الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
أيام لا تُنسى: نفق نگرة السلمان

نفق نگرة السلمان: (1)

   وصلنا سجن نگرة السلمان , في أواخر حزيران 1966 , بعد ان امضينا أربعة ايامٍ في موقف السراي , وبتّنا ليلة في مركز شرطة السماوة , في طريقنا الى سجن نگرة السلمان . وفي السجن وجدت المناضلين الباسلين , سامي احمد وعبد الوهاب طاهر , قد سبقاني الى هناك , فقد عادا محتجزين الى السجن خلال فترة وجودي في زنزانة الأنفرادي في الأمن العامة . بعد يومين أو ثلاثة بُلغتُ بظمّي الى لجنة تنظيم السجن , كما أناطوا بي مسؤولية استلام الأرزاق من متعهد السجن , يساعدني في هذه المهمة عدد من الزملاء القصابين والخبازين وخفراء المطبخ , وكانت هذه العملية تستغرق اكثر من ثلاث ساعات يومياً , فأرزاق قرابة 450 سجيناً , كمية كبيرة وتحتاج لتدقيق وتفتيش الكمية والنوعية , إلا ان زملاءنا في السجن قد رتبوها بشكل جيد وبالأتفاق مع ادارة السجن , وتجري تصفية حساباتها شهرياً . وكنت حين اعود الى الردهة ( رقم 4 ) التي كنت احد نزلائها , اجد ان صحن شوربة العدس ورغيف الخبز , وهو الفطور اليومي الدائم للسجناء , قد بَرَدَ وصار كتلة واحدة , أتناوله مع قدح من الشاي . بيد ان " زملاء الأرزاق " , قالوا لي بعد بضعة أيام " يا زميل فلان , ان عملنا في استلام الأرزاق وتهيئتها للطبخ , يضطرنا ان نتناول فطورنا هنا , لأن العدس بعد ان يبرد لا يمكن تناوله , ولهذا فإننا نجمع شهرياً نصف دينار من كلٍ منا , ونعطيها للمتعهد , فيجلب لنا بعض المعلبات , كالجبنة والقشطة وبعض المربيات , لفطورنا , فهل تشترك معنا ؟ وبلا تردد وافقت واعطيتهم نصف دينار " .

   بعد ثلاثة او اربعة ايام , لاحظت ان بعض السجناء الذين يمرون ويلاحظون اننا نتناول فطوراً مختلفاً , ينظرون الي باستغراب وتساؤل , عندها قررت ان اعود الى الفطور العام , وأبلغت الزملاء , بأنني لن أكون شريكاً لهم بعد اليوم .

   كنت قد حدثت الزميلين سامي وعبد الوهاب , عن الوضع في الخارج وتوجهات الحزب وقرارات الأجتماع الموسع . بعد قرابة اسبوعين على وصولي الى السجن , ايقظني المرحوم سامي احمد فجر احد الأيام , ليبلغني , أن اذاعة بغداد تذيع بياناً انقلابياً , وأنصتنا للبيان , ثم أبلغته , ان هذه ليست لهجتنا ولا لغتنا , انها عملية انقلابية لجهة أخرى . بعد ساعات استمعنا من الأذاعات , أن محاولة انقلابية حصلت انطلاقاً من معسكر " ابو غريب " وان الذي كان يتلو بيان الأنقلاب هو العقيد هادي خماس وهو من القوى القومية , كما اعلن فشل هذه المحاولة .... وتتابعت الأيام , وبدأنا نسمع عن تحركات بعثية لجماعة احمد حسن البكر – صدام حسين , وان تظاهرة لهم انطلقت من الجعيفر يقودها البكر شخصياً .

   وفي أول بريد حزبي وصل الى السجن , بعد وصولي , كانت هناك تحية وتثمين لموقفي في التحقيق , من المكتب السياسي للحزب , وكان ذلك أرفع وسام اعتز به حتى آخر يوم من حياتي .

   وثيقتا التقويم ( التقييم )

   لقد سبق حصول الأنقسام التنظيمي , في ايلول 1967 , اختلاف وجهات النظر بشأن سياسة الحزب قبل انقلاب 8 شباط 1963 , وما تبعها من سياسة يمينية بعد سقوط البعث الفاشي وحرسه القومي المجرم , وقد تبلور ذلك بوضوح تام في اجتماع وتقرير آب 1964 , للجنة المركزية , الذي كان موضع ادانة ورفض من كوادر وقواعد الحزب وجماهير الشعب الملتفة حوله , مما سبّب انقساماً فكرياً واضحاً في كافة منظمات الحزب , بما فيها قيادة الحزب , حيث برز هذا الأنقسام واضحاً في الأجتماع الموسع للجنة المركزية في تشرين الأول 1965 , والذي تحدثت عنه بالتفصيل في حلقة سابقة من ( أيام لا تنسى ) .

   لقد اتخذت قيادة الحزب قراراً بإجراء دراسة وتقويم لسياسة الحزب السابقة , وقد وُضِعَ تقويمان بهذا الشأن , الأول يدافع عن النهج السابق , بما فيه نهج خط آب 1964 اليميني , والثاني يدين تلك السياسة ويحمّل قيادة الحزب مسؤولية ما حصل للبلد والحزب على وجه الخصوص من خسائر كبيرة ....

   كما قررت القيادة طرح التقويمين للمناقشة ضمن مستويات تنظيمية معينة . وقد وصل التقويمان الى السجن , وبدأت دراستهما داخل السجن , مما عمّق الأنقسام الفكري بين المناضلين . والحقيقة , كان التأييد شبه إجماعي للتقويم الثاني .

   ان طرح التقويمين للمناقشة , في اجواء الحياة الحزبية غير الطبيعية التي كانت سائدة , وفي ضوء جرائم انقلاب شباط , التي لم تجف دماؤها بعد , قد عمّق الفجوة بين غالبية اللجنة المركزية التي كانت تتبنى التقويم الأول وبين كوادر وقواعد الحزب التي تبنت التقويم الثاني , وهيأ الأرضية المناسبة للعمل الأنقسامي الذي قادته لجنة منطقة بغداد للحزب .

   لقد كانت عملية الأنقسام تتنافى وقواعد الأنضباط الحزبي , وقد رافقها سلوك انقلابي لم نعتد عليه في الحياة الحزبية , كاحتجاز بعض الرفاق من اعضاء ل . م . وتعرض احدهم للضرب كما قيل في حينها , بيد ان الحماس للتغيير , وتراكم الأخطاء التي ارتكبها عدد من هؤلاء , وبقاؤهم في مراكز المسؤولية رغم ذلك , والتفافهم على قرارات الأجتماع الموسع , جعلنا نفاضل بين الأفكار التي نؤمن بها والتي نعتقد انها من صميم فكر الحزب ومبادئه , وبين الأنضباط التنظيمي الذي يفرض علينا , رفض وادانة الأنقسام ...

