الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
عدة مسائل جوهرية لم نخطئ بتشخيصها !!!

   قيل قديماً بأن "العراقيين مفتحين باللبن" أو "العراقي يقرأ الممحي والمكتوب"، أو المثل الشهير الذي يكشف عن كذب المتحدث فيقول أهل البصرة والعشار والزبير "براسي بابا زنگو". والحديث عنها ولماذا قيلت هذه الأمثال يأخذ وقتاً طويلاً، إلا إن غالبية العراقيات والعراقيين يعرفون معانيها والمناسبات التي قيلت فيها وأصبحت مثلاً. وأتطرق هنا إلى أربع مسائل مهمة وجوهرية من مجموعة مسائل كثيرة أصابت الشعب العراقي بالصميم وأوجعته أيما وجع، إذ ما يزال وسيبقى طويلاً يئن تحت وطأتها ويعاني من عواقبها.

   المسألة الأولى: القلة القليلة التي كانت ترفض الحقيقة التالية: كانت السعودية وباكستان ودول الخليج، وبمعرفة ودعم ومساعدة الولايات المتحدة، وراء بروز تنظيم القاعدة الإرهابي المسلح على الصعيد الأفغاني ومن ثم العربي والعالمي. ولم يخطئ إِلا القليل من الناس الذين رفضوا حقيقة أن السعودية وتركيا ودول الخليج، ,وهي كلها دول مستبدة صريحة في معاداتها لحقوق الإنسان وتمارس ذلك بأساليب مختلفة، وبعلم ومعرفة وتأييد الولايات المتحدة الأمريكية، برزت ونشطت وتطورت أيضاً تنظيمات الدولة الإسلامية (داعش) الإرهابية المسلحة بعقلية مذهبية وهابية متطرفة، وزُودت بما هو ضروري من مال وسلاح وعتاد ومقاتلين ومعلومات ودعم لوجستي واسع النطاق. ولم يفعل اعتراف نائب رئيس الولايات المتحدة الأمريكية، جو بايدن، أكثر من تأييد وتأكيد ما كشف عنه الناس، وأنا منهم والمئات الآخرين من الكتاب الإعلاميين في جميع أرجاء العالم قبل ذاك. وهذا الاعتراف الصريح والعلني يكشف بما لا يقبل الشك عن مجرى الأمور وعن دور قوى الإرهاب الأساسية والحقيقية من النواحي الفكرية والسياسية والمالية والتنظيمية التي كانت وما تزال وراء بروز هذه التنظيمات المسلحة التي كانت تقوم بتنفيذ التوجيهات التي وصلت إليها من محرضيها ومموليها وأصحاب نعمتها، والتي اصطدم بعضها بها بما أدى إلى مواجهتها باليمن، ولكن ليس في مناطق أخرى مثل السعودية وسوريا والعراق حتى الآن. وكان هذا بالضبط هو السبب وراء رفض تركيا إدانة هذه القوى لأنها المشاركة في إنتاج هذه التنظيمات الإرهابية المسلحة وفتح حدودها لعبور مقاتليها وفتح مستشفياتها وأسواقها لها ومدها بما تحتاجه من معلومات. كما إن اصطدام بعض أهداف هذه التنظيمات بأهداف الولايات المتحدة الأمريكية لتجاوز الحدود التي خططت لنشاطها هو الذي جعل هناك تردد كبير في توجيه الضربات لها، ثم أجبرت على ذلك لأن التهديد أصبح لمصالحها في المنطقة عموماً. إنها جرائم بشعة ترتكبها المملكة العربية السعودية وبعض دول الخليج، وخاصة الدويلة القزمية اللقيطة قطر، وتركيا والولايات المتحدة الأمريكية في كل من العراق وسوريا واليمن وفي أي مكان امتدت إليه هذه الأيدي القذرة لتشعل النيران فيها وتأتي على اليابس والأخضر. إن تكريس هذه الحقيقة في أذهان شعوبنا وخاصة الشبيبة منهم أمر ضروري لمعرفة القوى التي تدعي الوقوف معنا وتعمل بالضد من إرادتنا ومصالحنا وحقوقنا المشروعة والعادلة. وعلينا أن نعي جميعاً إن هذه القوى في منطقة الشرق الأوسط التي تنطلق بذهنية ووعي طائفيين وقحين تريد بذلك التغطية الفعلية على مصالحها الأساسية في الهيمنة على المنطقة بأسرها والتحكم بشعوبها ومنعها من ممارسة إرادتها الحرة والكريمة في تحديد وجهة تطورها السياسي والاقتصادي والاجتماعي.

   (استمعوا إلى بايدن http://youtu.be/tQ1xzgrld-0.)

