدّى الخراب الذي يريد له البعض أن يصبح جزءاً من طقوسنا اليومية، ففي جزء من خطبته قبل أيام شكر السيد صدر الدين القبانجي الجمهور العراقي لاسيما النجفي الذي استطاع تطويق عملية الخرق والغزو الثقافي"

طبعاً الجمهور"الواعي"الذي يقدّم له السيد القبانجي التحية قام بغزوة ضد عدد من عدد من المحال ، بسبب عرضها لدمى وتذكارات وهدايا يتبادلها الشباب بمناسبة عيد الحب.

وقفتُ أمام هذه العبارة طويلاً لأفهم شيئاً محدداً، حول رفض السيد القبانجي أن يحتفل العراقيون بالحب لا الحرب، بالمحبة لا البغضاء، بالتسامح لا الثأر ، فلم يسعفني جهلي وغبائي لإدراك المعاني الخفية والغايات الخطيرة التي جعلت السيد سعيداً جداً،لأن البعض هشّم ونهب محالّ لأناس هي مصدر عيشهم .

في كتابة أعلام العراق يكتب مير بصري:"عندما كان الشبيبي وزيراً للمعارف أشرف بنفسه على فتح مدارس حكومية لتعليم البنات. وفي أواسط الأربعينات قال لي، ونحن نحضر حفلة تخرّج طالبات من المدرسة الثانوية: هل ترى تقدم الحركة النسوية في جيل واحد أو أقل من جيل في بلادنا؟ لقد كنت وزيراً للمعارف سنة 1922، أي قبل عشرين عاماً فقط، وقد فتحنا مدارس رسمية لتعليم البنات، واستقدمنا المدرّسات من لبنان، وغير لبنان، لكنه لم يكن في وسعي أن أزور مدرسة من تلك المدارس! ونرانا اليوم نحضر الحفلات ونشهد تقدماً لا مثيل له".

دائما أعود لأستشهدَ بالشيخ المعمم محمد رضا الشبيبي الذي ينتمي إلى صف طويل من الرجال كانوا يمثّلون العراق الحقيقي، أدركوا معنى أنهم يعيشون في بلد متنوّع فسعوا إلى بنائه بالجدّ والعمل والحلم.. أقاموا الجامعات والمتاحف والمعامل، وبسبب من عقول أمثاله ووطنيتهم بدأ العراق يأخذ مكانته واستحقاقه،، أراد له ساسته ومفكروه أن يكون وطناً للتسامح والتعايش.. كان ذلك زمناً قال عنه الفرزدق يوما:

أولئك آبائي فجئني بمثلهم.

  كتب بتأريخ :  الأحد 22-02-2015     عدد القراء :  3408       عدد التعليقات : 2

 
   
 

Guestرفاه إبراهيم المبارك اونتاريو-كندا

أعجبتني مقالتك القيّمه لإنها عبّرت بصدق عن واقعنا المزري ألذي نحياه ويحياه أهلنا الكرام الطيبين-ويا للأسف-الآن. ولو تعود بنا الذاكره الى الماضي الزاهر الذي زرع الرجال الشرفاء فيه بذرة طيبة فاح عطرها وتنشقه الجميع وأينع عن وطن منيع وآمن يرعاه من أخلص الولاء له وقبلة السواح والزوار .الى أن ِشهدنا الآن هذا الواقع المزري والأليم. أدعو الله تعالى أن يبعد هؤلاء الطغاة عن رقاب شعبنا العزيز وأن يتحقق الأمن والسلام في ربوعه الغنّاء انه الحليم القادر.


Guestرفاه ابراهيم المبارك---اونتاريو -كندا

مقالة واقعية ومعبرة عن ماض زاهر افتقدناه وزمن ردىء نحياه.كلنا بالتأكيد نمّني النفس بتكرر رجال شامخون بنوا البلد على اسس صحيحة كالأسلاف الخالدين،والخلاص من الطغمة الباغية التي سلطها علينا الأعداء لإذلالنا وسرقة أموالنا.