الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
الأول من بشتاشان

ما أن يقترب الأول من أيار، حتى تتنازعك مشاعر تدفع بك في اتجاهين، اتجاه احتفالي بهيج بيوم العمال العالمي، اذ لم تفّوت عاماً دون ان تحتفل به، منذ ان وعيت على أهمية هذه المناسبة في حياة الكادحين ومناصريهم، كما لا يغيب عنك والدك الكادح الأمي الذي ما زالت كلمته البسيطة القوية الدلالة، تتردد في مسامعك كأنها قيلت بالأمس، اذ شكر ذات يوم من جعل للعمال عيدا. وبالتأكيد تتذكر شيئا من خيال «فوتشيك» حين وصف احتفالات العمال في الأول من أيار في مختلف عواصم العالم، وهو في زنزانته الانفرادية منتظرا تنفيذ الإعدام وخلال ذلك ك?ن يكتب ملحمته الموجعة « تحت أعواد المشانق».

يمر أمامك شريط ذكريات احتفالاتك في هذا اليوم، وان غابت عنك تفاصيل كثيرة، سيما اذا كانت الأعوام رتيبة، فالاحتفالات تكون انعكاسا لها، ولكن هناك احتفالات لا تنسى. والمعيار هنا ليس حجم الاحتفال ونوعه، وما اذا كان مسيرة او حفلة. فاحتفالك مع مجموعة من البحارة على ظهر سفينة تجوب البحر قرب غامبيا في إفريقيا يبقى حياً في الذاكرة. كما لا تنسى احتفالك مع مناضلي اليسار اليوناني وهم يهتفون « الخبز .. العمل .. الديمقراطية». وبالتأكيد تتذكر احتفالك وأنت في ساحة انتشار وسط معسكر الناعمة للمقاومة الفلسطينية في لبنان. كما لا تنسى الاحتفال بهذه المناسبة وأنت مع مجموعة مسلحة من أنصار « بيشمركة» الحزب الشيوعي العراقي في سهل اربيل، ايام مقاومة الدكتاتورية ورفع السلاح لإسقاطها. كذلك تلبيتك لدعوة الصديق الفقيد شاكر الدجيلي الذي بادر الى إرساء تقليد بتنظيم مشاركة عراقية في هذا اليوم مع اليسار السويدي وسط ستوكهولم. ثم مشاركتك في أول تجمع للاحتفال في بغداد بالأول من أيار عام 2003 غداة التغيير وكان ذلك في ساحة الفردوس، وفي أول ظهور علني لسكرتير الحزب الشيوعي العراقي وسط بغداد. هذا الاتجاه الاحتفالي الذي تحرص على المشاركة فيه، ليس لأنه عيد للطبقة التي تصنع الخبرات، ولولاها لما كان هناك حديث عن بناء وأعمال ونهضة، إنما هو واجب غير قابل للاعتذار، لانه يوم التضامن الإنساني مع صناع الحياة.

أما الاتجاه الثاني فيتعلق بالأول من ايار عام 1983 فما زالت ذكرياته تدمي القلب، اذ تداهمك معركة «بشتاشان» التي وضعتها الذاكرة الكردستانية ضمن ملف « شه ر برا كوزى» حرب اقتتال الإخوة. هذا اليوم الموغل بالقتل والتصفيات غير المتوقعة من جانب الذين كنت تحسبهم رفاق سلاح يحمون جبهتنا الأمامية، وها هم يخربون كل ما خططت للاحتفال به في هذا الوادي الرهيب. وها انت تصدر الأوامر لرفيقاتك النصيرات، بتغيير الزي الكردي البهيج بألوانه، وهن في أجمل زينتهن ينتظرن الاحتفال، الى ارتداء ملابس القتال. واذ لا مجال هنا لسرد التفاصيل، المدعومة بالأدلة الكاملة التي تدين من قام بهذه الجريمة النكراء، عبر معركة مشبوهة كان النظام الدكتاتوري المستفيد الأساسي منها ، فإنها موثقة بالأدلة والتفاصيل الدقيقة وبمشاهدها الموجعة.

بالتأكيد لا أهدف إلى فتح ندوب الجرح النازف فينا، ولا ارغب في تقليب المواجع، ولست من الذين وقف عندهم التاريخ ولا يغادرونه. لكنها رغم كل ذلك ذكرى موغلة بالألم، لا تغادرني. فأي قلب هذا الذي ينسى مقتل رفيقات ورفاق في عمر الورد، دخلوا كوردستان بهدف إسقاط النظام الدكتاتوري وإقامة نظام ديمقراطي عادل.

أن دماءهم هي امتداد لدماء العمال التي سفحت عام 1886 في إطلاق النار الذي اقدمت عليه شرطة شيكاغو.

  كتب بتأريخ :  الأربعاء 29-04-2015     عدد القراء :  3294       عدد التعليقات : 0