   المسألة الثانية: القلة القليلة من الناس التي لا تريد أن تعترف بأن الدولة الإيرانية، كما هو حال الدولة التركية وسلفها الإمبراطورية العثمانية، لها طموحات إستعادة "أمجاد!) الإمبراطورية الفارسية وأطماع التوسع والسيطرة على العراق ودول الخليج وبقية الدول العربية، وأن تلعب دور الدولة الكبرى في منطقة الشرق الأوسط. ولم يكن ما صرح به مستشار الرئيس الإيراني لشؤون الأقليات، علي يونسي، وأكد فيه أن العراق جزءاً من إيران وبغداد عاصمة الإمبراطورية الإسلامية الإيرانية، زلة لسان بل هو حلم إيران وأملها الراهن. وغالبية القوى الدينية والسياسية والعسكرية الإسلامية بإيران تلعب اليوم، كما كانت تمارسه في عهد الخميني، دور المنشط للقوى الشيعية في دول المنطقة بهدف التوسع الشيعي الطائفي، وهو الغطاء الطائفي الوقح لرغبتها في الهيمنة التامة على العراق ودول الخليج لتكون اللاعب الإقليمي-الدولي الأساسي في الشرق الأوسط. وهو الأمر الذي يعرفه الشيعة من أهل العراق قبل أهل السنة والكثير منهم يدركه ولكن لا يصرح به ولا يواجهه، وبالتالي يسمح بأن يكون العراق ساحة لهذا الصراع الطائفي المبطن بمصالح اقتصادية وسياسية توسعية. إن التدخل الفظ لإيران في شؤون العراقي الداخلية ووجود جيش جرار منها بالعراق وبأشكال مختلفة هو الذي يسمح بتدخل مسؤولو الدول العربية الأخرى بالشأن العراقي وبهذه الوقاحة المماثلة لوقاحة المسؤولين الإيرانيين. والمسؤول عن كل ذلك هم من في الحكم بالعراق الذين يسمحون بكل ذلك ويستقون بهم.

   ولهذا تجد من يركز على السعودية وينسى إيران ويعتبرها ضحية، كما نجد ذلك في الخطاب السياسي للأحزاب الإسلامية السياسية الشيعية الماسكة بزمام الحكم بالعراق حتى الآن. ونجد العكس أيضاً فهناك من يهاجم إيران ويترك السلوك العدواني للسعودية وبعض دول الخليج وتركيا جانباً ولا يتطرق له، كما نجد ذلك في خطاب الأحزاب السياسية الإسلامية السنية والأحزاب السياسية القومية العربية، إضافة إلى تلمسنا له في عدد من كتاب قنوات التلفزة وموقع إيلاف الإلكتروني على سبيل المثال لا الحصر.

   المسألة الثالثة: أقل من القليل من الناس ممن لم يعتقد حتى الآن بأن نوري المالكي هو الذي أعطى القرار بانسحاب القوات العراقية أمام قطعان داعش والبعث المسلح والدروشة النقشبندية وغيرها من التنظيمات الإرهابية الصغيرة المتحالفة. وما اعتراف الدكتور سعدون الدليمي، وزير الدفاع وكالة، بذلك ليس سوى تأييد وتأكيد، [إن كان المنشور على لسان وزير الدفاع السابق صحيحاً]، لما كتب ونشر منذ اليوم الأول لانسحاب القوات المسلحة العراقية أمام أوباش داعش وسقوط الموصل ومن ثم محافظة نينوى بأيدي قوى الإرهاب الإسلامي السياسي المنظم والموجه والممول من بعض الدول العربية (داعش).

   إذ ليس هناك أي عاقل بهذا العالم الكبير يمكن أن يتصور بأن عدة فرق عسكرية تنسحب كلها دفعة واحدة ولا تقاتل تلك المجموعات الصغيرة من العصابات الإرهابية الدموية التي اجتاحت مدينة الموصل بدون أن يكون هناك قراراً صادراً عن القائد العام للقوات المسلحة العراقية، ألا وهو نوري المالكي. ومثل هذا القرار الخياني لا يعفي بأي حال خيانة وزير الدفاع وكالة، سعدون الدليمي، الذي اعترف أمام لجنة الاستجواب التابعة لمجلس النواب العراقي بذلك وأدعى إنه كان مشغولاً بقضايا الأنبار. فقد نشر موقع "اليوم الثامن" الإلكتروني النص التالي :

   "اعلن وزير الدفاع السابق وكالة في زمن الحكومة السابقة سعدون الدليمي، ان نوري المالكي هو من أمر القطعات العسكرية بالانسحاب من الموصل. وقال الدليمي اثناء جلسة استجوابه من قبل لجنة التحقيق بسقوط الموصل والتي اطلعت عليها (اليوم الثامن) ان”المالكي أراد سقوط الموصل على يد تنظيم “داعش” ومن ثم يقوم بتحريرها لأغراض سياسية وانتخابية بحتة. وأضاف، ان المالكي كان نادماً على إعطائه لأمر الانسحاب للقطعات العسكرية لأن تنظيم “داعش” ظهر اقوى مما يتوقع".

