الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
حتى المغول لم يفعلوا ما فعله أوباش العصر بحضارة نينوى!
بقلم : د . عبد علي عوض
عرض صفحة الكاتب
العودة الى صفحة المقالات

   نصرخ ألماً عندما أخذ المزرف الكهربائي (الدريل) ينغرز في رأس الثور المجنّح العملاق ويفتته وكأنه يحفر في دماغ كل إنسان عراقي وطني غيور على حضارات وادي الرافدين، ونشعر بوجع ضربات المطارق كأنها تنزل على رؤوسنا حينما حطّمَت التماثيل الآشورية الجميلة بنحتها والغنية بتاريخها ألذي يحكي لنا سِفرْ حضارة المملكة الآشورية ألتي رَفَدتْ الانسانية بانجازاتها، ونحن نتابع الابادة الجماعية بحق آثار نينوى من خلال الصوَر لانستطيع فعل شيء سوى أن نجهش بالبكاء!.

   حتى المغول، عندما زحفوا من أواسط آسيا على العراق والشام بهمجيتهم ودمويتهم، لم يمسّوا ألأطلال والآثار لبلاد ما بين النهرين، لا بَل أخذوا من فن العمارة الآشورية والبابلية والاسلامية ونقلوها إلى موطنهم الأصلي لاحقاً.

   لحد الأمس القريب، كنّا نطالب بإعادة كنوز حضارات وادي الرافدين ألتي سُرقَت من قِبَل بعثات التنقيب الألمانية والبريطانية والفرنسية في نهاية القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين،ة وهي الآن محفوظة في متاحف لندن وبرلين واللوفر... وتلك الدول كانت ولاتزال تتمسك بالقاعدة ألتي تقول: إنّ الآثار تعود لِمَنْ يحافظ عليها وليس لمن يمتلكها!. إنهم محقون في ذلك، حينما نرى الدولة العراقية تهمل بتعمّد الجانب الثقافي الذي يتضمن عالم الآثار وجذورها التاريخية. ومن الأدلة على ذلك الاهمال هو واقع الآثار المزري، إذ أنّ عدد شرطة حماية الآثار في جميع أنحاء العراق هو 1200 شرطي، في حين عدد المواقع الأثرية يتعدى ألـعشرة آلاف موقع!... وبالعلاقة مع هذه الأرقام نجد أنّ لكل نائب في البرلمان ثلاثين مرافق، وإن أخذنا النتيجة بعملية حسابية بسيطة 30 ×328 = 9840 عنصر حماية، عدا حمايات السلطة التنفيذية ألتي لا نعلم عن أعدادها وتكاليفها شيء. أقول التالي لأولئك جميعاً: إنَّ قيمة رَقيم أثري صغير هي أغلى منكم جميعاً بكل قيَمكم وخلفياتكم الفكرية والاجتماعية!.

   الشيء الغريب وقبل عدة سنوات، أصدرَ (القائد المجاهد!) مقتدى الصدر فتوى مفادها/ ما دامت الآثار لا علاقة لها بالاسلام فيمكن أخذها/ يعني سرقتها وبيعها!... ولذلك نرى أن وزارة السياحة والآثار صارت من حصته... فلا داعي من الخوف على الآثار العراقية!؟.

   حينما يعيش البلد حالة الحرب، عليه أن يتخذ التدابير اللازمة للحفاظ على مرتكزات وأساسيات وجود الدولة المتمثلة بالمؤسسات الاقتصادية المنتجة والثقافة والعلوم والخدمات، وكمثال يحدثنا التاريخ كيف أن الاتحاد السوفيتي، عندما باغته بالهجوم هتلر، قام بنقل المصانع ومحتويات المتاحف إلى جبال الأورال وقلب سيبيريا، خوفاً من وصول الجيوش النازية الألمانية لها. أما في العراق فقد حدثَ عكس ذلك، حيث أخذ الاحتلال الأمريكي يتفرّج على عملية نهب كنوز المتحف العراقي وإحراق المكتبة الوطنية ودار الحكمة وتفكيك المصانع وسرقتها، لا بَل حتى المستشفيات لم تسلم من سرقة أجهزتها الطبية وأسِرَّة المرضى، وفي ذات الوقت نجد الاحزاب الطائفية والقومية الشوفينية غير آبهة بما يحصل من خراب، كانت منشغلة بتقاسم غنائم السلطة. الكل يقول أنّ داعش كانت تسرح وتمرح في هضاب وبراري نينوى قبل أكثر من سنة، إذن لماذا لم يقم وزير السياحة الصدري/ السابق واللاحق/ بنقل آثار نينوى إلى دهوك أو أربيل كاجراء وقائي حفظاً عليها! ... ولكن ماذا نقول، حتى نابيء الكلام ما عادَ ينفع.

  كتب بتأريخ :  السبت 28-02-2015     عدد القراء :  2580       عدد التعليقات : 0