الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
أنقسام العراق .. واقعاً.. صنعه العراقيون...؟
بقلم : طلال شاكر
عرض صفحة الكاتب
العودة الى صفحة المقالات

من خلال مصادرة الاخر وتدمير التنوع العراقي ، وجعل الانتماء البعثي القسري لقد اثار مشروع القرار السيئ في مضمونه وتوقيته الذي قدم قبل فترة في مجلس النواب الامريكي  حول الاكراد والسنة (كدولتين) يمكن التعامل معهما  مباشرة كتسليح... الكثير من  ألصخب وألزعيق وألمزايدات ألخرقاء التي صدرت من كتل وشخصيات مختلفة تعالت فيها الاصوات المنددة بمشروع القرار في استغفال رخيص للعراقيين مثلوم في مراميه ودواعيه مستظهرين وطنيتهم وحميتهم على العراق زوراً وبهتاناً. بدءاً اقول في مقالتي هذه لا أقصد إلا العراقيين الذين يتحكمون بالقرار السياسي في بغداد من ذوي الحلقات المتنفذة...

تاريخياً بذور الانقسام هي صنيعة النظام الدكتاتوري البعثي عندما حطم الهوية العراقية القلقة وشتت عناصرها حينما أخضع الانتماء الوطني  لهوية فرعية سياسية طارئة على حساب الهوية الوطنية المفروض على العراقيين بمثابة هوية جديدة جرى من خلالها اختزال التنوع المجتمعي والتمهيد لتناسل مفاهيم وقيم وانحدارات سافلة صنعت غربة العراقيين وبعثرت انتماءهم ، وكان الاستبداد والاخضاع والرعب الدائم عوامل ساهمت في تحطيم ألروح الوطنية العراقية  وجعلت من مفهوم الشعب العراقي صيغة مخترقة وواهنة كتشكيلة اجتماعية سياسية اقتصادية ثقافية. في مثل هذه الاوضاع غدا الانتماء للوطن رابطة شكلية بلا ثقافة وطنية جامعة ومحفزة أو مصلحة مطلوبة... وفي المحصلة انتج الفكر الشمولي البعثي تطرفاً منفلتاً فجر موجة حروب عبثية وانهيارات مدمرة وانقسام مركب وعقوبات دولية موجعة، فرضت واقعاً انقسامياً خطيراً خسر العراق ما بناه طيلة عقود مضنية....

بعد 2003  وسقوط النظام الدكتاتوري جرت العملية السياسية في بلد منقسم بكل ماتعنيه الكلمة من مغزى ومعنى . فالبلاد تفتقد الى اية مؤسسة وطنية جامعة ممكن الركون أليها كعنوان للوحدة الوطنية فالمتبقي من حطام الدولة الاستبدادية الرخوة السابقة عبارة عن تشكيلات ادارية بائسة ومستهلكة غير قادرة على اداء دور وطني في منعطف تاريخي جديد. القوى الطائفية والقومية السنية والشيعية والكردية لعبت الدور الريادي في هذه المرحلة وشرعنت لتقسيم ماهو مقسم ومجزاْ عبر دستور وضع بمفاهيم سياسية قانونية كرست تفتيت العراق وانقسامه وهذا الدستور عبارة عن عقد تساومي مهين خلط الامور وعقدها وأجهز على امكانية بقاء العراق موحداً بصيغة ديمقرطية مرنة لبناء دولة وطنية مدنية جامعة..