   منذ اليوم الأول كتبت عن هذا الأمر، كما كتب المئات من الكتاب والإعلاميين العراقيين وعلى الصعيد العالمي مثل هذا الاتهام الموجه لنوري المالكي. ولكن لم يعترف بذلك من كان وما زال يشكل جزءاً من عمليات التجهيل التي اتبعها وعاظ سلاطين نوري المالكي بالداخل والخارج والذين يتحملون مسؤولية الاستبداد والظلم الذي سلطه نوري المالكي ورهطه على الشعب العراقي، وخاصة على سكان المناطق الغربية ومحافظة نينوى وإقليم كردستان العراق. وعلينا أن ننتظر تقرير اللجنة التحقيقية بصدد فواجع الموصل ونينوى، إذ أن موقع الينابيع الإلكتروني قد نشر تقريراً عن استجواب وزير الدفاع وكالة السابق لم يرد فيه ما ورد في أعلاه وأشير إلى أنه لم يأت بجديد!

   إن الرغبة في فسح المجال للقوى الإرهابية في احتلال الموصل ثم التعبئة لتحريرها منهم كانت هاجساً أساسياً وهدفاً مركزياً لدى نوري المالكي ليحقق من خلاله عدة أهداف في آن واحد :

   1. البقاء في السلطة لدورة ثالثة ورابعة ولأبنه أحمد من بعده!!

   2. كسر خشوم "السنة" من مواطناتنا ومواطنينا بنات وأبناء شعبنا العراقي!!

   3. بطل تحرير الموصل من أيدي الإرهابيين!!

   4. تهديد رئاسة وحكومة إقليم كردستان بأن مصيركم سيكون مثل مصير الإرهابيين بعد أن يطردهم من محافظة نينوى ويعزز مواقعه السياسية والعسكرية فيها ثانية!!

   5. وبهذا يفرض نفسه على حزبه الخائب وقائمته والبيت الشيعي والمرجعية الشيعية ومن ثم الشعب العراقي كله!!

   ليخسأ من يفكر بهذه الطريقة البائسة التي قادت وتقود إلى خيانة الشعب والوطن.

   لقد هدرت دماء كثيرة من أهلنا بالموصل وعموم محافظة نينوى وسبيت واغتصبت نساء كثيرات وشردت مئات ألوف العائلات الإيزيدية والمسيحية والشبكية والتركمانية ومن أهل الموصل ومن الأنبار وصلاح الدين وديالى وكركوك، واستشهد الكثير من قوات البيشمركة والمتطوعين الشجعان والقوات المسلحة العراقية، وخسر العراق عشرات المليارات من الدولارات الأمريكية ودنست أرضه بأقدام الإرهابيين القذرة وبشعاراتهم الدنيئة. كما استشهد أكثر من 6000 مواطن من أهلنا بالأنبار. إن المسؤول الأول عن كل ذلك هو نوري المالكي، ولكن ليس وحده بل معه من سانده ودعم استمراره بالسلطة وسكت بل وروج لسياساته القذرة والعدوانية ضد الشعب العراقي ولكن وبشكل خاص ضد أهلنا وأخوتنا السنة والكُرد، إضافة إلى أولئك الطائفيين المتعصبين من السنة الذين ساهموا في تفجير كل الوضع بالعراق.

   المسألة الرابعة والأساسية: برهنت حقائق الواقع العراقي والعربي وعلى الصعيد العالمي ومن جديد أن النظم القائمة على أسس دينية ومذهبية تقود بالضرورة إلى اللاوطنية، إلى التمييز بين المواطنات والمواطنين على أساس الدين والمذهب وإلى التهميش، إلى رفض مبدأ المواطنة الحرة والمتساوية لصالح هويات فرعية قاتلة فعلاً، حسب التعبير السليم والصادق للكاتب والروائي أمين المعلوف. كما إن الحكم الذي يعتمد القومية في بلد متعدد القوميات يقود إلى بروز نظم قومية شوفينية مقيتة تميز بين الناس على أساس القومية ويهمش المسؤولين أو الحكام من القومية التي تسمى كبيرة أتباع القوميات التي تسمى صغيرة أو أقلية، وبالتالي يفتقد الوطن هوية المواطنة لصالح الهويات الفرعية، سواء أكانت قومية أم دينية أم مذهبية والعواقب في كل الحالات مأساوية.