   وبعد اجتماعات ومداولات ومناقشات واسعة , قررت لجنة تنظيم السجن , تأجيل اتخاذ قرار بهذا الشأن , وبعثت برسالة الى المكتب السياسي للحزب , تطلب فيها طرد العناصر اليمينية من ل . م . وادانتها , وتفعيل قرارات اجتماع تشرين الموسع , وتبني وجهات نظر قيادة منطقة بغداد ,لإعادة وحدة الحزب , وقد حددت لجنة التنظيم فترة شهر واحد انتظاراً لرد المكتب السياسي , وبالتأكيد , فإن اسلوباً كهذا لم يكن مقبولاً وفق قواعد العمل التنظيمي . ومما اعتبر مخالفة تنظيمية أخرى , هو ارسال نسخة من الرسالة الى المناضل عزيز الحاج ( رمزي ) الذي كان على رأس عملية الأنقسام ...

   وقبل ان تنتهي فترة الشهر , علمنا ان المكتب السياسي , رفض موقفنا وادانه , وهذا كان متوقعاً , وهكذا , قررت لجنة تنظيم السجن , تأييد العملية الأنقسامية , والأنحياز للقيادة المركزية . وقد اعلن نزلاء السجن ال 450 تأييدهم للقرار وابتهاجهم به , باستثناء :

   1- المناضل كاظم فرهود, الذي كان فكرياً وسياسياً ضد العناصر والسياسة اليمينية ورموزها , إلا انه يرفض الأنشقاق التنظيمي , وهكذا ترك لجنة تنظيم السجن وكان مسؤولها , ووقف محايداً , فلم يهاجم الأنقسام أو ينحاز له , ولم يدافع عن ل . م . او سياستها .

   2- مجموعة من مناضلي الفرات الأوسط , وعددهم سبعة أو ثمانية مناضلين , اعتقلوا إثر الضربة الموجعة لمنظمة الفرات الأوسط التي سببها انهيار المدعو حمد الله مرتضى , عضو لجنة منطقة الفرات الأوسط , والذي تسبب في اعتقالي والمناضل أ . أ . عضو ل . م . كما ذكرت ذلك في الحلقة السابقة .

   3- أما المرحوم المناضل عبد الوهاب طاهر , والذي كان مسؤولاً للسجن ولجنة التنظيم , طوال فترة سجنه واحتجازه التي زادت عن سبع سنوات, فقد أيد العملية , إلا انه لم يكن متحمساً كالآخرين , وما ان أُطلقَ سراحه , بعد 17 تموز 1968 , حتى أعلن انحيازه الى ل . م . , تاركاً صفوف القيادة المركزية .

نفق نگرة السلمان: (2)

   كما هي العادة , عند حصول الأنقسامات في الأحزاب السرية , فإن الرابح الأول , هو النظام وأجهزته الأمنية , حيث تكون اسرار التنظيم مكشوفة في الشارع , وحركات الكادر الأنفعالية وغير المدروسة مكشوفة هي الأخرى , مما يجعل اجهزة الأمن تتصيدهم الواحد تلو الآخر . وهكذا بدأت الأنباء تتوارد عن اعتقال عناصر قيادية في تنظيم ق . م . , ووصل الى سجن السلمان , المناضل كاظم الصفار والمناضل الشهيد احمد الحلاق , والمرحوم بيتر يوسف , اعضاء القيادة المركزية , وعدد من الكوادر في المستويات الأدنى , بحيث اصبح في سجن نگَرة السلمان وحده , اكثر من ثلاثين معتقلاً , من مستوى لجنة محلية ومنطقية ومركزية , ناهيكم عن نزلاء السجون الأخرى , حيث كان المناضل آرا خاجادور , عضو اللجنة المركزية في سجن الرمادي , والمناضلون , حسين سلطان وصاحب الحميري وحسين ياسين ومظفر النواب وحافظ رسن وآخرون , في سجن الحلة .

   كان من بين المآخذ الكبيرة على ل . م . قبل الأنقسام , هو رفضها عقد مؤتمرات , أو كونفرنسات حزبية , بحجة العمل السري والمصاعب والمخاطر التي تواجه ممارسة مثل هذه الفعاليات الموسعة , وهذا يعني في التطبيق العملي , تقرير سياسة الحزب على وفق اجتهادات القيادة الموجودة , والتي كانت غالباً ما ترسم وتقرر تلك السياسة في اجتماعات محدودة , وبعضها كان يعقد خارج العراق , كما يعني ان تقديم الكادر الحزبي الى المراكز القيادية , يجري وفق تقويم واجتهاد وارتياح القيادة المتنفذة .... وكانت اية ملاحظة نقدية لسياسة الأتحاد السوفييتي والحزب الشيوعي السوفييتي , وتأثيرهما السلبي على السياسة الداخلية للحزب تعتبر من كبائر الأخطاء التي يحاسب عليها اصحابها  ... وعليه فما ان حصل الأنقسام , وانحياز منظمة السجن للقيادة المركزية , حتى بدأ التفكير بعقد مؤتمر حزبي في السجن , خصوصاً وأن عدد الكادر المتقدم كان كبيراً نسبياً كما أسلفت , وان علاقتنا بالأدارة هادئة ...

   وانعقد المؤتمر على مدى يومين كاملين , ناقش الوضع السياسي , في ضوء المعلومات المتوفرة لدينا , وأعلن تأييده المطلق لسياسة ق . م . والحركة المسلحة في الأهوار - منطقة الجبايش - التي قادها المناضل الشهيد خالد احمد زكي . كما ناقش المؤتمر الوضع داخل السجن والعلاقة بالإدارة , وفي نهاية المؤتمر تم انتخاب لجنة تنظيم السجن , وهي المرة الأولى في تاريخ السجون السياسية في العراق , حيث ان الأضطهاد كان يمنع ذلك , كما ان النهج العام في الحزب , في ذلك الوقت لا ينسجم مع مثل هذه الممارسة الديمقراطية .... كنت من بين من حازوا على ثقة المؤتمر , فأنتخبتُ لعضوية لجنة التنظيم , في حين فشل المناضل المرحوم عبد الوهاب طاهر في ذلك , وكانت مفاجأة , إذ ان عبد الوهاب كان مسؤول السجن لمدة تزيد على السبع سنوات , وكانت البيروقراطية التي تشوب علاقاته مع السجناء , وضعف مستواه الثقافي بوجه عام , سبباً في ذلك . وأذكر اني تصرفت تصرفاً عاطفياً مرفوضاً , بعد اعلان النتائج مباشرةً , حيث دفعت بورقة الى مسؤول الأجتماع , كاظم الصفار , أعلن فيها تنازلي عن عضوية لجنة التنظيم لصالح عبد الوهاب , إلا ان الأجتماع قابل اقتراحي هذا بالرفض والنقد الشديد , وأذكر ان احد المناضلين , هو المرحوم تركي هاشم , تناولني بنقدٍ قاسٍ وشديد , ولكنه مبدأي وصحيح , حيث قال " يا رفيق فلان , هل اعطيناك اصواتنا لتتبرع بها ؟ وأضاف , ان الرفيق عبد الوهاب موجود بيننا , ومرشح لعضوية لجنة التنظيم , ولو كان الأجتماع يريد انتخابه , لأنتخبه " ... تراجعت خجلاً من موقفي العاطفي . والسيد تركي , كما كنا نسميه , لأنه من عائلة دينية , كان معلماً شاباً , ابيض البشرة , ضعيف البنية , في منتصف العشرينات من عمره , يشكو من مرضٍ دائم في المعدة , مما انعكس على مزاجه , فاضحى حاداً بعض الشيئ , وكان حازماً في ما يعتقده مبدئياً , لا يجامل أحداً على ما يعتقده صحيحاً , كما كان بطلاً في التحقيق عند اعتقاله , ولهذا أُرسلَ الى سجن نگرة السلمان قبل اصدار الحكم عليه . امتهن التعليم وكان يجاهر بآرائه وافكاره  , مما تسبب في اعتقاله , وقد اختارته لجنة التنظيم في سجن الرمادي , بعد انتقالنا اليه , ممثلاً للسجناء أمام ادارة السجن , لصلابته واخلاصه ووضوحه .... وبعد اطلاق سراحنا بعد انقلاب 17 تموز 1968 , , عاد الى الفرات الأوسط , وتعرض لمضايقات شديدة من جانب السلطة البعثية الجديدة , التي حاولت خداع الشعب في ايامها الأولى بتغيير النهج البعثي الفاشي , فاشتد عليه مرض المعدة , مما تسبب بوفاته , له المجد والخلود .

