الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
حرب الخنادق الطبقية في الانتخابات البريطانية
بقلم : ماجد الياسري
عرض صفحة الكاتب
العودة الى صفحة المقالات

مع اقتراب يوم الانتخابات البريطانية في السابع من ايار 2015، تشهد بريطانيا تصاعد حمى الحملة الإعلامية والتراشق بالتصريحات والبيانات وبنتائج استطلاعات الرأي بين الحزبين الرئيسيين، حزب المحافظين الحاكم بزعامة ديفيد كاميرون، رئيس الوزراء، وحزب العمال المعارض بزعامة إد ميليباند. بينما يتلاشى الحزب الديمقراطي الليبرالي بقيادة نك كلغ، شريك المحافظين الأصغر في الحكم ونائب رئيس الوزراء.

وتشهد حظوظ الحزب الديمقراطي الليبرالي الانتخابية تراجعاً حاداً حسب استطلاعات الرأي، خاصة بين أوساط الطلبة والشباب بسبب دعمه للبرنامج الحكومي في التقشف وتراجعه عن تنفيذ وعود خفض النفقات الدراسية الجامعية التي تبلغ بحدود ٩ آلاف باوند سنويا والتي منعت أبناء العوائل الفقيرة والمتوسطة الدخل من دخول الجامعات.

مقابل ذلك يشهد حزب استقلال بريطانيا الشعبوي تقدماً ملحوظاً على حساب المحافظين بسبب شعاراته المطالبة بالخروج من الاتحاد الأوربي ووضع قيود مشددة على هجرة الأجانب. ومعروف ان تجمعات عنصرية ويمينية متطرفة تنشط داخل هذا الحزب. اما حزب الخضر، ولديه حالياً عضو واحد في البرلمان، فانه حزب صغير وتأثيره محدود جداً.

على صعيد المناطق، هناك الحزب الوطني الويلزي "بلايد كيمرو" الصغير ويتحدد تواجده ونشاطه وبرنامجه بمنطقة ويلز، وفي اسكتلندا، التي تتمتع بحكم ذاتي، ينشط الحزب القومي الاسكتلندي المطالب بانفصال اسكتلندا عن المملكة المتحدة، وتعاظمت شعبيته بعد الاستفتاء بشأن الانفصال في 2014، والذي وإن فشل، فقد أتاح للحزب فرصة كبيرة لتوسيع نفوذه داخل أوساط الشباب على حساب حزب العمال في اسكتلندا الذي شهد انخفاضاً في شعبيته حسب الاستطلاعات الاخيرة. وهناك ايضا احزاب ايرلندا الشمالية، وهي جزء من المملكة المتحدة، إلا ان حضورها في المشهد السياسي والإعلامي المحتدم محدود جداً.

وما يلفت النظر ان الانتخابات الحالية في بريطانيا هي الأكثر حدة وتمايزاً في الشعارات والمطالب والبرامج المطروحة لاجتذاب اصوات الناخبين.

ميليباند أفضل أداءً

فمثلا مع اشتداد الضغط على كاميرون، رئيس الوزراء وزعيم المحافظين، للدخول في مناظرة تلفزيونية مباشرة مع ميليباند زعيم حزب العمال، رفض كاميرون ذلك بشكل قاطع وأصر على ان تضم المواجهة الأحزاب الاخرى التي سبق الإشارة اليها، او اجراء مقابلة تلفزيونية بشكل انفرادي من دون المواجهة وجهاً لوجه، وهو ما حدث بالفعل.

وسبقت هذه المناظرة حملة مكثفة في الصحافة والتلفزيون للتسقيط الشخصي ضد زعيم حزب العمال وتصويره بأنه شخصية ضعيفة ومثيرة للضجر وذا سياسات خرقاء ويريد إعادة "الحمر" الى الحكم. الاّ ان نتيجة المواجهة التلفزيونية الاولى كانت في معظم التقديرات لصالح ميليباند الذي تعامل بشكل جيد مع أسئلة مقدم البرنامج باكسمن، المعروف بشراسته في طرح الأسئلة والتي غالبا ما تكون ذات طابع استفزازي. وفي وقت لاحق جرت أيضا مواجهة تلفزيونية شاركت فيها ألاحزاب السبعة المشار اليها سابقا، وكان أداء ميليباند فيها جيداً، مع استحسان واسع في اسكتلندا، حسب استطلاعات الرأي، لأداء نيكولا ستيرجون زعيمة الحزب القومي الاسكتلندي.

