الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
جذور العنف والفوضى، الضاحِكُ الباكي. (3)

   إنَ عَظَمَة أي وطنْ تكمنُ في عَظَمَة المواطِن نفسه. سليم مطر.

   هذا هو الجزء الثالث من سلسلة مقالاتي ( جذور العنف والفوضى، الضاحك الباكي )!. وهو عن قصص وتجارب حياتية قد تبدو للبعض صغيرة أو تافهة وغير ذات شأن أو تأثير، لكنها حتماً ومئات وآلاف غيرها من قصص الناس الآخرين، كانت من مُسببات تدمير مجتمعنا العراقي. فالإنسان -أي إنسان- لا يولد بالصورة التي هو عليها اليوم، ولم يكن يحمل في داخله ما يحمل من بذور الخير والشر إلا بعد تواجده في مجتمعٍ ما لعشرات السنين التي من خِلال حوادثها اليومية يتم بناء شخصيته سلباً أو إيجاباً، ومن عشرات ومئات وآلاف الأفراد هؤلاء يتكون المجتمع الذي سيأخذ حتماً نمط وشخصية وطبعة أصابع الأكثرية من هؤلاء الأفراد.

   * يقول الشاعر العراقي الراحل بدر شاكر السياب في قصيدته الشهيرة "أنشودة المطر":

   كُلَ عامِ حينَ يُعشِبُ الثرى، نَجوع ْ…… ما مَرَ عامٌ والعراقُ ليسَ فيهِ جُوع ْ

   وتناغماً مع مضمون الشطر (السَيابي) هذا أقول بأن مدرستي الإبتدائية كانت تعج بالفقراء الذين حتى لون وجوههم الأصفر كان يحكي ويصرخ جوعهم وفقرهم، لكنني لم أكن أرى أو أسمع شكواهم إلا نادراً، ربما لأنهم كانوا يُكابرون، فالفقرُ كما يقول الألمان هو الحاسة السادسة!.

   وحين كبرتُ .. فهمتُ بأنهم لم يكونوا يَشْكون لإنهم تعلموا من ذويهم بأن واقع الحال السيء هو من مشيئة الله!!، وليس على المؤمن الصابر الإعتراض عليه، وهذا يشبه إلى حدٍ ما تمثالاً صغيراً لمسخٍ قبيح أحتفظ به في غرفة مكتبتي، وهو يجلس القرفصاء متربعاً في قعدته وقد شبك ذراعيه حول ركبتيه مُسنِداً ذقنه على قبضتيهِ وركبتيهِ، وحول رقبتهِ سلسلة معدنية تحوي هلالاً شذريَ اللون كتب عليه: الحمدُ لله !!!.

   هو حال غالبية المتدينين والفقراء الغلابة (وِلد الخايبة)! الذين يحمدون ويشكرون الله كل لحظة حتى وهم مُخوزقين بخازوق الفقر والمرض والظلم، لدرجة تصبح حياتهم أقرب إلى حياة المسخ !!، أو حين يَمٍِسِخون أنفُسَهُم بأنفُسِهِم، وبرأيي أن هذه محنة ومصيبة أكثر منها قناعة بمشيئة "الخالق". وهي تُذكرني بالنكتة عن القرد الذي خرى وسط الجامع، فقالوا له: الله سيمسخك، أجابهم: كيف سيمسخني !.. هل سيجعل مني غزالاً !؟.

   هؤلاء الطلبة الفقراء المُعدمين كانوا يتقاتلون على ما يُوَزَعُ في المدارس الإبتدائية مجاناً يومذاك من كبسولات المُغذي والفيتامين الذي كُنا نُسميه (دهن السَمَك)، وأعتقد أنه كان خلاصة (دهن الحوت) الذي يحوي على سعرات وفيتامينات تُساعد وتُغذي الجسم البشري وتمده بأنواع الفوائد الصحية. ولإن والدي كان يشتري لنا دائماً (دهن الحوت) هذا على شكل سائل في زجاجات صغيرة، لِذا كنتُ أتبرع بحصتي المدرسية منه للمقربين مني من الطلبة المسلمين الفقراء، بينما كان الطلبة المسلمين من أبناء الأغنياء يفقسون تلك الكبسولات تحت أحذيتهم داخل الصف الدراسي بغية نشر الرائحة الزنخة لدهن الحوت داخل الصف تعكيراً للجو وشغباً ليس إلا، ويرفضون إعطاء حصتهم للطلبة الفقراء الذين يتوسلون ويستجدون للحصول عليه مِمَن ليس بحاجة لها !!.

