الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
التبعية الايرانية

في 5 نيسان 1980، ارتكب النظام المباد جريمة التسفير قسرا لمئات الالاف من المواطنين العراقيين، بتهمة (التبعية الايرانية). كانوا في سوادهم الاعظم من الكرد الفيلية، لكن التسفير شمل الكثيرين من العرب ومن المسيحيين والصابئة ايضا.

كان الرعب يغطي جل البيوت، فمن لم يسفر تقطعت كبده على حجز شباب العوائل المسفرة واعتقالهم، وعلى فرض الطلاق على زوجات البعض، وعلى الرمي الوحشي لخيرة العوائل العراقية على الحدود المهجورة، في فعلة همجية لم يرتكبها حتى كفار قريش بحق المتمردين على آلهتهم.

ولم يفرح المسفرون عندما ضمتهم المخيمات الإيرانية، بل حلت عليهم غيمة من الكآبة والكمد وتملكهم عصاب من الغضب، لأن ادارات المخيمات زودتهم ب «كارت اخضر» مكتوب عليه: (تبعية عراقية)، فأيقنوا انهم تائهون ضائعون بين تبعيتين.

ومن هؤلاء المغضوب عليهم سأتحدث عن جبل، لو يعرف النظام قبل السقوط وبعده حقه لارتفع له تمثال ولانحنت اليه قامات، ولنثرت عليه كل اوراق مديرية الجنسية العامة.

انه الاديب عبد الغني الخليلي (ابو فارس)، تولد النجف 1925، الذي خاطبه الجواهري عام 1968 من منفاه:

أبا الفرسان، إنك في ضميري

وذاك أعز دار للحبيب

غادر النجف أواسط الاربعينات ليعمل معلما في الكاظمية. فصل من التدريس لنشاطه اليساري، عمل في مطبعة «الزهراء» العائدة لعمه، ثم في مصرف الرافدين عام١٩٥٤ حتى تقاعده عام 1976.

حين داهموا بيته ليسفروه، تناثرت اوراقه وتمزقت مخطوطاته التي تربو على ألفي صفحة، جرجروه ورموه مع أهله على الحدود القصية، كان يحمل أمه على ظهره بين الادغال، لثلاثة ايام لم يذقا طعاما او شرابا سوى ماء المطر المتجمع في الحفر. كتب في ما بعد عن المشهد يقول :

«كنت أغرفه لها بيدي فتشرب .. وبينما كنت ابحث لها عن اعشاب ندية في مساكب الخضرة يمكنها أن تسد بها جوعها عثرت على الخباز البري، وحين عرفتُ انها تعجز عن مضغه، رحت امضغه لها وادسه في فمها».

في الثمانينات عاش في دمشق، ثم انتبذ السويد التي أصدر فيها كتابه الجميل لغة ومتنا «سلاما يا غريب».

نكب بولديه «فارس» الذي احتجز عند التسفير في «نقرة السلمان» ثم أعدم، و»فاخر» الذي استشهد في حركة الانصار الشيوعيين بجبال كردستان.

في اواخر 2002، قبل سقوط النظام الباغي بخمسة شهور، رحل «ابو الفرسان» كسير القلب، مكسوره.

رحل قبل طلوع الفجر وعينه على شمس بغداد التي تأخرت..

  كتب بتأريخ :  الثلاثاء 31-03-2015     عدد القراء :  2688       عدد التعليقات : 0