نفق نگرة السلمان: (3)

   بعد الأنقسام في ايلول 1967 , كان كلا شقي الحزب , يعاني من مصاعب جمة . فقد انحازت غالبية القاعدة الحزبية وجماهيرها والكوادر الوسطية الى ق . م. , إلا انها كانت تعاني نقصاً كبيراً في الكوادر المتقدمة والقيادية , خصوصاً بعد وقوع عدد من الكوادر القيادية بأيدي اجهزة الأمن نتيجة التحركات غير المدروسة وانكشاف الكثير من الأسرار والبيوت الحزبية . فقد اعتُقل في الأشهر الأولى للإنقسام ثلاثة من اعضاء ق . م . هم كاظم الصفار والشهيد احمد الحلاق و بيتر يوسف , اضافة الى عدد من الكوادر الأدنى . أما اللجنة المركزية , فقد اصبحت قيادة دون قواعد , وهذا ما اضعف موقفها على جميع الأصعدة .... أما السجون السياسية وخصوصاً سجني نگرة السلمان والحلة , فقد كانت تضم اعداداً كبيرة من الكوادر المتقدمة , التي انحازت الى ق . م . , ولهذا كان الهدف الأساس للجنة تنظيم السجن هو كيفية مساعدة القيادة على تخطي هذه العقبة , وهذا يعني عملياً , التفكير بتحرير عدد من الكوادر المتقدمة الموجودة في سجن السلمان , وهي مهمة في غاية الصعوبة , فالسجن يقع في منخفض عميق , ولهذا سميَ ( نكَرة السلمان ) في اقصى جنوب البادية الجنوبية , تحيطه صحراء قاحلة من جميع الجهات , حيث تفصله عن مدينة السماوة , محافظة المثنى حالياً , قرابة 100 كم , وهي اقرب مدينة له , ولا يوجد طريق واضح بين السماوة وقضاء السلمان , ولهذا فسائقو السيارات , سواءً كانوا من شرطة البادية الذين ينقلون السجناء ذهاباً واياباً , أو من سكان القضاء , هم من اهل المنطقة ويعرفونها عن ظهر قلب كما يقال . هذا من الجانب الشرقي للقضاء , أما الجانب الغربي وهو صحراوي ايضاً , هناك ما يسمى بحر النجف , وهو منخفض صحراوي آخر , قيل انه كان بحراً في العصور الغابرة , ويمتد مئات الكيلومترات وصولاً الى مدينة النجف في الفرات الأوسط .

   أما جنوب السلمان فهو امتداد البادية الجنوبية , حيث مئات الكيلومترات الى الحدود السعودية . ... من هنا فإن التفكير بالهروب من سجن السلمان هو ضرب من الخيال , ولم تجرِ, قبل ذلك , إلا محاولتان في هذا المجال , الأولى في خمسينات القرن الماضي , حيث تمكن المناضل الشهيد محمد حسين ابو العيس , من الهرب بمساعدة بعض البدو في الصحراء , وكان مبعداً في قضاء السلمان , وليس سجيناً داخل السجن , وقد نجحت المحاولة . أما الثانية وهي التي قام بها الملازم الأول الطيار الشهيد صلاح احمد , بعد انقلاب شباط الدموي 1963 , وقد فشلت هذه المحاولة , حيث عُثر على جثة الشهيد صلاح بعد ايام وقد مزقتها الذئاب , وكان الشهيد يعاني من مرض كلوي , فكان من الصعوبة عليه أن يجتاز الصحراء بمفرده في هذه الحالة .

   في ضوء كل هذه المصاعب , بدأت لجنة التنظيم , التفكير بتحرير عدد من العناصر القيادية الموجودة في السجن , وشكلت لجنة خاصة مصغرة , كنت احد اعضائها , لوضع دراسة وتصوَر كامل للعملية , واختيار عدد من المناضلين ممن يتمتعون بصحة جيدة وباخلاص عالٍ لمثل هذه المهمة .

   وسجن السلمان يتكون من قسمين , الأول هو السجن القديم , وكنا نسميه القلعة , وهو ذو قاعات صغيرة نسبياً , وينفصل عن السجن الجديد , لكنه ملاصق لجداره , وبين القسمين باب حديدية كبيرة نتحكم نحن بفتحها وإغلاقها . ومن خلال القلعة يجري الأتصال بادارة السجن واستقبال النزلاء الجدد .أما القسم الثاني , اي السجن الجديد , فهو بناء واسع يتكون من عشر قاعات كبيرة تتسع الواحدة منها لأكثر من مائة نزيل , وقد حُشر فيها خلال حكم البعث 1963 أكثر من مئتين وخمسين سجيناً للقاعة الواحدة , وتتوسط هذه القاعات ساحة كبيرة تقترب من ساحة لكرة القدم , وفعلاً كنا نستخدمها لهذا الغرض , ويحيطها سور عالِ يبلغ ارتفاعه قرابة 6-7 أمتار , وبنيت ضمن السور ربايا الحراسة التي تحيط يالسجن . وكانت هناك مساحات واسعة بين القاعات والسور , وفي هذه المساحات بنى السجناء الكثير من الغرف الصغيرة للخدمات , كالطبابة وورشة للنجارة واخرى للحدادة وأماكن الطبخ وحمامات وغرف خدمات الأخبار , حيث كنا نصدر يومياً نشرة اخبار من خلال الأنصات للأذاعات الأجنبية , وكان الصديق المناضل جاسم المطير مسؤولاً عن مجموعة الأخبار والنشرة الأخبارية اليومية . كما كنا نستخدم بعض هذه الغرف لإجتماعات لجنة التنظيم . وهناك مساحات لكرة الطائرة والسلة والمنضدة والعاب القوى , وكانت ممارسة هذه الهوايات تتوقف على نوع العلاقة بإدارة السجن , سلباً او ايجاباً .

   ولهذا السجن الجديد بابان , الأولى تفتح على السجن القديم , القلعة , ومنها الى الأدارة كما أسلفت , والأخرى في الجانب المقابل من السور , تتحكم بها الأدارة لأنها تفضي الى خارج السجن , وكنا نستخدمها لإستلام الأرزاق اليومية , وكنت مسؤولاً عن هذه المهمة حتى انتقالنا من السجن الى سجن الرمادي بعد انقلاب 17 تموز 1968 .