   أحياناً كنتُ أأخذُ معي إلى المدرسة كمية من الطعام أكثر من تلك التي خصصتها لي والدتي، كي أعطيها لبعض أصدقائي القليلين من الطلبة الفقراء، ويوم إنتَبَهَت والدتي للأمر وعرِفَت لمَن أُعطي الطعام الإضافي، فرحت كوني أتحسس فقر وحاجة رفاقي الطلبة من أبناء الفقيرة، وبدأت تُرسل معي ما إستطاعت أن تجود به نفسها الكريمة الطيبة وما تيسر من ما نملك، رغم كوننا لم نكن أغنياء، بل من العوائل ذات الدخل المتوسط يومذاك.

   أبتسم اليوم حين أتذكر أن بعض هؤلاء الطلبة كانوا يرفضون بعض الطعام الذي أقدمهُ لهم!، بسبب ما لُقنوا بهِ من أن "النصراني نجس"، وطعامه مُحَرَم على المسلم!!، وكم كان ينطبق على هؤلاء المثل القائل: ( زعل العصفور على بيدر الدُخن )!.

   * يوم كنتُ في الصف الخامس الإبتدائي كان أستاذ الـتأريخ أحياناً يستنبط من دواخله ومخيلته قضايا تأريخية غير واقعية لم تحدث أساساً وليس لها من الصحة نصيب لا في عقول معلومات البشر ولا في أي كِتاب!، وبرأيي كانت الغاية منها تمجيد وإعلان شأن الإسلام والمُسلمين تأريخياً، مثلاً كان يقول للطلاب بأن عدد المسلمين في العالَم يفوق عدد المسيحيين بأضعاف!، وأن السومريين والبابليين والآشوريين والفراعنة، وبغض النظر عن تسمياتهم، هُم عرب أقحاح، وأن العراق والشام ومصر وشمال أفريقيا هي بلدان عربية منذ بداية الخليقة، ولكن … سيطرت عليها أقوام أجنبية خبيثة وجاهلة، إلى أن تم إستعادتها منهم على يد العرب والإسلام !!، وكان التلاميذ أحياناً يُصفقون لشدة إبتهاجهم وفرحهم لكونهم أبناء خير أمةٍ وأن نبيهم سيُباهي بهم الأمم الأخرى يوم الدينونة بحضرة الخالق !!!.

   لا بل وصل حمقه وتدليسه وتوجيه طلبته مباشرةً نحو القطب الخطأ حين كان يزعم لنا بأن النصارى في الغرب كفرة وزناة ولا يستحقون الحياة، وأنهم حرامية سرقوا كل علومهم من المسلمين الذين كانوا منشغلين بالصلاة وعبادة الخالق !!!.

   شخصياً كنتُ أتبالَه وأحاول إشغال نفسي بالنظر للكِتاب المدرسي المفتوح أمامي!، بينما رقاب التلاميذ في الصف وأنظارهم كلها تتجه نحوي وكأنني كنتُ (المندوب السامي) الذي يُمثل كل أُمم وشعوب "نصارى" الكُرة الأرضية !!.

   ورغم قدرتي المعلوماتية يومذاك لتفنيد كل مزاعم الأستاذ، وشجاعتي الإجتماعية وثقتي بنفسي، لكنني لم أكن أجرأ على المُنازلة خوفاً من العقاب الذي قد تكون خسارتي معه أكبر بأضعاف من خسارتي في الصمت وإبتلاع أكاذيب الأستاذ الأحمق على مضض!.

   كذلك كان المثول في حضرة الأستاذ المتحفز للإنقضاض في أية لحظة إنما كان مثولاً في حضرة القوة والسلطان في الصف الدراسي، وكما يقول المثل الشعبي العراقي: "منو يِكدَر يْكُلة للسَبِع حَلكَك جايف ؟"، (من بإمكانه أن يقول للأسد بأن فمه أبخر؟ أي منتن الرائحة ؟).

   * حدث ذات يوم في المدرسة الإبتدائية أن الطالب (سمير) أراد أن يرمي غُراباً وقف على سطح بناء الصف الدراسي فأخطأه، وأصابت حجارته إحدى زجاجات نافذة الصف الدراسي فحطمتها.

   في اليوم الثاني حظر والد سمير، وكان عسكرياً لا أتذكر رتبته العسكرية الكبيرة اليوم، لكني أتذكر أنه كانت على صدره وأكتافه مجموعة جميلة من الشارات و(الميداليات) المُلونة كما كُنا نُسميها يومذاك!، قام ذلك الرجل بالتبرع للمدرسة بمبلغ عشرة دنانير على ما أذكر، ربما لُطفاً وتعويضاً لزجاجة النافذة التي كسرها ولده سمير، وكان سمير بعدها ولعدة أيام بطل المدرسة وأصبح له أصدقاء بالعشرات !!.

   في اليوم الثالث وخلال الإصطفاف الصباحي قبل بدء الدروس، قام المدير بمعاقبة الطالب (عبود) الذي كان والده يعمل سائقاً في بيت سمير، ووالدته كانت خدامة البيت، وكانوا يعيشون مع ولدهم الوحيد عبود في غرفة مُحاذية لكراج البيت في قصر عائلة سمير.