   إن ما يحصل اليوم في اليمن غير السعيد هو تدخل فظ وعدواني من جانب الدولة السعودية ودول الخليج وتركيا ومن ساندهم في ذلك. تمارس السعودية عمليات قتل وتدمير واسعة جداً وتدخل شرس عدواني في شؤون اليمن. ولكن هذا العدوان العسكري الفظ ارتبط بممارسة عدوانية من جانب الحوثيين الذين سعوا للاستيلاء على السلطة السياسية ورفضوا التعاون والتنسيق لإيجاد حلول عملية بعيدة عن الدين أو المذاهب ولصالح وحدة اليمن من أجل إقامة نظام وطني وديمقراطي مدني فيها. ولعبت إيران "الإسلامية الشيعية" دوراً سيئاً وشرساً في تزويد الحوثيين بالسلاح والعتاد والأموال وحثهم على المواجهة العسكرية للحكم القائم بدلاً من دفعهم للنضال السلمي والديمقراطي لتأمين حقوقهم المشروعة. إن التدخل الإيراني في شؤون اليمن قد ساعد على تسريع التدخل العسكري للحكام السعوديين الذين يخشون على أوضاعهم الداخلية من تحرك شيعة السعودية في شرق البلاد، الذين يعانون من فقدان حقوقهم في ظل الهيمنة والمحاربة الوهابية، والذين يجدون الدعم والتأييد والتشجيع على مواجهة الحكم السعودي بالقوة من جانب إيران أيضاً.

   إن علينا أن ندين جميع أشكال التدخل الفظ السياسي والعسكري والديني والمذهبي في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، وهو ما يحصل اليوم في اليمن وسوريا والعراق وغيرها.

   لهذا فأن القاعدة التي يفترض أن يلتزم بها كل حكم وطني هو العلمانية التي تحترم أتباع الديانات كلها ولا تسمح لشيوخ الدين أو الأحزاب الدينية التحكم بأوضاع هذه الدول، إذ أن العلمانية تفصل بين الدين والدولة لصالح الدولة والدين في آن واحد، فالدين، أي دين أو مذهب هو للفرد الذي يرغب بذلك، ولكن ليس للدولة، لأي دولة، فالدولة شخصية اعتبارية لا دين لها ولا مذهب. ومن هنا جاء التزام مصطفى النحاس بمصر بالقاعدة المعروفة "الدين لله والوطن للجميع" سليماً وموحداً لفئات وقوى المجتمع. الدول العربية ودول منطقة الشرق الأوسط بحاجة إلى دولة مدنية علمانية ديمقراطية دستورية مستقلة، تحترم الإنسان وإرادته وحقوقه والمؤسسات الدستورية وخاصة الفصل بين السلطات واحترام استقلالية القضاء وفصل الدين عن الدولة وتناهض التمييز القومي والديني والمذهبي أو التمييز على أساس الجنس (الذكور والإناث). إن الدولة "الدينية" أو العسكرية هي دولة استبدادية واستغلالية وظالمة واضطهادية وغير عادلة بامتياز، وأمثلة ذلك تجسدها كل الدولة العربية ودول منطقة الشرق الأوسط ابتداءً من السعودية ومروراً بسوريا والعراق ومصر والسودان وليبيا وإيران وتركيا وإسرائيل ودول الخليج العربي ...الخ. ونتمنى لتونس أن تفتح طريق أخر وتكون السباقة لما يفترض أن تكون عليه دول المنطقة، فهي البداية لا غير.

   إن من واجب الدولة المدنية الديمقراطية أن تمنع تأسيس أحزاب سياسية على أسس دينية أو مذهبية لأنها لا يمكن أن تكون إلا أحزاباً تمييزية وطائفية وتهميش للآخر، وهو ما نعيش تحت وطأته الآن في كل الدول العربية والدول الأخرى الشرق أوسطية دون استثناء، وهو الذي يستوجب النضال لتغييره ووصول قوى وطنية ديمقراطية علمانية للحكم في هذه الدول التي ما تزال تعاني من التخلف الاقتصادي والاجتماعي والبيئي وضعف الوعي الاجتماعي وهيمنة الدين والخرافة والأساطير والسحر والخزعبلات على أذهان الملايين من البشر بسبب الجهل والأمية الفكرية والسياسية وازدراء العقل والعلم والسياسات الدينية والتربوية المتخلفة والرجعية والمعادية للحياة والمبادئ الديمقراطية وللآخر.

  كتب بتأريخ :  الخميس 23-04-2015     عدد القراء :  3243       عدد التعليقات : 0