   عند وصولي الى السجن في أواخر حزيران 1966 , كان نزلاء السجن القديم ( القلعة ) من السجناء العاديين , حيث كانت الدولة ترسل السجناء الشرسين وعتاة المجرمين , الى سجن السلمان , تخلصاً من مشاكلهم , ولهذا كانت الباب الفاصلة بين القلعة والسجن الجديد , حيث كنا نعيش مغلقة من جانبنا , رغم اننا كنا نقيم أفضل العلاقات معهم , ونقدم لهم كل مساعدة ممكنة , كالعلاج في الطبابة أو الأحتياجات الأخرى , وكانوا يكنون لنا احتراماً وتقديراً كبيرين . وأذكر ان احتكاكاً واسعاً حصل بينهم وبين الأدارة وحراسها , وبدأ حرس السجن بإطلاق النار في الهواء , مما اضطر لجنة التنظيم للتدخل , فدخل عدد من اعضاء اللجنة وكنت بينهم الى القلعة للتفاوض مع الأدارة , وفعلاً أوقفت قوات الشرطة اطلاق النار حين شاهدونا ندخل القلعة . وبعد تهدئة الأمور , دخلنا بمفاوضات شاقة مع الأدارة , نجحنا في نهايتها بنقل كل السجناء العاديين من سجن السلمان , وكان هذا مطلبهم , وعندها فتحنا الباب بين قسمي السجن بصورة دائمة , حيث انتقل المناضل المرحوم العميد سليم الفخري ومجموعته الى القلعة .

   كان السجن محاطاً بسورِ عالِ كما اسلفت , وخلف السور , كان هناك شارع بعرض عشرة امتار تقريباً , تمر منه سيارات الشرطة لتوزيع الحراسات , وكذلك السيارة الحوضية التي تزودنا بالماء , وكان ذلك يتم من خلال فتحات صغيرة في السور يدخل منها انبوب الماء " الهوز " , وقد كلف عدد من السجناء بمهمة ملئ الخزانات الخاصة بالماء والتي تبعد اكثر من سبعة امتار عن السور .

   وخلف الشارع المحيط بالسور , كان هناك سياج من الأسلاك الشائكة على شكل هرمي يرتفع قرابة 4-5 امتار .

   حين بدأنا برسم خطة العمل , كانت أمامنا الحقائق التالية :

   1- الأبعاد التي تحدثت عنها اعلاه , ويجب ان يكون العمل من نقطة محددة داخل السجن , الى ما خلف سياج الأسلاك الشائكة .

   2- طبيعة الأرض , حيث ان ارض السلمان كلسية صلبة .

   3- توفير الأدوات التي نحتاج اليها , وبعضها غير متوفر لدينا .

   4- العمق الذي ينبغي ان ننزل داخل الأرض , آخذين بنظر الأعتبار , ثقل السيارات التي تمر في الشارع , وخصوصاً السيارات الحوضية .

   5- كيفية التخلص من الأتربة التي يخلفها العمل .

   6- كيفية الأتصال بالتنظيم في الخارج لتوفير المساعدة .

   7- العمل على ان لا يكشف نقص العدد بعد تنفيذ العملية , إلا بعد ثلاثة أو اربعة أيام , اي ان تعالج مسألة التعداد اليومي في السجن .

   8- السرية داخل السجن , حيث ان هناك عناصر ضعيفة , وهناك عناصر ما زالت تحضر المحاكم في بغداد , وهي عرضة للأغراء والضغط .

   9- اختيار العناصر التي ينبغي تحريرها , وتبليغها للتدريب على المشي .

   10- اختيار العناصر المؤهلة للمشاركة في هذه العملية الكبيرة ...

   وقد اخذنا في الأعتبار الآثار المعنوية والسياسية الكبيرة لنجاح مثل هذه العملية , بالأضافة الى آثارها التنظيمية .

نفق نگرة السلمان: (4)

   شُكلت لجنة صغيرة , برئاسة المناضل المرحوم كاظم الصفار مسؤول لجنة التنظيم وعضويتي للتنفيذ , واخترنا عدداً من العناصر الشابة المعروفة (طبعاً كنا شباباً كلنا , لأن هذا الحديث قبل اكثر من 45 عاماً) بصلابتها وانضباطها , أذكر منهم , المناضل الكسان البير , وهو مهندس ارمني من سكنة كركوك , في اواسط العشرينات من العمر , وتحسين علي وهو مناضل تركماني من كركوك ايضاً وصلاح محمد علي وآخرين لا تحضرني اسماؤهم , وتقرر ان يكون العمل على مدار 24 ساعة يومياً , بمجموعات من ثلاثة عناصر لكل مجموعة , ولمدة ست ساعات لكل منها , واخترنا احدى الغرف الكبيرة لتكون موقع استراحتنا , واعفينا جميع المشاركين من مسؤولياتهم اليومية في ردهاتهم ....

   بعد دراسة دقيقة , وقع اختيارنا على احدى الغرف الصغيرة لتكون موقع بدء العمل , وبالمناسبة فإن جميع هذه الغرف التي اتحدث عنها , بناها السجناء للإستفادة منها , كما أسلفت , وكانت تلك الغرفة الصغيرة التي وقع الأختيار عليها , تبعد مسافة اربعة عشر متراً عن سور السجن , وهكذا يكون طول النفق الذي فكرنا به , يزيد على الخمسين متراً , حيث , هناك 14 متراً في الداخل , يضاف اليها عرض سور السجن , وعرض الشارع البالغ حوالي عشرة امتار , واكثر من خمسة امتار قاعدة الأسلاك الشائكة خلف الشارع , اضافة الى ما لا يقل عن خمسة – عشرة امتار خلف الأسلاك الشائكة .

   كانت تلك المعلومات محصورة تماماً بلجنة التنظيم ومجموعة التنفيذ , وهذه الأخيرة , باستثناء كاظم الصفار وكاتب هذه السطور , لا تعلم إلا ما تُكلف به تماماً .

   في أواخر عام 1967 , وفي احد ايام السلمان الباردة , بدأنا العمل من غرفة البداية , حيث دخلنا صباحاً , كاظم الصفار وأنا ومجموعة العمل الأولى , ورسمنا دائرة بقطر متر أو تزيد قليلاً , في وسط الغرفة الطينية التي لا تزيد ابعادها عن 2,5X 2,5 متراً، وكان يتحتم علينا ان ننزل بعمق مترين أو اكثر .

   انتهى حفر البئر مع المساء , حيث واجهنا مشكلة صلابة الأرض , كمعضلة اساسية , والتخلص من الأتربة والأنقاض كمشكلة ثانية.

   تركنا العمل في الليلة الأولى الى صباح اليوم الثاني , لأننا كنا بحاجة الى سلم خشبي صغير وقوي , للنزول في البئر والصعود منه , وبحاجة الى إنارة مناسبة , خصوصاً اذا بدأنا الحفر افقياً , اي تحت الأرض , إضافة الى عدد من الأكياس لحمل الأتربة الى خارج الغرفة , يضاف الى ذلك بعض ادوات الحفر المناسبة . استعنا بورشة الحدادة , التي كان مسؤولها المناضل عبد الخالق طاهر شقيق المرحوم عبد الوهاب طاهر , وكان مناضلاً رائعاً , خفيف الدم , سريع البديهة , لاذع التعليق والنكتة .