   أما لماذا عوقِبَ عبود بدل سمير!!، فالتهمة كانت تقول بأن عبود هو الذي ناول سمير الحجر الذي كَسَر به زجاجة نافدة الصف الدراسي !!!.

   يقول أحد الشعراء :

   يمشي الفقيرُ وكل شيء ضده ……. والخلقُ تُغلقُ دونهُ أبوابها

   وتراهُ ممقوتاً وليس بِمُذنبٍ ……… ويَرى العداوة ولا يرى أسبابها.

   * في المدرسة الإبتدائية كان كل طالب يُحضِرُ من بيته (القرآن) الخاص به، حين يكون أحد الدروس المُقررة لذلك اليوم هو درس الدين الإسلامي، وبعضهم كان يلف نسخة القرآن بأقمشة ملونة ومُزخرفة وأنيقة على شكل

   حافظة لوضع القرآن في داخِلها حِفاظاً وإحتراماً وتقديساً لهُ، وكان الطلبة يلفظون كلمة القرآن هكذا: ( قرعان ) وحين كانوا يحلفون بأغلظ الإيمان كان حلفهم المفضل هو ( بالقرعان الكريم ).

   ذاتَ يوم طَلبتُ من أحد رفاقي الطلبة أن يناولني "القرعان" التابع له لأقرأ بعض ما فيه، لكنه رفض بشدة وغضب وكأنني طلبتُ منه أن يتعرى من ملابسه !!!، وحين حكَيتُ القصة -ساخراً من زميلي- لأحد المُدرسين في الحصة الدراسية التالية، أفهمني ذلك الأستاذ وبطريقة رقيقة ومُهذبة بأن الله يقول عن القرآن: ( لا يمسه إلا المطهرون )!!، وما عرف ذلك الأستاذ الطيب القلب المؤدب بأنه يقول لي بصورة غير مُباشرة بأنني نجس !!.

   وللنكتة .. فإن أغلب الطلاب يومها كانوا يفهمون أن كلمة (المطهرون) تعني الأشخاص المختونين، لإن الكلمة الشعبية المتداولة في العراق للختان هي (الطهور)، وللمختون هي (مُطَهَر)، وعليه فكل مختون هو (مُطَهَر) بالنسبة لهم ولمفهومهم من الكلمة، وهكذا فهم أغلب الطلبة في الصف أنه بما إنني مسيحي غير مختون فأنا (غير مُطَهَر) ولهذا لا يجوز لي لمس "القرعان"!!. بمعنى آخر .. لم يكونوا يستوعبون أن كلمة (مطهر أو مطهرون) تعني وبصورة شمولية كل من كان نظيفاً أو غير نجس، ولا تعني حصراً المختون أو المختونين !.

   * ذات يوم كان أحد طلبة الصف الثالث الإبتدائي يبكي بكاءً مراً متواصلاً وبلا إتقطاع أثناء الفرصة بين الحصص الدراسية، وبعد حضور المعلم للصف الدراسي سأل الطالب عن سبب بكائه، فأجاب بأن الطلاب عَرَفوا بصورة ما إسم أمه (فطومة) وراحوا يعايروه بهِ ويتحلقون حوله في ساحة المدرسة ساخرين وصارخين بنغمة مُوَحَدة: فطومة .. فطومة .. فطومة !!.

   هذا كان أمراً شائعاً ومتداولاً بين الطلاب في المدرسة وفي الحي والشارع، وحتى عند بعض الكِبار والبالغين!، وربما لهذا السبب كُنا نجهل أسماء الكثيرات من نساء المحلة أو الطَرَف أو أقرب جيراننا إلا المتحضرين منهم والمتنورين فكرياً وإجتماعياً، لإن الكل كانوا ينادوهن ويسموهن ب: (أُم فلان أو فلانة) و (أُم علان أو علانة) … الخ.

   ويوم سألني الطلاب عن إسم والدتي قلتُ لهم وبدون أي وجل أو خجل أو شعور بالعار أو الدونية بأن إسم أُمي هو (مريم)، وحين وجدوا بأن الأمر لا يزعجني بأي شكل من الأشكال تركوني وشأني !!.

   * كنتُ أعجب وأتألم جداً في صِغري حين أسمع من أحد المسلمين بأن النصراني أو المسيحي نَجِسْ !!، وحين كَبرتُ بعض الشيء كنتُ دائماً أُقارن بين (غالبية) المسلمين والمسيحيين من ناحية النظافة، والحق نادراً ما كان بين الطلبة المسلمين في المدرسة الإبتدائية من كان نظيفاً كما كنتُ أنا أو أخي نبيل، وهذه حقيقة لاحظتها حتى حين كَبَرتُ وقارنتُ بصورة أكبر بين المسيحيين والمسلمين بصورة عامة، وأُركزُ هنا على أن هذا الأمر كان نسبياً وليس شمولياً.