لم يستفد القابضون الجدد على السلطة من الامكانية الجديدة التي وفرها ألتغيير والاتعاظ  من دروس التاريخ وتجاوز ماكان خاطئا ومخلاً في الموضوع الوطني الذي مارسه النظام البائد..  فجاء البديل مخيباً للامال حين تمسكت القوى السياسية الشيعية بمفهوم الاغلبية الطائفية على حساب الانتماء الوطني الاوسع.. وانطلاقاً من سياقاته جرى فرض ممارسات واجراءت  برؤية ضيقة واعتبارات غير مسؤولة، ففرضوا مفهوم التحاصص والتوافق وظهروا كمروجين ومرسخين لدكتاتورية الاغلبية من موقع طائفي ومارست مليشياتهم عنفاً وتعصباً وانتهاكات وحشية كنتيجة لهذا ألدور ألطائفي ألشمولي، ولم يفعل الامريكان ماهو ضروري ومطلوب لوقف هذا الخلل الكبير المدمر ، السنة قاوموا التغيير وخاضوا معركة بمنطوق انتحاري واصروا على مفاهيم ومنطلقات عززت التعصب والتطرف والطائفية بين صفوفهم وتمزقوا ككتل بعناوين مختلفة وغدت مناطقهم حاضنات وملاجئ لاشد ألارهابيين والمتطرفين دموية ووحشية، وجابهوا المشروع الشيعي الطائفي بنظير طائفي فعقدوا الموقف وأزموه وفي نهاية المطاف تخلوا عن المشروع الوطني تحت وطأة تصورات وتقديرات خاطئة وهم اكبر الخاسرين. اما الاكراد فكانوا اوضح الجميع  رؤية وممارسة فهم ضد قيام دولة وطنية جامعة ولايأمنون بعراق موحد ديمقراطي فدرالي ويسعون بكل وضوح للانفصال وتكوين دولة كردية وكل حديث عن وحدة العراق من جانبهم هو هراء وأستغفال سياسي مفضوح وهم يراهنون على الوقت واللحظة الحاسمة  في تقوية كيانهم الذي هو حالياً بمثابة دولة لاعلانها رسمياً  وفي معادلة الوحدة العراقية  يبقون الاكثر تهديداً واضعافاً لوحدة العراق.... والغريب في الامر نجد الكثيرمن المسؤولين وبخاصة المتياسرين منهم الذين ما انفكوا يرفعون عقيرتهم رفضاً واتهاماً وتنديداً بالامريكان لانهم يهددون وحدة البلاد بمشاريعهم المريبة ويذكرون مشروع بايدن بأستياء شديد، بينما البرزاني و قادة الاكراد يصرحون علناً ويعملون على الارض من أجل عراق منقسم وهم اساساً لايعترفون بدولة اسمها العراق رغم مشاركتهم في البرلمان وألحكومة، والقضية لاتحتاج الى تنظير استثنائي لاثباتها دون ان يلاقوا موقف قانوني ووطني يقف في وجههم...

لم تدرك الطبقة السياسية الشيعية ان بناء الوطن والحفاظ على وحدته وبناء الهوية الوطنية والسير نحو دولة المواطنة هو حاصل كفاح تاريخي لايصنعه السلاح والدم والمظلومية التاريخية فقط ، بل العرق والاخلاص وسمو القيم والشرف السياسي التي تبنيه الثقافة والفنون والذاكرة الوطنية بعلمائها واودبائها ومثقفوها، كمقومات تبنى وترسخ من قبل مؤسسات التنوير والافكار في ظل بيئة تحترم التنوع والتعددية والمساواة وتدعمها يترافق ذلك بتمسك الجميع بمرجعية الدولة والقانون فقط.

أن التمادي في جعل الوطن العراقي الممزق بمثابة مضمار شيعي وتجاهل تاريخ العراق وتنوعه هو ماساهم في تمزيق العراق وتهميشه وفتح الباب لللاخرين التدخل بشؤونه كواقع حال. وتتحمل الطبقة السياسية الشيعية المسؤولية الاكبر عن ذلك الخلل القاتل بوصفها تقود الحكومة وتؤثر على مصير البلاد بشكل حاسم وتتحمل مسؤولية ماجرى من فساد ونهب للعراق وعلى عاتقها يقع فشل ادارته وتطويره.. وقد الحقت مساومتها الرخيصة على حساب الوطن والشعب في مواقع كثيرة افدح الاضرار بهما.. من جانب اخر يمكن القول أن غياب الخطاب الوطني المشترك بين الشيعة والسنة فتح باب الانقسام افقياً وعمودياً بطريقة غير معهودة (ولو) كان موجوداً مثل هذا الخطاب الوطني ما تجرأ احداً  داخلياً كان اوخارجياً التفكير بمس وحدة العراق وسيادته .. فعلام يتباكى السنة والشيعة على العراق ووحدته، بعد ان كانوا سبب تجزأته وضعفه. كيف لايتمزق الوطن وهنالك العديد والعديد من المليشيات الشيعية وكيانات طائفية ومراكز قوى داخل السلطة وهنالك مرجعية شيعية فوق القانون والدستور، في حين ينقسم المجتمع السني في ولائه بين داعش وطائفته بتعصب مترامي، دون ان يمتلك رسالة وطنية واضحة ومقنعة والصوت السياسي العقلاني مازال واهناً ومشتتاً...  ناهيك عن الاكراد ودورهم الانقسامي الواضح وغطرسة قادتهم العنصرية المنفلتة.

