الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
سوق الحرائق العراقية

أضاف حريق الشورجة ليلة البارحة علامة استفهام جديدة حول تكرار نشوب الحرائق الكبيرة عموماً وحرائق سوق الشورجة على وجه الخصوص ، بالرغم من تصريحات المسؤولين بعد كل حادث ، حول ضرورة اتخاذ اجراءات وتدابير ( مشددة ) للحد من ذلك ، كان آخرها ( توصيات ) الأمانة العامة لمجلس الوزراء في الخامس والعشرين من آيار عام 2013 ، المتضمنة رفع التجاوزات عن الشبكة الكهربائية والسعي لإصدار قانون الدفاع المدني ، ولم يتم تنفيذ أي منهما على الأرض الى الآن !.

لقد بدأ هذا المسلسل منذ عام 2005 ، وهو مستمر في تصاعد ملحوظ في عدد حلقاته السنوية و أقيام خسائره الاقتصادية ، أما الخسائر البشرية فهي في الغالب لا تمثل الاعداد الحقيقية من الضحايا ، سواءاً من جراء الحريق وقت حدوثه ، أو الواقعة بسببه ثأراً بين الاطراف المتأثرة سلباً وايجاباً بنتائجه .

الملفت في هذه الحرائق ، سواء الحاصلة منها في المؤسسات الحكومية أو في سوق الشورجة ، أنها جميعها كانت بسبب ( تماس كهربائي ) ، وأن هذا ( التماس ) كان في الغالب يحدث في ساعات الليل ، ويساعده في ( ضمان الحدوث ) انفجار مولدة كهربائية ، علماً أن الطبيعي أن تكون الاحمال على منظومة الكهرباء في هذه المواقع ليلاً منخفض بنسبة كبيرة جداً عنه في النهار ، لان انشطتها بالأساس شبه متوقفة ، أن لم نقل أنها متوقفة تماما ً.

ما يثير التساؤل أيضاً ، أن بعض هذه الحرائق كانت أقرب الى ( التخصص ) منه الى العمومية ، والتخصص الذي نعنيه هو في توقيت الحريق وموقعه ، أي أن حريقاً هائلاً يستهدف مخازناً للقرطاسية بالتزامن مع بدء العام الدراسي ، او حريقاً في مخازن المواد الغذائية مع قرب حلول شهر رمضان ، لا يمكن الا أن يكون المتسبب فيهما على علاقة وثيقة مع المدعو ( تماس كهربائي ) ، يخدمان بعضهما بأيادِ متخصصة وبأثمانِ تتناسب مع النتائج !.

لقد تحول(بعض)الفاعلين في السياسة الى لاعبين كبار في التجارة ، وهو ما القى بظلاله المؤذية على الشعب، اذا أن لكل منهما دوره وساحة نشاطه وواجباته وفق القانون ، والجمع بينهما في ظروف العراق الآن يفسدهما معاً ، كنتيجة طبيعية لضعف تطبيق القوانين ، ناهيك عن اعتماد قوانين لا تتناسب مع الواقع الجديد ، واستمرار تعطيل الاجراءات المعتمدة لسن قوانين جديدة نتيجة الصراعات السياسية أو بأتفاق الاطراف المتصارعة ، خدمةً لمصالحها الضيقة على حساب مصالح الشعب ، والتجارة هي أوسع ملاعب هذه المصالح ، وسوق الشورجة اكبرها على الاطلاق .

أن بقاء سوق الشورجة في موقعه ووفق آليات العمل المتخلفة فيه ، بعد الارتفاع الهائل لمناسيب الاستيراد وأقيامها منذ 2003 ، يمثل واحدة من الشواهد الكبيرة على عدم وجود تخطيط وبرامج علمية مفيدة في جعبة الحكومات المتعاقبة طوال الفترة الماضية ، وهو تحصيل حاصل نتيجة ضعف الادارات وابعاد الكفاءات عن مواقع القرار ، وقد تسبب ومازال بالهدر المستمر للمال العام وتنامي الفساد في جميع مفاصل الدولة ، فبدلاً من أن يكون موقع هذا السوق المهم والكبير خارج الرقعة السكنية للعاصمة ، ويتم تصميمه وانشائه وفق احدث المفاهيم والخرائط المعمول بها في باقي دول العالم المتطورة ، وتتم حمايته وتطوير العمل فيه لصالح الاقتصاد العراقي ، نجد أن بقائه في موقعه وعلى حالته البائسة التي تمثل أكبر عنوان للفوضى وسط العاصمة ، كأنه بقاء بفعل ( فاعلين ) !.

لاشك أن كل حادثة حريق كبير في مؤسسة حكومية أو اقتصادية كبرى كسوق الشورجة ، تتسبب في هدر بالمال العراقي سواء كان عاماً أو خاصاً ، ولأن (اسطوانة) التماس الكهربائي لم تعد مقنعة في بعض الحالات ، فأن حدوث الحرائق بنتيجته كذلك تعد اهمالاً وتقصيراً من الجهات المعنية بهذا الشأن ، سواء كانت جهات حكومية أو تشريعية لضعف ادوارهما التنفيذية والرقابية ، والتي بنتيجتها لم يقدم الى القضاء أي متهم بالتسبب بحدوثها ، وكأن الفاعلين اشباحاً لا يطالهم القانون ، وهو أمر له تداعيات كبيرة وخطيرة ، ليس أقلها استمرار هذه الحرائق التي تكاد تتحول الى ( بضاعة ) عراقية لها سوقها الخاص وزبائنها المنتفعين .

  كتب بتأريخ :  الأحد 17-05-2015     عدد القراء :  3132       عدد التعليقات : 0