   وفي نقاشات ساخنة لي مع بعضهم المتزمت حول هذه النقطة بالذات، كنتُ دائماً أتحداهم وأُراهنهم أن ينزعوا سراويلهم وأنزع سروالي لنرى مَن مِنا ستكون ملابسه الداخلية أنظف !!، ولكن … لم يحصل حتى ولو لمرة واحدة أن قبل التحدي أو الرهان أحداً منهم!!، ولا أظن أن أحداً من القراء سيسأل: لماذا؟.

   والمُضحك في عقلية غالبيتهم هي أنهم يتشدقون دائماً بأنهم يتوضؤون كذا مرة في اليوم قبل الصلاه، وكأنهم بالوضوء قد أصبحوا من أنظف الشعوب!!، أو كأن الماء لوحده سيُطهر كل أوساخ الجسد البشري!!، متناسين أن الإنسان النظيف يغسل يديه ووجهه وقدميه عدة مرات في اليوم الواحد، حتى لو لم يكن مُسلماً أو متديناً!!، حيث لا أجد أية علاقة بين التدين والنظافة إلا تلك التي صَوَرَها لهم نبيهم النظيف الذي أذهلتهُ درجة وساختهم يومذاك !. وكان المفروض بهؤلاء المُتشدقين الإستحمام ولو لمرة واحدة في الأسبوع كأضعف الإيمان، خاصةً سكان المدن الذين يتوفر لديهم الماء والصابون!.

   كذلك ينسى أو يتناسى بعض المتشدقين بما ليس فيهم بأن النظافة هي عادة وسلوك وتحضر قبل أن تكون أمراً دينياً متشدداً يخص قوماً ما دون غيرهم !!.

   وبغض النظر عن كل هذه البديهيات عن نظافة الجسد أقول: ما فائدة نظافة الجسد لو كان عقل وتصرفات الإنسان وسخة وزنخة وتفوح منها روائح كل ما هو غير إنساني أو حضاري!؟، وكمثال: هل هو أمرٌ مهم اليوم أن يكون هؤلاء الذين أحرقوا الطيار الأردني وذبحوا الشغيلة المصريين على أعلى درجة من نظافة الجسد!!؟.

   كذلك أفهم وأعي أن غالبية الناس كانوا معذورين في عدم نظافتهم، وذلك بسبب الفقر الذي لا يسمح لهم أن يتحمموا يومياً أو حتى لمرة واحدة في الأسبوع، والوضوء ليس كالتحمم الذي يشمل كل جسد الإنسان. أما الروائح التي كانت تفوح منهم .. فيعرفها حتى أصحابها وليس من داعِ للتطرق لها كونها كانت ولا زالت من صفات (غالبية) المسلمين، وكانت ولا زالت جزءً من شخصيتهم ولم يتخلص منها إلا هؤلاء الذين تحضروا وفهموا معنى التحضر ومارسوه، ولا زلتُ أذكر أن غالبية الرجال في المجتمع العراقي كانت تنفر من الروائح والعطور الرجالية الأجنبية المستوردة التي كُنا نستعملها بعد الحلاقة وكل وجبة إستحمام وخاصةً تلك المتعلقة بما تحت الأبطين، وكانوا يقولون بأن من يستعملها متأنث وليس فحلاً !!!، وربما كانوا على صواب، لإن واحدن من خِصال الثور الفحل هي رائحته الكريهة !!.

   وحول النظافة أيضاً يقول العالِم الإجتماعي الراحل د. علي الوردي: [ من الممكن القول أن الغسل والإعتناء بالنظافة لا يألفهما البدو ولا يعرفون لهما معنى، فالماء نادر في الصحراء وهم لا يحتاجون إليه إلا لشربهم وشرب أنعامهم، أما إستعماله في الغسل والتنظيف فهم قد يعجبون منه أو يستنكرونه.

   وفي مقطع آخر يقول: حدث مرة أن قال أحد الحضر في مجلس بدوي أنه يستحم في السنة مرة أو مرتين، فدهش البدو الحاضرون من ذلك وقالوا له: شنو أنتَ بطة !؟].

   صحيح أن د. علي الوردي كان يتحدث عن البدو في هذا المقطع، لكن غالبية الحضر لم يختلفوا كثيراً في المدن الإسلامية عن البدو، لإن غالبيتهم من جذور وأصول بدوية، ولا زالوا يحملون غالبية عادات وتقاليد وممارسات وأخلاق البدو لحد اليوم رغم تسميتهم أو نعتهم بالحَضَر جُزافاً، فالتحضر هو سلوك وأخلاق وتصرفات وأنسنة، وليس السَكَن في بيوت عصرية لا زال بعضهم يستعملها كما كان يستعمل خيمة الوبر!. ولا أعتقد أن آفةً أو شيئاً أو قوماً أو شعباً قام بتدمير العراق عبر كل تأريخه أكثر من هؤلاء البدو الأعراب !.

