الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
التطبيع في المادة ( 140 ) من الدستور العراقي

يفترض أن تكون نصوص الدستور العراقي واضحة و ملزمة وبدون استثناء ، باعتباره القانون الأسمى والأعلى في العراق كما نصت عليه المادة ( 13 أولا ) ، إلا أن العديد من نصوصه تعطلت ، وفي تعطلها أصبحت غير فاعلة، بالرغم من مضي مدة غير قصيرة على العمل بالدستور دون اي تعديل او تقويم ، بينما عد هذا الدستور نافذا بعد موافقة الشعب عليه بالأغلبية وضمن الاستفتاء العام ونشره بجريدة الوقائع العراقية مما يضفي عليه صفة القانون الأول والأسمى في العراق .

فلم تزل الفقرة ب من المادة ( 9 ) من الدستور معطلة مهما كانت الأسباب ، فالميليشيات العسكرية المسلحة خارج إطار القوات المسلحة ، ولم تزل تخزن الأسلحة الثقيلة وغير الاعتيادية لأوقات الشدة ، كما لم يتم العمل بنص مجلس الاتحاد الوارد ضمن المادة ( 65 ) بالرغم من تأجيل العمل بأحكام المواد الخاصة بالمجلس لحين صدور قرار من مجلس النواب بأغلبية الثلثين بعد دورته الانتخابية الأولى التي يعقدها بعد نفاذ هذا الدستور ، ومن يتمعن بالمدد المذكورة يجد أن غض النظر وعدم تفاعل القوى السياسية مع قيام مجلس الإتحاد يحملهم المسؤولية التاريخية دون عرض مبرر منطقي على الشعب .

كما أن مجلس الرئاسة المذكور في المادة ( 138 ) الذي أوجب إحلال تعبير ( مجلس الرئاسة ) بديلا عن تعبير رئاسة الجمهورية ، وإعادة العمل بالأحكام الخاصة برئاسة الجمهورية مع بقاء النص دون مبرر .

كما أن المادة ( 107 ) أوجبت إنشاء وتأسيس مجلس الخدمة العامة الاتحادي والذي لم ير النور حتى اليوم ، أما عن المادة ( 140 ) والتي بقيت تراوح في مكانها ، لم تنل العناية الجدية ، ولم تحظ بالتنفيذ والإنجاز بالرغم من تمديد الفترة التي نصت عليها ، وحيث أن المادة المذكورة أوردت الخطوات التي يستوجبها التنفيذ ، وهي ( التطبيع ، الإحصاء ، والاستفتاء ) مما يوجب تنفيذها تباعا لإنجاز المهمة التي حددتها المادة ( 140 ) من الدستور .

الإحصاء يعني التعداد العام للسكان ، والخاص بهذه المناطق موضوعة النص الدستوري ، أما الاستفتاء فيعني إجراء الانتخابات المباشرة لتحديد إرادة المواطنين فيها ممن شملهم الاستفتاء فيها بالبقاء على حالهم او في الارتباط بإقليم أو بإنشاء إقليم أن كان هناك أسباب قانونية ودستورية ، أما عملية التطبيع فقد بقيت عرضة للتفسير والتحليل .

وحقا أن المصطلح يثير التساؤل ويخلق إشكاليات عديدة ، ويحمل تفسيرات متباينة ، غير انه في كل الأحوال تعبير غير دقيق عما يريده المشرع في حينه ، من قصده إنجاز مرحلي لعملية حل الإشكالات التي تثيرها المناطق موضوعة المادة الدستورية .

ولعل ما ولده معنى كلمة التطبيع بين الفلسطينيين والإسرائيليين وبين المصريين وبين الإسرائيليين ، يزيد الأمر تعقيدا ، حيث أن الأمر لايمكن أن يكون مثلما يريده أبناء دولة اتحادية نظام الحكم فيها جمهوري برلماني فيدرالي كالعراق .