   وقد اعاننا بعمله وافكاره , فعمل لنا سلماً من الحديد بدلاً من الخشب , لأنه أقوى من جهة , ولكي لا تتسع دائرة المطلعين من خارج المجموعة من جهة أخرى . وكان لديه مثقب كهربائي " دريل " , إلا ان المثاقب " البراين " التي لديه كانت صغيرة , لا تصلح لعملنا , فعمل لنا مثاقب "حديدية " من بعض قطع " شيش البناء المتوفرة لديه , وهي طويلة وقوية , كما جهزنا بسيار كهربائي .

   في صباح اليوم الثاني , بدأنا بالحفر الأفقي , وتزايدت الأتربة , وانتظرنا الى المساء لنبدأ بإخراجها الى ساحة الطفر العريض , الموجودة بالقرب من غرفة العمل , حيث كان ذلك في حساباتنا . كانت ايام العمل الأولى سهلة وجيدة النتائج . كان يجب ان نتخلص من الأتربة التي تجمعت في ساحة الطفر العريض , قبل ان تلفت نظر حراس السجن أو الأدارة , وتوصلنا سريعاً لحل عملي , حيث تقرر ان نبني مقاعد حجرية " مسطبات " تحيط بساحة كرة القدم لجلوس المتفرجين اثناء المباريات التي نجريها في اوقات متقاربة .

   فاخترنا مجموعتين من السجناء , كل مجموعة من اربعة افراد , الأولى تقوم بعمل الطابوق الطيني " اللبن " , حيث لدينا قوالب خشبية من الأعمال السابقة , وكان هذا العمل لا يلفت نظر الأدارة أو الحراس أو حتى بقية السجناء , لأنهم اعتادوا على مثل هذا العمل من جانب السجناء . أما المجموعة الثانية فهم البناءون , فبعد يومين او ثلاثة بدأ بناء المقاعد , الذي لاقى استحسان الجميع . وهكذا كنا نملأ ساحة الطفر العريض ليلاً , ويفرغها البناءون نهاراً .

   بعد عشرة ايام من بدء العمل بدأت الصعوبات تعترض طريقنا , فقد قطعنا خلالها قرابة سبعة امتار , وبدأنا نعاني من صعوبة التنفس , اذ لا يمكننا عمل فتحة اخرى , لكي يجري تيار الهواء بين فتحتين , مما تسبب بتقصير فترة البقاء في الداخل , وبدأت بعض الصخور تعترض طريقنا , وكنا نواجه صعوبة في تخطيها , خصوصاً الكبيرة منها , واخيراً اعترضت طريقنا منطقة صخرية اكبر من فتحة النفق , ولا ندري مدى امتدادها طولاً , مما اضطرنا لأيقاف العمل موقتاً ريثما نجد حلاً لذلك .

   كان الحل هو الحصول على آلة صغيرة اشبه بالفأس برأسين احدهما عريض والآخر مدبب , تسمى " نقار الصخر " وهي اداة يستخدمها الأكراد لتكسير الصخور في كردستان , وهي ليست معروفة لأبناء الوسط والجنوب . وكان علينا ان نطلبها من الشمال , من خلال السجناء الذين يذهبون الى بغداد للمحاكم , فيلتقون هناك بزملائهم القادمين من الشمال لنفس الغرض , وكان هذا يستغرق وقتاً طويلاً , وهذا يعني توقف العمل .

   في هذه الفترة اعتُقل المناضل الشهيد احمد محمود الحلاق عضو ق . م . ووصل الى سجن السلمان , بعده بأيام اعتقل المرحوم بيتر يوسف ووصل الى السلمان ايضاً . ومعروف ان المرحوم بيتر يوسف ضخم الجثة , مما اضطرنا لتوسيع النفق وفتحة البئر على قياسه , وقد استثمرنا فترة التوقف لهذا الغرض , واذكر انه علق على العمل بعد توسيعه والكهرباء التي نستعملها , قائلاً , هذا مترو وليس نفق للهروب .

   كما بدأنا بتنفيذ فكرة رفض التعداد اليومي للسجناء , وكان ممثلنا أمام الأدارة , المناضل الباسل صبحي عبد الله , رائعاً في التعامل مع الموضوع , فافتعل موضوعاً بسيطاً ورفض فتح الباب في صباح احد الأيام , لإجراء التعداد اليومي المعتاد , ورفضنا دخول الحراس لمدة يومين , لجأت الأدارة لتشديد الحراسة من الخارج , بعدها هدأنا الأجواء وفتحنا الأبواب , دخل الحراس ليجدوا ان عدد السجناء كاملاً . ورحنا نكرر هذه العملية بين فترة واخرى , وفي كل مرة نزيد عدد ايام الأمتناع عن التعداد اليومي , حتى وصل في آخر مرة امتنعنا فيها عن التعداد سبعة عشر يوماً , دخل بعدها الحراس ليجدوا ان العدد كامل , مما جعلهم مطمئنين تماماً أن مثل هذه الممارسة لا علاقة لها بأية محاولة للهروب .

نفق نگرة السلمان: (5)

   وصلنا " نقار الصخر " , واستؤنف العمل من جديد , وقد ساعد توسيع النفق , كما أشرت في الحلقة السابقة , في تحسين ظروف التهوية , كما ان مجموعة العمل أخذت قسطاً من الراحة , وساعدنا " نقار الصخر " بكسر العارض الصخري بصعوبة بالغة , وكان امتداده يبلغ متراً تقريباً , بعدها كانت هناك منطقة أقل صلابةً , وكنا حين نعثر على بعض الرمل خلال العمل نفرح كمن يعثر على الذهب . بعد جهد جهيد ومتواصل , بدأنا نقترب من سور السجن , وبدأ العمل يزداد صعوبة , حيث يجب ان نكون أكثر حذراً , لكي لا يسمع صوت الحفر خلف السور , كما ان اخراج الأتربة كان يزداد صعوبةً مع ازدياد طول النفق , حيث يجب ان يخرج من نقطة البداية , وهي الفتحة الوحيدة للعمل .

   تواصل العمل , مع ازدياد الصعوبات التي كانت تواجهنا , إلا ان توسيع النفق عمقاً وعرضاً حسّن ظروف التهوية , كما أسلفت , بيد ان الأعياء والتعب بدءا يظهران على الشباب , ولم يكن بالأمكان تبديل المجموعة بأخرى , لكي لا تتسع دائرة العارفين بالموضوع , إلا ان الحماس والمعنويات كانت عالية جداً , كما قلصنا فترة البقاء في الداخل لتقليل الجهد والتعب .... واجتزنا سور السجن , حيث كان عملنا أعمق من أساس الجدار , وهنا بدأ عملنا بحذر أشد , إذ ان سيارات حرس السجن ودورياتهم والسيارة الحوضية , كانت تمر فوق رؤوسنا .