   الكثير من مسلمي العراق كانوا يمشون في الطرق العامة حفاة الأقدام، ونادراً ما يغسلون ملابسهم لغاية تنظيفها، وجَلَهُم يستعملون نفس (الدشداشة) للنوم وللحياة اليومية وحتى للذهاب إلى السينما!!. وسكان الصرائف وغالبية الفقراء في بيوت الطين والصفيح لا يملكون مرحاضاً في أماكن سكنهم تلك، بل يتبولون ويتغوطون أينما أتفق، ولا أريد أن أعرف بماذا أو كيف يتمسحون !؟، كذلك تراهم يمسحون مخطانهم أو أنوفهم أو ما تعلق من دهون أو بقية طعام حول شفاههم بأكمامهم أو أطرافَ دشاديشهم أو حتى شماغهم وغطاء رأسهم، وربما غالبيتهم العظمى تستعمل نفس منشفة الحمام لكل العائلة، وغالبية أطفالهم في المدارس -خاصة في أحياء الفقراء- مصابون بالقمل والقرع والنُكاف والحكة الجلدية، ومئات منهم شرح العيون أو عور أو مصابون بأمراض العيون والتراخوما وغيرها من الأمراض، ولو سمحتُ لقلمي بالكتابة عن أمور النظافة والوساخة في أي مُجتمع للمسلمين فربما لن أنتهي لأيام.

   ومع كل ذلك يتجرأ بعضهم المتدين أو الجاهل أو الحاقد، ويُسَمي المسيحيين ب (نجسين)!!، ولا زلتُ عاجزاً عن فهم هذه الفذلكة المُضحكة في العراق وغير العراق، ولا زالت واحدة من أهم شعاراتهم التي يتبجحون بها تقول: "النظافة من الإيمان"!!!، ولو تم تصديقها فمعنى ذلك أن غالبية الشعب المُسلم لن يُحتَسَبوا على الإيمان أو المؤمنين، وهو شعار براقٌ ببغائي كغيره من الشعارات الإسلامية التي لا تفعل ما تقول !.

   يقول أحد المُعلقين -من المخصيين فكرياً- بأن المسيحيين العراقيين وسخين!!، ولا أُريد أن أكتب له ما قد يُخجِلُهُ من حقائق .. هذا إن كان يعرف معنى الخجل !!، لكني فقط أقول بأن النظافة والوساخة موجودة في كل المجتمعات والأقوام وألأديان، ولكن .. أي عراقي يعرف حق المعرفة بأننا لو تكلمنا من خلال النسبة المئوية لنظافة أو وساخة مسيحيي ومسلمي العراق فربما سيعرق أغلب المُسلمين خجلاً !!.

   ربما كنتُ قاسياً بعض الشيء في هذه الفقرة، لكنها ردة فعل لما عانيتهُ شخصياً من جهالات وبذاءات وأراجيف كاذبة في حق المسيحيين العراقيين حول ما يخص مُفردَتَي ( النظافة والنجاسة) معاً، ومن بالحري كان من المفروض أن يوصف بهذه أو بتلك !؟، ولم أقم بتسجيلهاوالكلام عنها في مقالي إلا على قاعدة: إن الشيء بالشيء يُذكَرْ !.

   * يقول الصحافي الساخر الراحل (نوري ثابت) في جريدته (حبزبوز) التي كانت تصدر في الزمن الملكي في العراق، بأنه أحصى في تقاريره عن المدارس العراقية -أثناء عمله كمُفتش في وزارة المعارف- 25 طالباً أعوراً في مدرسة واحدة فقط من مجموع طُلابها البالغ عددهم 136 طالباً، و 21 أقرعاً -بسبب أمراض الرأس- في مدرسة أخرى مجموع طُلابها 128 طالباً، أما عدد (الشُرحين) فيقول أنه غض النظر عنهم لكثرتهم وإكتفى بتسجيلهم ضمن سالمي العيون !!.

   كان الطالب (جاسم) أحد ثلاثة طلاب عور في الصف الخامس الإبتدائي في مدرسة الحرية الإبتدائية للبنين التي كنتُ أحد طلابها، وأثناء درس اللغة العربية طلب المعلم من جاسم أن يضع فعل ماضي في جملة مُفيدة، وقف جاسم للحظات مُفكراً، وبكل سذاجة وعفوية تنمان عن جهل مُطبق قال: ( فَعَلَ القِطُ بالبزونةِ )!!، طبعاً ضج كل الصف بالضحك سخريةً من جاسم، ولم يكن من المعلم إلا أن صفع جاسم على وجهه بقوة وهو يصرخ به: يا حمار يا أعور!.

