الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
شبح التقسيم ومسؤوليتنا
بقلم : مرتضى عبد الحميد
عرض صفحة الكاتب
العودة الى صفحة المقالات

كثيرا ما نلام من بعض الأصدقاء، قبل الأعداء، لأننا ننتقد العديد من جوانب السياسة الأمريكية، ونسلط الضوء على جذورها الطبقية، وإبعادها الإستراتيجية، سيما وان هذه السياسة، ليست وليدة ساعتها، أو نتيجة ردود فعل عاطفية على إحداث ومواقف واجراءات تقوم بها الإطراف الأخرى، كما يحصل لدينا عادة، حيث تمارس السياسة، وتتخذ المواقف حتى الإستراتيجية منها، على أساس ردود الفعل السريعة وغياب النظرة المستقبلية عنها.

من بين ما كنا نلام عليه، موقفنا المبكر من الغزو الأمريكي لبلدنا، وتسميته بصريح العبارة احتلالاً، بينما اعتبره الآخرون تحريراً، وسُمي ممثلو الرأسمال المالي والشركات الاحتكارية العابرة للقارات بالمحررين! بل ان سهام اللوم والنقد توجه إلينا وبطريقة بدائية احياناً، عندما نسمي أمريكا، والدول الرأسمالية الأخرى، دولاً امبريالية، وأنها تمارس السياسة بعيداً عن الأخلاق ومصالح الشعوب، وتسعى بقوتها العسكرية والاقتصادية، او بأحابيلها السياسية الى الهيمنة عليها ونهب ثرواتها.

وكم كان محقاً ودقيقاً رئيس السنغال السابق والشاعر الكبير ليوبولد سنغور بقوله: "حين جاء الأوربيون لنا حاملين الإنجيل، كنا نملك أرضنا، وبعد زمن وجدناهم يمتلكون أرضنا ونحن نحمل الإنجيل!" وهذا هو جوهر السياسة الأمريكية والدول الرأسمالية الأخرى، من دون رتوش أو مساحيق.

لم يكن جو بايدن نائب الرئيس الأمريكي يمزح حين طرح قبل سنوات عدة مشروعه لتقسيم العراق إلى ثلاث دويلات طائفية وقومية، وهو العارف جيداً، كما هو حال زميله السناتور "مارك ثورنبيري" صاحب المشروع الجديد، الذي إجازته لجنة القوات المسلحة في الكونغرس الأمريكي، بأن تقسيم العراق على أساس مكوناته الاجتماعية، سيؤدي إلى الاقتتال الداخلي، لان التقاتل هو شرط وجود الطوائف، وهما يعلمان خيراً منا أن الطائفية تشكل تمرداً على المجتمع الحديث ومعايير الحداثة، وتقيم تناقضاً بين إرادة الطائفة وإرادة المجتمع، وتدمر في ذات الوقت معايير العقل الموضوعية، بأسم التعاليم الطائفية، وتحطم مفهوم الديمقراطية بأسم التعايش المستحيل بين هذه الطوائف المغلقة، بل ان الاقتتال وعدم الاعتراف بالأخر، سينتقل إلى داخل المكون الواحد، كما رأيناه وعشناه مرات عديدة، فضلاً عن المشاكل الهائلة التي ستنشأ بين هذه الدويلات "البايدينية" ودخولها في حروب لا يعرف مداها أو عمرها الزمني إلا الراسخون في النصب والاحتيال وتدمير الشعوب.

بيد أن هذه المشاريع الجهنمية لا تنتعش، ولا تتصدر الواجهة، إلا عندما تكون البيئة السياسية الداخلية للبلد المعني ملائمة لها، وتنخر فيها عوامل التشرذم، وعدم الثقة، والصراعات العبثية، المنطلقة من تغليب المصالح الشخصية والطائفية والقومية والحزبية الضيقة، على مصلحة الشعب ووحدة الوطن، وهو السائد بامتياز في حياتنا وعمليتنا السياسية الكسيحة.

لا يستطيع الخارج أن يقسم الداخل، مهما كان هذا الخارج قوياً ووقحاً، العلة فينا، وليست في غيرنا، الأمر الذي يلقي على عاتق شعبنا، والسياسيين الذين مازالت ضمائرهم حية، وشعورهم الوطني متقداً، أن يوحدوا جهودهم، وكل إمكانياتهم لكنس من أوصلنا إلى هذا الحضيض، وإلحاق الهزيمة بهذا المشروع الإجرامي، وأدواته التنفيذية من "داعش" وغيرها، ومن سياسيين ارتضوا لأنفسهم أن يكونوا وقودا لنار مستعرة يحترق فيها الوطن والشعب سوية.

لاتستهينوا أيها العراقيون بالمخاطر التي تنطوي عليها هذه المشاريع الكارثية، ولا بالتخريب الذي يمارسه بعض السياسيين.

  كتب بتأريخ :  الثلاثاء 05-05-2015     عدد القراء :  1914       عدد التعليقات : 0