الحديث عن تقسيم العراق ليس جديداً وليس مقصوراً على جهات اجنبية فحسب ، بل كان لمثل هذا الحديث صدى بين ابناء الشعب العراقي ، مصدره الكثير ممن غالبهم اليأس في وجود مخرج للأزمة السياسية التي تلحق افدح الأضرار في عموم البلاد . وفي هذا ، لم يتوان حتى اولئك العاملون في القطاعات الرسمية والسياسية من التطرق الى تقسيم العراق الى اقاليم ، كحل للخروج من ربقة الصراع الدموي المريع والتطاحن الطائفي المضني بين ابناء الشعب المنقسم على نفسه اصلاً ، وتنهش به الكوارث على اشكالها دون انقطاع ، لا بل بتصعيد مخيف منذ عام 2006 والى يومنا الحاضر .
العلة هي في الشعب العراقي نفسه قبل غيره ، لا شك بأنَّ حالة المزق التي وصل اليها ، تتيح لتدخلات اقليمية ودولية . وتكون بلاده عرضة للتلاعب في مصيرها ، وذلك بعد عجزه عن حل المعضلة التي يدور حولها فرقاء االعملية السياسية اولاً وثانياً التكتلات المدنية وكذلك الدينية الدائرة حول محور الطائفية .
واليوم تتسابق الأقلام في ادانة مشروع القانون الأمريكي حول تقسيم العراق بعد الوصول الى درجة العجز في حل مشكلته . وثمة صوت من البرلمان العراقي يطالب يغلق السفارة الأمريكية وطرد سفيرها من العراق .
المجابهة لسد الطريق اما المشاريع الخارجية لإختراق العراق ، لا تُحمَلُ على الغضب والإحتقان واطلاق التهديدات على عواهنها والبلاد تعاني من الإنقسامات الرسمية والمدنية . واعلامها الرسمي والصحفي زاخر بالإشاعات والتأويلات والتقولات والتطير ، حيث تصدر التصريحات والكتابات بمعزل عن التأني والتماهل للوقوف على حقيقة الأمر . واحياناً تكون حملات مفبركة لتسفيه وتخوين زيد من الناس وملاحقته بمختلف الطرق .
لماذا نتفاجؤ أن يكون العراق ــ وهوعلى حالته المزرية ــ موضع اختراقات وتدخلات اجنبية ، الا يصح قول المثل " تـحــد السكاكين دائماً على الثور الصريع "..؟
إذا كان العراقيون جادين في الوقوف بوجه المشاريع الأجنبية الطامعة في بلدهم او اللاعبة بمقدراته .! ما عليهم الاّ رصّ صفهم الوطني ، وشحذ قواهم لإنهاء الصراع في ما بينهم على مدار عقد من السنين. ترى ماذا يتوقعون وماذا ينتظرون من دول اجنبية ، غير الحلول التي تصب اولاً في مصلحتهم هم .
لقد اختبر العراقيون التناجز والتباعد والإقتتال ، وفسحوا المجال لدخول الأجنبي في شأنهم الوطني ، ليشعل نار الفتنة بين ابناء الشعب الواحد ، حيث شق صفوفهم وإستدرجهم لحرب طاحنة ، زعزعت كيانهم واستقرار بلادهم . لعله يحدث هذا لأول مرة في تاريخ الدولة العراقية منذ تأسيسها .
وبالنتيجة ، استقطبَ هذا الصراع وتمخضَ عن هجمة بربرية منظمة ما بين الداخل والخارج .. ازلامها وحوش كاسرة ..أعلنت نفسها دولة اسلامية على اراضٍ تمثل ثلث مساحة العراق . وبغض النظر عن تفاصيل هذا الحدث التاريخي المدمر الذي انكشفت كل مفردات تكوينه ومناصرته ودعمه . اليوم يذيق العراقيين مرارة القتل الجماعي والتخريب ومس القيم والتجاوز على الأصول والكرامة ، والقيام بشرعنة كل ما في جعبته مما هو مرفوض في عالم اليوم ، كما ويلحق الدمار في كل مناطق تواجده في العراق .
وبالنتيجة ، انكشف هذا التنظيم لدى الكثير من العراقيين المخدوعين به . وإثر ذلك ، بدا يتوالد اصطفافاً شعبياً جديدأ وشعوراً بواجب النهوض بوجه هذه القوى الضالة لتطهير العراق من براثنها .
ويتجلى ذلك في ما حصل في تحرير صلاح الدين وما يحصل اليوم بمشاركة مقاتلي الحشد الشعبي الى جانب القوات المسلحة وأبناء العشائر في محافظة الأنبار . وعسى أن يكون في ذلك ما يدرؤ الصدوع بين ابناء الشعب الواحد .
إذاً السبيل الوحيد لخروج العراق من مأزقه ، هو الإعتماد الكلي على مشروع المواطنة المؤدي الى الحصانة الحقيقية للعراق واستقلاله وسيادته . وعلى هذا الأساس تقوم وحدته ، ولم يبق متسع للتدخل في شئونه والحديث عن التلاعب في خارطته السياسية .