   لم يكن ذلك المعلم للأسف يعلم حجم الحساسية التي عند أي إنسان تجاه عاهتهِ أو عيوبه الجسدية الظاهرة للعيان!!، لِذا فقد كانت ردود فعل جاسم عنيفة جداً وغير متوقعة حين صرخ في وجه المعلم بحنق وعصبية وألم: أنتَ حمار وأعور وأبوك حمار وأعور أيضاً !!!.

   في صباح اليوم التالي -وكالعادة- ضربوا قَدَمَي جاسم (فلقة)!، ولم يكن المُنفذ غير السيد المدير (الصِكَر) الذي كان يحتكر دائماً هذه اللذائذ لنفسه. وقبل الفلقة بكى جاسم المسكين وتوسل بالمدير والمعلمين أن يصفحوا عنه، وأقسم بكل الأنبياء والأولياء والكُتب المقدسة أنه لن يُكرر غلطته تلك، وجثا على ركبتيه مُقبلاً حذاء السيد المدير الذي لم يُظهِر أية ممانعة ولم يتراجع أو يسحب قدميه التي لامستها شفاه جاسم المسكين، بل رفع رأسه بكل إطمئنان، فالعصفور الصغير كان ينتفض رعباً بين مخالب الصقر!!.

   وهكذا تكررت المآساة مرة أخرى، حيث ترك جاسم المدرسة إلى الأبد كما تركها قبله الطالب ( باروخ ) الذي رويتُ قصته في مقال سابق لي بعنوان (من داخل القمقم. الجزء 1).

   http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=190722

   أحياناً حين أتذكر جاسم وباروخ أتسائل: ماذا يا ترى كانت أدوارهم كأفراد لاحقاً في وطننا العراقي منذ ذلك الحين ولحد اليوم !!؟ وهل كانوا أفراداً إيجابيين أم سلبيين في مجتمعنا الذي يصرُ على خَلقْ الداينصور ومن ثم يقع بين فكيهِ المُرعِبَين !؟.

   * يوم كنتُ في الصف الثاني المتوسط في متوسطة المأمون للبنين، كان لي صديقَين حميمَين (سعدون وباسم)، وكنا ثلاثي معروف جداً في المدرسة، ويحسدنا الكثير من الطلاب بسبب متانة صداقتنا وإنسجامنا مع بعضنا، وبعد إنتهاء العطلة الصيفية (3 أشهر) وعودتنا إلى الصف الدراسي الثالث المتوسط، وحين رأيتُ سعدون بعد قطيعة العطلة الصيفية تفاجأتُ جداً حين رفض مصافحتي وأعرض عني وأشاح بوجهه وكأنني غريبٌ عنه!!، وبعد أن سألته عدة مرات وبإلحاح كبير من سبب بروده تجاهي ورفضه مُصافحتي أو حتى الحديث معي قال لي وبكل وضوح من أنه أثناء العطلة الصيفية دخل مع أخويهِ الأكبر منه سناً في تنظيم الإخوان المسلمين، ولهذا فهو يرفض صداقتي أو الكلام معي أو حتى السلام عليَ، لإن ذلك ضد تعاليمه الدينية وبحسب بعض الآيات التي تُحرم عليه ذلك، وفي نهاية كلامه ذكر لي نفس الكلام الذي سمعته من قبله من عدة أفراد مسلمين والذي يقول بأن قتل الكافر في الإسلام حلال !!.

   بعدها .. وحين سألتُ مستوضحاً من بعض أصدقائي الآخرين من المسلمين الطيبين الذين لا يُعطون للآيات القرآنية أية قيمة أو أهمية ولو بحجم بعرة، ذكروا لي بعض الآيات التي تُحَرِض المسلم على عدم الإختلاط بالمسيحي الكافر، وكان منها:

   [ لا تبدأوا اليهود والنصارى بالسلام، وإذا لقيتم أحدهم في طريقٍ فإضطروهم إلى أضيقه ].

   كذلك نجد في سورة التوبة: [ إنما المُشركون نجس ]، ويزعمون أنها عن لِسان الله !!.

   وفي سورة المائدة نقرأ: [ يا أيها الذين أمنوا لا تتخذوا اليهودَ والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض، ومن يتولهم منكم فإنه منهم، إن الله لا يهدي القوم الظالمين ]. وتسائلتُ يومها بكل غضب: من هُم "الظالمين" الذين يتحدث عنهم رب المسلمين!؟.

   ليس لي أي تعليق على هذه الآيات المُحَرِضة على الشر والكراهية، لكنني أقول وبكل صدق بأنني أملك صورة واحدة فقط تجمعني مع سعدون وباسم، وأحياناً حين أتمعن فيها وأتذكر الفترة الطيبة البريئة الحلوة التي كانت تجمعني بهم، أبكي كما أبكي حين أتذكر أخوَيَ الإثنين الذَين قُتلا في الحرب العراقية الإيرانية.