إن كلمة تطبيع كما وردت في معاجم اللغة ، أنها دعوة لتطبيع العلاقات مع العدو وجعلها اعتيادية ، كما وردت بمعنى الانقياد والمطاوعة ، وأنها أيضا بمعنى التسوية ، ففي تاج العروس ولسان العرب الطَّبْعُ والطَّبيعَةُ والطِّباعُ ككِتابٍ : الخَليقَةُ والسَّجِيَّةُ التي جُبِلَ عليها الإنسان ، وفي لسان العرب

لم يرد تعريف واضح وشافي لمصطلح التطبيع في نص المادة ( 140 ) من الدستور، كما لم يتعرض لهذا المصطلح فقهاء القانون الدستوري وأغلب الأكاديميين في العراق ، فإذا كان يفترض إلحاق أهل المناطق التي سميت متنازعا عليها أو المختلف على أدارتها ، أو التي يرغب سكانها بالالتحاق بإقليم معين أو البقاء مع الحكومة المركزية بالصيغة القانونية ، فلماذا التطبيع ؟؟

وماهو غير المألوف في حياة هؤلاء الناس حتى يصار إلى تأهيلهم أو تطبيعهم وتأهيلهم للالتحاق بجهة معينة ؟ وماهو الشيء غير الطبيعي حتى يمكن تقويمه أو إزالته لترتيب حياتهم ؟

فإذا كان التطبيع يعني أقامة علاقات طبيعية بين أهل تلك المناطق ، فأن الأمر محسوم وملموس في التعامل والتعايش الطبيعي دون أجراء حكومي ودون قرارت من جهات تنفيذية ، وإذا كان ألأمر إعادة العلاقة الإنسانية بينهم ، فأن تلك العلاقة لم تتمكن الحكومات العراقية السابقة ولا الحالية أن تغيرها أو تتمكن من أضعافها .

وإذا كان الدستور عقدا اجتماعيا بين أبناء الشعب العراقي ، فان وجود التطبيع يدلل على أن هناك شرخا بين الشعب ، والحقيقة أن الشرخ غير موجود بين العراقيين عربا أو كوردا او تركمانا أو كلدان أو آشوريين ، إنما موجود مع الحكومات العراقية السابقة .

أن المشكلة الأساسية التي لم تستطع الحكومات المتعاقبة أن تعمل على حلها ، هي مشكلة تغيير الواقع الديموغرافي الذي حصل ، مشكلة انتقال أعداد كبيرة من أبناء الوسط والجنوب إلى مناطق كركوك ، لشتى الأسباب ، وتمليكهم الأراضي الزراعية أو السكنية ، وتهجير الملاكين والفلاحين الكورد من المنطقة ، وعمدت السلطة الدكتاتورية على توفير كل مستلزمات التغيير إمعانا في عملية الخلط والهيمنة الشوفينية التي يعتمدها الحزب البائد .

كما عمدت السلطة البائدة على استعمال أسلوب تغيير القومية تمهيدا لتوفير مناخ التغيير الديموغرافي ، ولذلك قام بتغيير حدود النواحي والأقضية ، واستعمل أسلوب خلط الأوراق في عملية الارتباط الإداري، وهنا ندرك جيدا أن التطبيع بين الناس قائم وواضح ، ولا توجد مشكلة في ارتباط هؤلاء إداريا أو إقليميا حسب إرادتهم واختيارهم ، ولعل معضلة الإحصاء ودقتها تعتمد بشكل جاد على القضاء على الإرهاب وتنظيف العراق من وجوده وتطهير المدن من بقاياه ، وحده من يحل المشاكل القائمة في مدن يتحمل أهلها كثيرا جراء عدم تسوية مناطقهم ، وخصوصا بعدما أفرزته الأحداث الأخيرة في تسلل الإرهاب ومجموعات الأجرام إلى مدن عراقية كبيرة واحتلالها أقضية ونواحي عديدة وترويع أهلها .

ولعلنا نجد أن بقاء هذه المادة دون تنفيذ ودون تمديد فترة زمنية أخرى لحلها وتنفيذها يتطلب أيضا تعديلا للدستور ، وهذه المهمة منوطة باللجنة الخاصة في مجلس النواب والتي عليها أن تقدم التوصيات اللازمة للتعديلات الضرورية التي يمكن اجراؤها على الدستور ، وعرض تلك المقترحات على المجلس للتصويت ، حيث تعد مقره بموافقة الأغلبية المطلقة لعدد أعضاء المجلس ، على أن تطرح المواد المعدلة على الشعب للاستفتاء عليها .

  كتب بتأريخ :  الثلاثاء 21-04-2015     عدد القراء :  4119       عدد التعليقات : 0