الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
أغصان بلا جذور... قصة واقعية قصيرة
بقلم : الدكتورة ناهدة محمد علي
عرض صفحة الكاتب
العودة الى صفحة المقالات

ولُدت ذات يوم في إحدى المناطق الشعبية طفلة جميلة لإمرأة متوسطة العمر تعمل دلالة للملابس النسائية وكان زوجها الفقير يكبرها بسنوات عديدة , زُفت إليه مرغمة وعاشت معه مُرغمة , وحين خرجت ذات يوم لجولتها الطويلة عادت بعد ساعات لتأخذ طفلتها من عند جارتها , ثم دخلت بعدها إلى بيتها ووجدت زوجها نائماً فتركته إلى الصباح ثم حاولت أن توقظه ولكن بلا جدوى , ثم أدركت حينها أنها قد فقدت زوجها وخرجت إلى الجيران لأجل مساعدتها في دفنه .

تقدم للمرأة الشابة رجل عُرف عنه البخل والشراسة ومزاولة بعض الأعمال الممنوعة كتجارة المسروقات , فرضيت به المرأة لحاجتها إلى رجل ما تستند إليه ولم يكن للمرأة خيار في هذا وإعتقدت أنه سيكون راع لها ولإبنتها . كان سعدون زوج مديحة يعامل الطفلة وهي في السابعة بشراسة وخاصة بعد خروج أُمها ثم أصبح الإثنان الزوج والزوجة متفقان على إستغلالها للعمل المنزلي , وحينما كان الإثنان يختليان في غرفتهما كانا يكلفان الطفلة ( أغصان ) بمزاولة الأعمال المنزلية الشاقة , فهي تغسل الصحون والملابس وتعجن العجين لليوم الثاني ثم تذهب بعدها للنوم في غرفتها .

أصبحت أغصان في العاشرة , وكان سعدون مدمناً للخمر , يصرف ما يحصل عليه من تجارة الممنوعات على شراء ( العرق والسكائر ) ولم تنفع إعتراضات مديحة على حرمانها وإبنتها من المصروف , وما كان منها إلا الإضطرار إلى العودة إلى مزاولة مهنة ( الدلالية ) والتي كانت تستغرق النهار بطوله ثم تعود بعدها مُتعبة إلى البيت لتجد سعدون نائماً وهو مخمور , أما الطفلة فكانت خائفة ومرعوبة على الدوام , تبكي ولا تعلم الأم سبب بكائها , كانت أغصان مصابة ( بالتوحد ) ولم تكن تستطيع التعبير عن آلامها بشكل واضح , ولم تستطع أن تفهم ما يجري لها أو من حولها . ذات مرة أخذتها أمها إلى إحدى ( المشعوذات ) والتي أمرتها بكي يديها وقدميها لكي يخرج ( الجني ) من رأسها , وقد صدَقت المرأة أقوال ( السحّارة ) .

ذهبت المرأة إلى البيت لكي تضع ( الصيخ ) الحار على أيدي وأرجل الطفلة والتي أغمي عليها من شدة الألم , وظنت الأم أن الجني سيخرج من رأس  أغصان  وستعود الطفلة طبيعية كبقية الأطفال , لكن وضع         أغصان  قد إزداد سوءاً وأصبحت تبكي وتصرخ طوال النهار , لكن هذا لم يمنع الأم من تكليفها  بألأعمال المنزلية لكي تستطيع الخروج في عملها اليومي والعودة في نهاية النهار لتجد زوجها يغط في شخيره , أما الطفلة فكانت تبكي على الدوام وهي مرعوبة في إحدى زوايا المطبخ . لاحظت الأم ذات يوم بعض الدماء على ساقي الطفلة فظنت أنها قد جرحت نفسها فأمرتها بالإغتسال والنوم .

في صباح اليوم التالي توسلت الطغلة بأمها كي لا تتركها وتعلقت بها ثم أشارت أغصان إلى مناطق معينة في جسدها وما بين ساقيها وأشعرت الأم بأن هذه المناطق تؤلمها , قامت الأم يضربها ضرباً مبرحاً لإسكاتها ثم قالت لها اسكتي يا ( مجنونة , أنت مخبلة ) ثم خرجت سريعاً .

ظلت الطفلة تصرخ وهي تعلم ما ينتظرها لكنها لا تجيد التعبير عن آلامها ولا تعرف أحداً يمكنه مساعدتها , ولا تعلم أيضاً كيف تشرح الأمور لجيرانها فقررت السكوت والإستكانة .

عاد سعدون مبكراً إلى البيت وتوجه مباشرة إلى غرفة ( أغصان ) وطلب منها تقديم الطعام له وبعد أن شبع ذهب ليكرع من قنينة العرق المركونة قرب السرير , وأخذ يبتلع الجرعات سريعاً حتى ثَمِل , ثم جر قدميه جراً إلى غرفة أغصان وأغلق بابها , كانت الطفلة ترتجف وتصرخ بشكل هيستيري وظلت تصرخ إلى أن سمع سعدون قفل الباب يدور فأسرع بالخروج من الغرفة وتظاهر بالنوم .

هرعت الطفلة إلى أمها وهي تصرخ مشيرة إلى مواقع الألم , نظرت الأم إلى زوجها فوجدته نائماً ودفعت بأغصان بقوة إلى الأرض وطلبت منها إحضار الطعام ثم الذهاب إلى النوم .

عند الصباح تجولت أغصان في أرجاء المنزل لوحدها وبزغ في ذهنها الصغير شعاع يدفعها للخروج إلى الخارج حيث حريتها , حيث يمكن أن تلعب وتلهو بدون أن يؤلمها أحد . خرجت الطفلة مسرعة كعصفور فر من قفص بدون أن تتناول شيئاً , وفرت إلى الشارع ثم إلى الشارع الآخر وأحست أن لها جناحين تطير بهما , لم تكن أغصان تجيد الإلتفات يميناً أو يساراً أو تنتبه إلى الأصوات . كانت تقفز من رصيف إلى آخر فلا حدود لديها للحركة , هرولت مسرعة إلى الشارع الكبير وكأنها تبحث عن شيء لكن هناك من هو أسرع منها حيث مرّ من فوقها كما مرت سنواتها القليلة سريعة وبلا فرح , طار جسدها في الهواء ليرتمي ثانية إلى الأرض . حصلت أغصان على حريتها كما أرادت ووضع سائق مجهول حداً لآلامها

وُضعت أغصان على طاولة التشريح وبيّن التقرير الطبي بأن الطفلة قد تعرضت للإغتصاب لعدة مرات وعلى مدى سنوات , وحينما إطلعت مديحة على التقرير بعد أن أخبرها مركز الشرطة بمصير الطفلة المجهولة الهوية . لطمت الأم على وجهها وكأنها قد إستعادت أمومتها بعد زمن طويل , أخذت تبكي بحرقة وتطلب لنفسها الموت ولإبنتها الحياة وظلت متجمدة أمام جسد الطفلة وكأنها تنتظر عودتها إلى الحياة ولكن هيهات فقد كانت هذه الأغصان الجميلة بلا جذور .

  كتب بتأريخ :  الثلاثاء 24-03-2015     عدد القراء :  2079       عدد التعليقات : 0