   في هذه المرحلة شخصت لجنة التنظيم اسماء المجموعة التي ينبغي تحريرها في عملية الهروب , وكانت من عشرة مناضلين , هم :

   1- كاظم فرهود 2- سليم الفخري 3- كاظم الصفار 4 - احمد الحلاق 5 - بيتر يوسف 6 - عبد الوهاب طاهر 7 - سامي احمد 8 - سليم حميد ميرزا 9 - ميخائيل حداد 10 - همام عبد الغني .

   وتبلغت تلك العناصر بالأمر , لكي تجري عمليات التدريب على المشي , لضمان اللياقة البدنية . وكانت الخفارات الليلية ستارنا لهذا التدريب يومياً . بيد ان هذه المسألة الضرورية , ساعدت على انتشار خبر العملية بشكل واسع ... وحيث ان العمل اصبح خارج سور السجن , كان علينا ان نتأكد من أن صوت الحفر الكهربائي , أو ضربات نقار الصخر , أو الأدوات الأخرى , لا تسمع في الخارج وينكشف الأمر . ولهذا تقرر ان نخرج , أنا والمناضل المهندس ناقد الحكيم , الى خارج السجن بحجة تنظيف مجاري المياه القذرة , ومعنا بعض حراس السجن , للتعرف على مستوى الصوت تحت الأرض , فيما اذا كان يسمع أو لا , وثانياً أن نقيس عرض الشارع الفاصل بين سور السجن والأسلاك الشائكة , وقد عد المهندس ناقد عرض الشارع بخطواته , وقدر سعة الأسلاك الشائكة دون ان يلفت انتباه الحراس لذلك , أما الصوت فقد سمعته ضعيفاً جداً , وفسرت ذلك , انه ناتج من علمي بأن عملاً كان يجري تحت أقدامنا في تلك اللحظة . وقد شاركني بقية الزملاء في هذا الأعتقاد , مع أخذ مزيد من الحذر والأنتباه .

   تواصل العمل وتجاوزنا منتصف الشارع تقريباً .... بدأت لجنة التنظيم بتشخيص مجموعة المناضلين الذين سيستلمون مسؤولية قيادة السجن بعد مغادرتنا , ووضعنا خطة الأمتناع عن التعداد يوم التنفيذ , واعددنا غطاءً خشبياً لسد الفتحة الخارجية بعد مغادرة آخر مناضل من النفق , يضعه فوق الفتحة وينثر عليه بعض التراب للتمويه. كما فكرنا بإعداد هياكل من الملابس المحشوَة لوضعها في مكان كل واحد منا وتغطيتها ببطانية لكي لا يظهر مكاننا خالياً بعد المغادرة .

   تقرر ان يكون الأتجاه نحو بحر النجف , رغم انه الأطول والأبعد , , فالطريق باتجاه السماوة , كان مطروقاً وتقطعه سيارات الشرطة والمسافرين يومياً . واتصلنا بالتنظيم خارج السجن , لتهيئة وسائط نقل تقلنا من آخر نقطة متفق عليها , وقدرنا اننا نحتاج الى ثلاث ليالٍ تقريباً . وكانت خطة العمل ان نسير طوال الليل , ونكمن في النهار تحاشياً للدوريات او الرعاة في الطريق .... وهيئنا الحد الأدنى من احتياجات الطريق من الأكل والماء والملابس المناسبة وبعض المستلزمات الطبية , اضافة لبعض الأسلحة البسيطة "سكاكين" , كما هيئنا بوصلة لمعرفة الأتجاه الى جانب خارطة جيدة للمنطقة رسمها بعض المناضلين العسكريين السجناء .

   تأجج الحماس وارتفعت المعنويات , بعد صدور أول بيان من "جبهة الكفاح المسلح" في اهوار الچبايش بقيادة المناضل الشهيد خالد احمد زكي . وكانت قوى سياسية متعددة تتسابق لإسقاط نظام عبد الرحمن عارف , الذي كان في غاية الضعف عام 1967 .

نفق نگرة السلمان: (6)

   بعد ان استطلعنا الوضع , أنا والمناضل ناقد الحكيم , بحجة تنظيف المجاري , أطلعت المناضل كاظم الصفار , والرفاق في لجنة التنظيم , على نتائج استطلاعنا , وحددنا الأبعاد التقديرية للعمل , كما أبلغتهم , بأنني سمعت صوتاً خافتاً للعمل , وتقرر ان ننبه مجموعات العمل بتوخي أشد الحذر والعمل بهدوء ودقة , بيد ان المشكلة التي كانت تواجهنا منذ بدء العمل, هي صلابة الأرض , التي كانت تسبب لنا بذل المزيد من الجهد والتعب ، من جهة , وكونها تنقل صوت العمل , اكثر من الأرض الرخوة , التي يموت الصوت في رخاوتها من جهة أخرى . يضاف الى ذلك , اننا كنا نستعجل انجاز العملية , توقاً للحرية والعمل الفعال خارج السجون , وتحاشياً لانكشاف الموضوع , بعد اتساع معرفة غالبية النزلاء , بأن هناك محاولة هروب , بغض النظر عن معرفة التفاصيل .... شددنا على موضوع الحذر والهدوء في العمل , وهدأنا موضوع ممارسة المشي التي كنا نمارسها .

   في هذه الفترة نفذ رفاقنا الأبطال في سجن الحلة عملية هروب ناجحة , وتحرر عدد من المناضلين البواسل, والتي كتب عنها الصديق المناضل جاسم المطير . ان عملية سجن الحلة الناجحة , والتي الهبت حماسنا ورفعت معنوياتنا كثيراً , كانت توجب علينا المزيد من الحذر والحيطة , بل كان يجب ان نوقف العمل لفترة , ريثما نعرف رد فعل السلطات الحكومية , وإدارة السجن على وجه التحديد , وما هي الأجراءات التي ستلجأ اليها , حيث ستكون باعلى درجات اليقظة والأنتباه .... تواصل عملنا بمزيد من الحماس والأندفاع , وحققنا تقدماً جيداً بحيث أوشكنا ان نصل الى الجانب المقابل من الشارع المحيط بسور السجن , ولم يبقَ أمامنا سوى بضعة امتار للوصول الى الأسلاك الشائكة , والتي قدرنا عرض قاعدتها بخمسة امتار .

   وضع ادارة السجن :

   تتكون ادارة السجن من :

   1- مدير السجن , وهو ضابط شرطة برتبة رائد , وكان متعاون مع منظمة السجن . فحين وصلت الى السجن في أواخر حزيران 1966 , وجدتُ ان المنظمة , ومن خلال ممثلها , المناضل الباسل صبحي عبد الله , قد رتبت الأمور بشكلٍ ما , ولا ادري , إن كان يتعاطف فكرياً معنا , أم أن هناك ترتيبات أخرى , وفي الغالب ان الأحتمال الثاني هو الأقرب للواقع . لم أسأل عن ذلك , ولم تطرح هذه المسألة يوماً في اجتماعات لجنة التنظيم ... وقد حدث يوماً ان عٌثِرَ اثناء التفتيش على بريد حزبي , كنا قد ارسلناه مع احد السجناء الذاهبين الى بغداد للمحاكمة , وكان يتضمن مقترحات مهمة لقيادة الحزب , وقد اعاده الينا , دون اتخاذ اي اجراء بحق السجين , أو ازاء المنظمة وممثلنا أمام الأدارة .