   سمعتُ من صديق لا زلتُ على إتصال معه في العراق أن باسم إستشهد في معارك العراق وإيران للأسف، ولا أعرف ما آلت إليه أمور سعدون، متمنياً أن يكون على قيد الحياة، متمتعاً بالعافية والسعادة والأمان.. رغم شَكي بذلك، وعسى أن يقرأ مقالي هذا يوماً بالصدفة المليونية.

   * في مدرسة (ثانوية الصناعات الألمانية العراقية) التي تخرجتُ منها، كان من ضمن التلاميذ طالب طيب القلب جميل الأخلاق ودوداً لدرجة كبيرة إسمه (عبد الأمير)، من سكنة مدينة بعقوبة، وهي عاصمة مُحافَظَة ديالى التي تُبعِد نحو 50 كيلو متراً (21 ميلاً) إلى الشمال الشرقي من بغداد، على نهر ديالى.

   ذات يوم دعاني وصديقَين آخَرَين هما (صباح الدباغ) وهو مصلاوي الأصل، و(أسعد العاني) وجذوره من مدينة عانة، دعانا إلى قضاء فترة أسبوع عندهم في بعقوبة ضيوفاً عليه وعلى خواله الثلاثة الذين كانوا بمثابة والده المتوفي، وكانوا نوعاً ما ميسوري الحال حسب مقاييس القرية والمدينة زمنذاك، كانوا يملكون عدة مزارع واسعة لإشجار البرتقال الذي إشتهرت به مدينة بعقوبة دائماً.

   وكان عبد الأمير قد ألَحَ عليَ بالذات أن أقول وأدعي بأنني مُسلم وإن لقبي هو (الجنابي)!، لإنه لا يستطيع تخمين ومعرفة ردود فعل عائلته وخواله حول إستضافة صديق مسيحي!. ولم أُمانع .. حيث كنتُ في بداياتي للتحول إلى إنسان لا ديني في تلك الفترة .

   حللنا نحنُ الثلاثة ضيوفاً عند صديقنا الكريم -طيب الذِكر- عبد الأمير وعائلته وخواله. وقدمتُ نفسي لهم بإسم (طلعت الجنابي). ولمدة أسبوع كان جميعهم مع عدد آخر من أقاربهم وأصدقائهم وخاصتهم يقومون بخدمتنا وإيجاد كل السُبل المؤدية إلى راحتِنا وإسعادِنا وحتى رِضانا، وكنتُ شخصياً الضيف المُفضَل وخاصةً الخال الكبير الذي أعجبه جميلُ منطقي وعمق ثقافتي وسعة إطلاعي الشمولي وروح النكتة التي أتمتع بها ومعرفتي بالأمثال الشعبية التي أطربه جداً سماع بعضها مني، لهذا كان يُصر على أن أجلس بجانبه أثناء (مد) سُفرة الطعام على الأرض ومشاركة كل الرجال في الطعام صباحاً وظهراً ومساءً، وكانت أصابع يده -كعادة غالبية مُسلمي العراق- تغوص في صحن المرق لتختار لي اللحمة الكبيرة، مع إصراره على أن أنال ما فيه الكفاية من الفاكهة والبقلاوة، وكان الجميع يأكلون بأصابعهم كعادة غالبية المسلمين العراقيين، لكنهم كانوا قد أحضروا لي ولصباح وأسعد ملاعق معدنية من المطعم الكبير الذي يقع على طريق السيارات التي تأتي وتذهب مِن وإلى بغداد. لإن عبد الأمير أخبرهم بأننا -البغداديين- لا نعرف كيف نأكل بأصابعنا، وخاصةً (التمن والمرق) !!.

   الحق كانت سفرة رائعة مُمتِعة ستبقى دائماً واحدة من أجمل ذكريات الماضي، تقول وتحكي في كل دقيقة منها عن طيبة وسلاسة وإنسيابية وكرم وشهامة الإنسان العراقي حين لا يتم إستغلاله وتحريضه وتغويله لأسباب دينية، وتحويله من تلك الصورة الجميلة المُسالمة إلى الصورة التي هو عليها اليوم.

   كانت مزارع البرتقال جميلة وساحرية الأجواء، خاصةً مع ذلك الجدول المائي الصغير العذب الرقراق الذي يخترقها ماراً عبر مزارع أخرى كثيرة. ووسط واحدة من مزارع خوال صديقنا عبد الأمير -حيث كُنا ننام في الليل- كانوا قد إبتنوا حديثاً منزلاً خشبياً جميلاً ومتواضعاً يمر الجدول المائي عبره، وكان هناك في داخل المنزل غطاءً معدنياً على شكل شبكة لمنع أي حشرة أو أفعى أو زحافة من الدخول إلى المنزل عبر الجدول الذي يمر داخل المنزل، وكان يُشاركنا ذلك المنزل صديقنا الودود عبد الأمير وحفنة طيبة من أولاد خواله وأصدقائه المقربين الذين كانوا بأعمارنا والفرحين بنا لدرجة لا توصف وكأننا أولاد السلطان الذين نزلوا في ضيافتهم.