وكان تكتيك كاميرون في المناظرة التلفزيونية، محاولة إحراج ميليباند ووضعه في مواجهة الحزبين القوميين الإسكتلندي والويلزي، بأمل ان يفقد توازنه من ناحية الأداء والطرح السياسي. لكن النتيجة كانت ايضا لصالح ميليباند في اغلب التقديرات.

وأمام تعادل الاستطلاعات بين الحزبين الرئيسيين اضاف كاميرون سلاحا ثقيلا تمترس في الخندق الاقتصادي على شكل رسالة مفتوحة نشرتها صحيفة الديلي تلغراف المعروفة بولائها التاريخي لحزب المحافظين، حملت تواقيع اكثر من ١٠٠ من رؤساء المؤسسات المالية وشركات الاتصالات والخدمات الأكبر في بريطانيا، هددت فيها بانهيار الاقتصاد البريطاني في حال فوز ميليباند لأنها ستغادر بريطانيا الى ملاذات آمنة هربا من الضرائب التي سيفرضها عليها حزب العمال والزعم بأن ذلك سيؤدي الى تزايد البطالة والتضخم. وحذروا الناخبين من كوارث اقتصادية، معتبرين ان الرهان الناجح هو حزب المحافظين، وافرطوا في مدح سياساته الاقتصادية. وبعد ذلك باسبوع نشر عدد من كبار الأطباء البريطانيين رسالة مفتوحة تناولوا فيها المخاطر المحدقة بالنظام الصحي البريطاني في حال فوز المحافظين، وشكل الخندق والمتراس المضاد. وجرى عبر هذه الخنادق والمتاريس التراشق بتصريحات من العيار الثقيل وتقديم وعود إضافية للناخبين.

من جانبه، أشار سكرتير الحزب الشيوعي البريطاني روب غريفيثس، في مقابلة تلفزيونية الى أن هذا التمايز لم يحدث لسنوات طوال.

ومن الملاحظ بروز حزبين خلال هذه المواجهات الإعلامية، أحدهما حزب استقلال بريطانيا الذي يتصف خطاب زعيمه نايجل فاراج بشعبوية مفرطة والادعاء انه الرجل الأقرب الى المواطن البريطاني حيث يظهر في معظم المقابلات التلفزيونية وهو يحتسي البيرة في حانة شعبية. الحزب الآخر هو الحزب القومي الاسكتلندي الذي تؤكد جميع التقديرات ان زعيمته نيكولا ستيرجون هي الأكثر جاذبية وحضورا في المناظرات التلفزيونية.

معركة العمال والمحافظين

ومع ذلك فان المعركة الحقيقية هي بين حزب العمال وحزب المحافظين اللذين تظهر استطلاعات الرأي انهما لا يزالان متقاربين جداً.

وقد اتضحت الآن في هذه المعركة الانتخابية الخنادق المتقابلة، على حد تعبير غرامشي، التي يتمترس فيها الحزبان الرئيسيان، فحزب المحافظين يقف الى جانب رجال الاعمال والأثرياء وكبار المصرفيين الذين جنوا ثروات طائلة بما منحوه لأنفسهم من مكافآت حتى عندما كانت المصارف معرضة للانهيار بسبب الأزمة المالية والاقتصادية.

ويدعو برنامج حزب المحافظين الى خفض الضرائب على أصحاب المداخيل الكبيرة، ويمنح امتيازات لكبار الملاكين وشركات العقار الكبيرة، الى جانب تقليص الضوابط على عمل ونشاط الشركات المتعددة الجنسيات وخفض الإنفاق على القطاعين الصحي و التعليمي.

وبعد تقدم حزب العمال في استطلاعات الرأي تناقلت وسائل الاعلام بعض الفضائح مثل قيام بعض مدراء أحدى شركات الاتصالات الكبيرة بمنح أنفسهم قروضا تعد بمئات آلاف الباونات في الوقت الذي كانت الشركة في حال افلاس وانهيار تام. وفي مثال آخر، أقدم احد مدراء شركات النفط التي اندمجت مع شركة نفطية أخرى، على منح رواتب وحوافز ومكافآت تقارب الخمسين مليون دولار مقابل شهرين من العمل الفعلي. ولجأ حزب المحافظين الى إصدار بيانات كمحفزات انتخابية موجهة شكليا الى الطبقات الفقيرة ولكنها بالتحليل النهائي ايضا في مصلحة القطط السمان، كما تفادى الحزب الحديث عن البرنامج التقشفي حال فوزه بالانتخابات.