   2- مأمور السجن , وهو مفوض شرطة , بثلاث نجوم في ياقة القميص , وقد وجدتُ ان العلاقة معه سيئة جداً , لأنه كان يسيئ معاملة السجناء في فترة حكم البعث , وبقي على عدائه منهم بعد سقوط حكم البعث , كما كان يتعامل بخشونة أشد مع السجناء العاديين , يوم كانوا في سجن نگرة السلمان قبل نقلهم كما ذكرت سابقاً .

   3- أما بقية السجانين , فكانوا جميعاً من أهل المنطقة , وكانوا يكنون لنا الكثير من الأحترام والتقدير , ولم يصدر منهم ما يسيئ الينا , وكنا نقدم لهم المساعدة الطبية من فحص وادوية حين يحتاجونها . وكما ذكرت في احدى الحلقات السابقة , أنهم أوقفوا اطلاق النار في الهواء , حين حصل احتكاك بينهم وبين السجناء العاديين , لمجرد انهم رأونا نفتح الباب الفاصل بين السجنين القديم والجديد وندخل القلعة . ومن جانبنا كنا نتعامل معهم بمودة واحترام , لأننا نناضل ضد نظام وليس ضد افراد بسطاء . وطوال سنتين واربعة اشهر , وهي المدة التي قضيتها في سجن السلمان , لم يحصل بيننا وبينهم اي احتكاك أو توتر . وكان بريدنا يصل بانتظام , باستثناء فترة فيضان الفرات عام 1967 , حيث انقطع البريد والسفر للمحاكم ثلاثة أشهر متواصلة . وقد طلبنا يوماً مؤلفات لينين الكاملة , طبعة موسكو , من مكتبة بغداد , فوصلتنا بالبريد دون اي اعتراض من ادارة السجن .

   حرب الأيام الثلاث :

   في فجر يوم جمعة , لا اذكر تاريخها بالضبط , غادرت موقع العمل لأخذ قسطٍ من الراحة , حتى يحين موعد استلام الأرزاق , التي كنت مسؤولاً عنها كما ذكرتُ سابقاً , ايقظني المناضل الكسان البير , ليبلغني , ان سيارة شرطة مسلحة , تقف قبالة العمل , خلف الأسلاك الشائكة , وهذا لم يحصل من قبل . نهضت مسرعاً لأستطلع الوضع من خلال الفتحة الصغيرة في سور السجن والتي تستعمل لملئ خزانات الماء القريبة من السور , فوجدت السيارة المسلحة , وقد نصبت عليها رشاشة ثقيلة , مصوبة باتجاه موقع العمل , ,,طلبت من المجموعة العاملة في تلك الساعة ايقاف العمل , وايقظت المناضل كاظم الصفار وبقية اعضاء لجنة التنظيم , لتقرير ما نراه مناسباً , ولاحظنا ان حركة مكثفة لحراس السجن في الخارج وفي نقاط الحراسة المبنية في اعلى سور السجن ... طلبنا من المناضل صبحي , بحكم علاقته بالحرس باعتباره ممثلنا أمام الأدارة , ان يستطلع الأمر بهدوء , فعاد الينا بعد قليل ليبلغنا , ان المأمور ومجموعة من الحراس يريدون الدخول , وحين استفسر عن المدير قيل له ان المدير في بغداد , وسيعود صباح السبت ... أبلغناه بعدم فتح الباب , او السماح لهم بالدخول , كما قررنا ان لا نفتح الباب الخلفية ولن نستلم الأرزاق , ورفضنا التعداد اليومي ... كان لدينا خزين مناسب من المواد الغذائية , باستثناء اللحوم , يمكن الأعتماد عليها لعدة أيام . حين فشلت محاولتهم بالدخول , أحضر المأمور مجموعة من الحراس يحملون المعاول ( القزمات ) وراحوا يحفرون خارج السور , ففهمنا أنهم أحسوا , او استمعوا لصوت العمل , وعندها قررت لجنة التنظيم طمر الجزء الخارجي من النفق , لكي لا نعطيهم حجة للهجوم على مكاسب السجن . وبدأنا عملية الطمر بما تيسر لدينا من الأتربة والصخور , وكنا نعمل تحت ضربات فؤوسهم التي كانت فوق رؤوسنا , ولا ندري متى تنزل الفأس داخل النفق لتجرح او تقتل أياً منا , إلا ان عمق العمل حال دون وصولهم الينا . بعد ساعات من العمل الفاشل , طلب المأمور السيارة الحوضية وأفرغوا ماءها في الشارع عسى ان يتسرب الماء الى ما خمنوا انه نفق ويوصلهم اليه , وفشلت هذه المحاولة ايضاً , إذ ان صلابة الأرض وعمق العمل , حالت دون ذلك . وفي المساء أوقفوا العمل , ومن جانبنا اكملنا ردم الجزء الخارجي من النفق , وردمنا البئر الرئيس في غرفة البداية , وكان لدينا سمنت ورمل , بقايا من عمل سابق , فعالجنا ارضية الغرفة . كما عمدت الأدارة لتشديد الحراسة والدوريات , وفتحت اضواء مجموعة من السيارات حول السجن .

نفق نگرة السلمان: (7) الأخير

   بعد ان طلب وزير العمل والشؤون الأجتماعية , ممثلاً عن السجناء لبحث الوضع المتوتر , عقدت لجنة التنظيم اجتماعاً عاجلاً , وقررت الآتي :

   1- الموافقة على اللقاء لإنهاء التوتر, بعد هذه المعمعة.

   2- تحميل إدارة السجن, ومأمور السجن شخصياً , مسؤولية التوتر وما ترتب من جراء ذلك .

   3- تقديم مجموعة مطالب, في مقدمتها, اطلاق سرح كافة السجناء السياسيين, وإلغاء سجن نگرة السلمان, ونقلنا الى سجون اخرى, ريثما يتم اطلاق سراحنا. واطلاق سراح المحتجزين ممن انهوا محكومياتهم على وجه السرعة , وكذلك الموقوفين ممن لم تصدر ضدهم أحكام بعد . اضافة الى مجموعة من المطالب اليومية , كزيادة مخصصات السجين السياسي , وتجهيزنا بالأدوات الرياضية والأدوية وبعض المستلزمات الطبية , وغيرها من الأحتياجات .

   4- تقرر ان يكون الموقف حازماً ومتشدداً, بعد ان فشلوا في العثور على النفق.

   5- تكليفي بالتفاوض, مع حضور المناضل صبحي عبد الله, باعتباره ممثلنا الدائم أمام الأدارة.