هذا هوالعراق وهذه نوائبه فلماذا نضع اللوم على الاخرين ونتنصل من مواجهة المسؤولية . قد يتساءل العراقيون ما العمل وماهو الحل. اقول لوكان التقسيم سبيلاً الى الحل وخروجا من المأزق الذي نحن فيه لبادر الكثير من العقلاء لتأييده ودعمه  وكنت اولهم، فالتقسيم برأيي هو اسوء الحلول وأخطرها في بلد ملتهب ومتأزم ومتنازع حول امتار من الارض بين مكوناته فكيف بوطن واسع متداخل ومتشابك بين اراضي ومواطنين بهويات فرعية متباينة فمالك بوجود داعش واحتلاله لاراضي جديدة في (مناطق متنازع عليها) فكيف ستكون التداعيات جراء هذا الوضع الكارثي بعد هزيمة داعش وكم من السنين يستغرق ذلك لفك عقده. انطلاقاً من هذا الفهم والتقويم  لابد من بناء سياقات جديدة  تتخطى ماهو تقليدي وفاشل، ووضع المستعصيات في اطار سياسي عقلاني وانساني لحلها وهذه السياقات اسميها (الامل المركب) التي تعني جملة من القوانين والمفاهيم والاعتبارات والقيم والتطبيقات كتوازن ومصالح مشتركة لبقاء العراق موحداً وهذه الرؤية تحتاج الى فهم مشترك و تطوير ومثابرة وتضحية، وهذا الامل يجعل العراقيين يتمسكون بالعيش المشترك كرغبة وخيار واقعي يتجاوزون فيه بديلاً عاصفاً ودموياً هو التقسيم المدمر الذي  سيعني خوض معركة انتحارية مهلكة يحترق فيها الجميع واضطراباً يعم الشرق الاوسط لايمكن حصر نتائجه . ويبقى امل العيش المشترك كخلاص وحل بين المكونات العراقية، لان أمل التفاهم والاتفاق مهما كانت نتائجه ضئيلة وطويلة هو الخيارالواقعي بعد اسقاط فكرة التقسيم المهلكة وهذا لايأتي برأيي الا من خلال:

 وضع عقد سياسي جديد اي كتابة دستور وطني جديد يتجاوز الطائفية والقومية الضيقة نحو بناء مفهوم المواطنة واعاة تشكيل الهوية العراقية بصيغة انسانية حضارية... يجري فيه صياغة مفهوم النظام الفدرالي بدقة، وتحديد مهام الحكومة الفدرالية كمركز جامع يدير وينسق المهام والصلاحيات بين المركز والاطراف. العمل على انهاء كل الملفات العالقة. تشريع قانون الاحزاب. والنفط والغاز.. انهاء نظام المحاصصة الطائفي وابداله بمفهوم الكفاءة الوطنية تدريجياً. رفض وتحريم اي قوى مسلحة خارج القانون والدولة .. ترسيخ مفهوم الدولة بوصفها مرجعية العراقيين جميعاً ومنع التداخل بينها وبين مرجعيات اخرى سواء كانت حزبية او دينية اوعشائرية أو مناطقية. اعادة النظر جذرياً بالعلاقة مع اقليم كردستان وفقاً لبنود الدستور الجديد وحل كل الالتباسات والغوامض والخلافات المعلقة بالحوار الصبور والمسؤول، واذا كان الامر غير ذلك فليعرف العراقيون الخريطة السياسية الجديدة وموقع اقليم كردستان فيها.. الاتفاق  على سياسة وطنية خارجية موحدة متوازنة في التعامل مع مختلف الدول الاقليمية والعالمية وجعل ذلك من مهام الحكومة المركزية. تفعيل وترسيخ دور القضاء. بناء جيش وطني مهني، ومنع النشاط السياسي الفئوي والطائفي في صنوف القوات المسلحة كافة. رئيس الوزراء والوزراء ونوابهم ممثلو الشعب وليس احزابهم. العمل بمفهوم وصيغة الدولة ومؤسساتها كمضمار للنشاط  والعمل الوطني الموحد بعيداً عن الحزبية والتحازب.. ربما بهذه الرؤى والمقترحات التمس حلاً لعراق ممزق وعراقيين  غدوا خائفين ومشردين وغرباء في وطنهم المنكوب رغم ادراكي صعوبة قبول هذا الامل المركب وتنفيذه لكنه اقل التحديات كلفة وتضحية بوصفه السبيل الوحيد لتجاوز لوعة التقسيم ومأسي الحرب الاهلية اذا اخفقنا بالتفاهم على الحل...

 كاتب عراقي

talalshaker@hotmail.com

  كتب بتأريخ :  الثلاثاء 19-05-2015     عدد القراء :  2133       عدد التعليقات : 0