أما حزب العمال فقد تناول برنامجه الانتخابي فرض ضريبة تصاعدية على الدخول والمكافآت الممنوحة للمصرفيين وإلغاء التسهيلات الضريبية لغير المقيمين في المملكة المتحدة، وهو إجراء يتبعه كبار الاثرياء للتهرب من الضرائب البريطانية. كما تضمن برنامجه الانتخابي تجميد أسعار الكهرباء للمستهلكين لسنتين وزيادة الإنفاق على الصحة والتعليم، وتقليص البرنامج النووي البريطاني ومنع احتكار الاعلام من قبل باروناته مثل مردوخ.

أما الحزب الديمقراطي الليبرالي فانه شعاره التأكيد على ان حضوره القوي في البرلمان سيخفف قسوة المحافظين و"يمنح عقلاً" لحزب العمال الذي سيفرط -حسب ادعاء الديمقراطيين الليبراليين- في الإنفاق على المشاريع الاجتماعية ما سيدفع الاقتصاد الى الهاوية، الاّ ان حظوظهم الفعلية محدودة، ووصف المعلقون السياسيون برامجهم الوسطية بأنها كعب اخيل وسبب نبذ الناخبين لهم.

وقد صدمت ستيرجون بالترتيبات التي تناولها الأعلام بشأن لقائها السفير الفرنسي وتصريحها له بأنها تفضل فوز المحافظين على حزب العمال وتأكيدها ان اسكتلندا تأتي أولا في نهجها السياسي، اما الأحزاب الصغيرة فتكتيكها هو الحصول على اكبر عدد من المقاعد في البرلمان كي تصبح بيضة قبان او "صانع الملوك" في التعبير السياسي البريطاني.

في ظل هذه الخنادق المتقابلة، اُستخدم الاعلام وبشكل خاص الصحافة والتلفزيون الى جانب النشريات التي توزع في المحلات والمناطق السكنية من قبل النشطاء الحزبيين والمتطوعين، الى جانب الزيارات المباشرة الى البيوت من قبل المرشحين للبرلمان.

ولا توجد المظاهر الكريهة من لافتات تحمل صور المرشحين او ملصقات او شعارات على الجدران، عدا ما يضعه بعض المواطنين من بوسترات على نوافذ منازلهم او على الواح مثبتة في حدائقهم.

تنظيم عمل الاحزاب

في بريطانيا هناك تشريعات ولوائح تنظم عمل الأحزاب ومصادر تمويلها ويتم تطبيقها بصرامة، وأي إخلال بها يؤدى الى عواقب و عقوبات مؤذية للحزب والمرشح. كما تحدد المنافسة الانتخابية حقوق وواجبات الناخب، ويؤدي تجاوزها الى تعرض المخالف الى عقوبات.

ويدلي المواطن بصوته بكل حرية وبأشكال عدة من ضمنها التصويت عبر البريد، اضافة الى التوجه الى المراكز الانتخابية.

يشار ايضاً الى ظاهرة لافتة للنظر تتمثل بالدور المتصاعد للشباب وطروحاتهم السياسية الناضجة، والتي يلاحظ عليها الانحياز الطبقي الاجتماعي، إضافة الى كثرة عدد المرشحين من الشباب والنساء.

الجدير بالذكر ان والد إد ميليباند زعيم حزب العمال كان من ابرز مفكري تيار اليسار الجديد في بريطانيا وله مؤلفات نظرية هامة، أحدها متوفر باللغة العربية بعنوان " اشتراكية في عصر شكاك" (دققه وراجعه الرفيق د.غانم حمدون) وهو جدير بالقراءة.

اما الحزب الشيوعي البريطاني فيخوض الانتخابات بتسعة مرشحين، ويتصدر برنامجه الانتخابي شعار "افرضوا ضرائب على الاثرياء"، مع تعهدات بتبني سياسات "تخدم الملايين، لا المليونيرية" وبإنهاء سياسة التقشف واعادة تأميم السكك الحديد. كما يؤيد الحزب خروج بريطانيا من الاتحاد الاوروبي باعتباره ممثلاً لمصالح الاحتكارات ويدعو الى الخروج من حلف الاطلسي الذي يعتبره اكبر تهديد للسلم العالمي. ويتنافس ستة من مرشحيه في دوائر انتخابية يسيطر عليها حالياً حزب العمال. ومن ضمن مرشحيه لورا جين روزينغتون التي تبلغ من العمر 18 عاماً، وتعتبر أصغر المرشحين سناً في انكلترا.

  كتب بتأريخ :  الأربعاء 06-05-2015     عدد القراء :  1953       عدد التعليقات : 0