   بعد ان أخذتُ مكان في غرفة مدير السجن , بدأت الحديث مستفسراً عن اسباب هذه الأجراءات والتوتر الذي احدثته في العلاقة بيننا وبين الأدارة , والتي كادت ان تسبب كارثة , لو ارتُكِبَ اي تصرف غير مسؤول من احد الطرفين ... وقبل ان يرد على تساؤلي , قال : انكم منذ ثلاثة أيام ترفضون فتح الأبواب وإجراء التعداد اليومي , وامتنعتم عن استلام ارزاقكم اليومية . قلت نعم , لأننا لا نعرف ما يبيت لنا في ضوء الأجراءات التي رأيناها , وتطويق السجن بالسيارات المسلحة , ولهذا قررنا ان ندافع عن انفسنا بكل الوسائل الممكنة والمتوفرة .... وأود ان اقول لك الآن , اننا اليوم لسنا في عام 1963 , أن وراءنا حزباً مسلحاً وشعباً متحفزاً , واذا ما قُدِرَ لكم اقتحام السجن , فلا خير في مَن يموت على فراشه ... كنت منفعلاً , وكان هادئاً , فأجابني : ليس هناك من يريد اقتحام السجن , أو الأعتداء عليكم , إلا ان المعلومات التي توفرت لدى ادارة السجن , تقول بأن هناك محاولة هروب من السجن .... هنا ضحكت قائلاً , هل هناك عاقل يفكر أو يتصور , أن هروباً يمكن حصوله من سجن السلمان ؟؟ كيف نهرب وأين نتجه ؟! فرد عليّ , ونحن نقول هذا ايضاً , ونخاف عليكم , فهي مجازفة خطيرة ... واضاف لماذا لم تسمحوا لمأمور السجن بالدخول لكي يتأكد من خطأ ظنونه ؟ . قلت مشيراً بيدي للمأمور , ان هذا الرجل سيئ , وحاقد وغير متعاون , وهو من ايتام الحرس القومي , ,, لو كان السيد المدير موجوداً لسمحنا له بالدخول بكل هدوء . قال : اذاً ستسمحون لنا بالدخول ؟ قلت , نعم , ولكن مع بعض الملاحظات . , تدخل انت , والسيد المدير والسيد مدير شرطة البادية , وبعض مرافقيكم غير المسلحين . واضفت , , أما المأمور , فلن يدخل , لأننا لا نضمن سلامته في الداخل , واضفت , ثم ان لدينا مطالب نريد تحقيقها . وكنت احمل ورقةً سجلنا بها مطالبنا التي اقرتها لجنة التنظيم , قدمتها له .... بعد ان قرأها قال : أن بعضها من صلاحيتي , وسأنفذها فور عودتي الى بغداد , أما المطالب التي من مسؤولية الجهات الأخرى , كإطلاق سراحكم , وإلغاء سجن السلمان , واطلاق سراح المحتجزين والموقوفين , فهي من صلاحيات الحكومة ووزارة الداخلية , فأعدكم بعرضها على تلك الجهات .

   طلبت من المناضل صبحي ان يدخل لتبليغ لجنة التنظيم , بأن الوزير ومرافقيه سيدخلون للتفتيش . وفعلاً , دخلت المجموعة وبدون سلاح , وكانت لجنة التنظيم قد هيأت مجموعة من المناضلين , ليشكلوا نصف دائرة تحيط بالوفد عن بعد خلال تجواله . وقد ركزوا على المنطقة التي حددها المأمور , وفتحنا امامهم جميع الغرف , بما فيها غرفة العمل التي عالجناها , كما أسلفت , وتجولوا في انحاء مختلفة من السجن , فلم يلفت انتباههم أو يثير شكوكهم أي شيئ , وقد علق مدير السجن مخاطباً الوزير : اين هذا النفق الذي تحدث عنه هذا المجنون ؟ .... حين خرجت معهم بعد انتهاء مهمتهم , قلت موجهاً كلامي للوزير : لقد جاء الكثير من المسؤولين هنا , ووعدونا بالكثير , إلا انهم كذبوا علينا ولم يفوا بوعودهم , نأمل ان لا نضيف اسمك الى قائمة هؤلاء . تجاوزها الرجل بهدوء , قائلاً : ستصلكم الأشياء التي من صلاحيتي خلال الأيام القريبة القادمة .... وفعلاً وصلتنا الكثير من الأدوات الرياضية التي طلبناها .... كما أن موضوع نقلنا من نگرة السلمان , تحرك هو الآخر , بل وصلت سيارات الحمل ( اللوريات ) في احد الأيام , وحملنا حاجياتنا فيها , على أمل المغادرة صباح اليوم الثاني , إلا ان أمراً بتأجيل أو الغاء النقل وصل مساء ذلك اليوم , وتأجلت العملية , واعدنا اغراضنا الى الداخل , وبقينا هناك الى ما بعد 17 تموز 1968 , حيث نقلنا فعلاً , وهذا موضوع له جزء خاص في مسيرة الآلام هذه .

   في صباح اليوم الثاني فتحنا الأبواب واستلمنا الأرزاق , وراح بعض الزملاء يطلقون على هذه المواجهة " حرب الأيام الثلاثة " , على غرار تسمية حرب الأيام الستة .

   في ختام هذا الجزء , من موضوع " نفق نگرة السلمان " , أود ان اشير الى مسألة , ربما لا يعرفها الكثير من القُّراء , ممن لم يزوروا السجون .... ففي سجون تلك الفترة , كان هناك ثلاث فئات من المعتقلين السياسيين :

   1- المناضلون المحتجزون, الذين انهوا محكومياتهم, ويتنظرون اطلاق سراحهم في اي وقت

   2- الموقوفون الذين لم تصدر بحقهم أحكام ٌ بعد

   3- السجناء الذين صدرت بحقهم احكام بالسجن, وهم يعدون الأيام والسنين , بانتظار نتائج النضال الباسل الذي يخوضه الشعب ضد الأنظمة الأستبدادية والفاسدة ...

   كان مجموع نزلاء السجن في هذه الفترة قرابة 450 سجيناً ومحتجزاً وموقوفاً ... وكانت سياسة منظمة السجن هي مراعاة ظروف كل من هذه الفئات , في المواجهات مع الأدارة ... فبالنسبة للفئتين الأولى والثانية ( المحتجزين والموقوفين ), تعمل المنظمة على ابعاد عناصرها من المواجهات مع الأدارة أو الجهات الحكومية الأخرى , لكي نجنبهم الأحتكاك وإثارة دعاوى جديدة ضدهم , قد تعرقل اطلاق سراحهم . أما بالنسبة للفئة الثالثة , وهم السجناء , وذوي الأحكام الطويلة , فإن مسألة المواجهة والأحتكاك مع الأدارة , لن تضيف لهم جديداً ( لأن المبلل ما يخاف من المطر ) كما يقول المثل . فبالنسبة لي مثلاً , فإنني اعتُقلت يوم 6/6/1966 , ووصلت السلمان محملاً بعشر سنوات سجن , وأُضيف لها حكم ثانٍ أربع سنوات سجن وسنتان تحت المراقبة , كما ان لدي دعوى اخرى , حول تزوير الهويات , تجري محاكمتي عنها بعد انتهاء محكوميتي , اي ان اية مواجهة لن تضيف لي شيئاً جديداً في المدى القصير .... وهذا هو سبب تكليفي في اية مواجهة مع الأدارة , وليس لسبب آخر , فانا لم اكن افضل من بقية رفاقي المناضلين , أو أشجع , أو اكثر لباقة من اي منهم .

همام عبدالغني المراني

  كتب بتأريخ :  الأربعاء 22-04-2015     عدد القراء :  3906       عدد التعليقات : 0