   المهم .. في الليلة الأخيرة السابقة ليوم عودتنا إلى بغداد، وبعد إنتهائنا جميعاً من طعام العشاء، وأثناء تجاذبنا لأنواع الحديث ونحنُ نشرب الشاي الممزوج بحبات الهيل، وحولنا بضعة مواقد يحترق داخلها الخشب لإزالة بعض رطوبة المساء حولنا، قام الخال الكبير بسؤالي مِن أي بطن أو فخذ من الجنابيين هي عائلتي؟، وذلك حسب اللقب "جنابي" الذي إدعيتهُ وقدمتُ نفسي من خِلالهِ!.

   إرتسمت إبتسامة خبيثة شقية مُشاغبة فوق وجهي، وإحتسيتُ جرعة كبيرة من الشاي، وركزتُ عيني في عين الخال الكبير وقلتُ له بصوت ثابت جاد خالي تماماً من نبرة المزاح أو الهزل: يا خالي العزيز أنا عراقي مسيحي كلداني، ولستُ جنابياً كما إدَعيتُ أماكم نزولاً عند رغبة وطلب صديقي وأخي العزيز عبد الأمير، وإسمي الحقيقي هو طلعت ميشو وليس طلعت الجنابي!، وأرجو المعذرة إن كان هذا الخبر سيُكَدِرُ أياً منكم، فأنا لا أرى فيكم غير أخوة وأهل ومواطنين عراقيين طيبين، وعسى أن تروا في شخصي نفس ما رأيتهُ فيكم، وما نحنُ جميعاً إلا شركاء في نفس الأرض والسماء والماء في هذا الوطن الطيب.

   خيم صمتُ ثقيلٌ مُطبق على المكان، ولم أكن أسمع غير صوت طقطقات الجمرات الخشبية وهي تحترق في المنقلات التي حولنا، وأعتقد كان الجميع ينتظر ما سيقوله الخال بعد تلك المفاجأة التي فاجَأتهُم وربما عَكَرَت مزاج بعضهم، ربما!.

   تململ الخال الكبير في جلسته، وسحب نفساً عميقاً من سيكارته ثم نفثه في الهواء الطلق، وتنحنح بصوت حاول جاهداً أن يكون طبيعياً: الحق يا ولدي إنك فاجأتني، لكن هذا لن يُغير إعجابي بك كشاب ورجل عراقي، وكم أتمنى لو كان كل شاب في مدينتنا على شاكلتك، وتسلم الأيادي التي قامت بتربيتك وتعليمك. أما عن كونك مسيحي … فهذا لا يُقدم ولا يؤخر، لأن الإسلام يَعتبر المسيحيين من أهل الكِتاب، وسيدنا ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم أوصانا خيراً بالنصارى، وأنا شخصياً لم يسبق لي أن تعرفتُ على أي مسيحي، ولكن … والله العظيم لو كانوا كلهم على شاكلتك فأهلاً بهم جميعاً … الخ.

   بعدها قام الحاضرين بتغيير دفة الحديث. وعند نهاية السهرة ذهبنا للنوم وكان صديقنا عبد الأمير صامتاً تماماً ولم يُعلق بكلمة واحدة على ما حدث.

   حين إلتقينا عبد الأمير بعدها في بغداد إبتسم وإحتضنني وقبلني وقال لي مُعاتباً: يعني هل كان من الضروري أن تقول لخالي بأنك مسيحي!؟. وحين سألته إن كانوا قد عاتبوه أو عنفوهُ بسبب إستضافته لصديق مسيحي دون عِلمهم!!؟، أجابَ: لا لا لا أبداً، لم يقل لي أي منهم حتى كلمة عتاب واحدة، لكني عرفتُ بالصدفة أن خالي الكبير قام بكسر كل الصحون الخزفية والزجاجية في بيته لإن نصراني إستعملها وأكل فيها ونَجَسَها !!!!!!!!!.

   * أتعجب جداً حين يثور بعض القراء ويشتمونا محاولين نفيَ ما ننشر من حقائق عن تأريخ وقصص إضطهادنا!!، وما دروا بأنهم يُؤكدون ويواصلون ذلك الإضطهاد!!. إن نظرة واحدة إلى خارطة العراق الإثنية اليوم، والخالية تقريباً من المسيحيين من المفروض بها أن تُلجِمَ ألسنة تلك القردة الصخابة، ولكن ......

   المجد للإنسان .

  كتب بتأريخ :  الإثنين 23-02-2015     عدد القراء :  5394       عدد التعليقات : 0