الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
مذكرة الى الرؤساء ونوابهم وقادة الكتل والاحزاب : المصالحة الوطنية هي سبيل انتشال بلادنا من الازمات
بقلم : طريق الشعب
عرض صفحة الكاتب
العودة الى صفحة المقالات

السيد رئيس الجمهورية المحترمالسيد رئيس مجلس الوزراء المحترم

السيد رئيس مجلس النواب المحنرم

السيد رئيس مجلس القضاء الاعلى المحترم

السادة نواب رؤساء الجمهورية والوزراء ومجلس النواب المحترمون

السادة قادة الكتل والاحزاب السياسية المشاركة في العملية السياسية المحترمون

مرت على شعبنا في نصف القرن الاخير حقبة قاتمة من الصراعات السياسية والعنفية والحروب الخارجية والداخلية، مقترنة بانظمة حكم تميزت بالتسلط والاستبداد والانتهاكات الجسيمة لحقوق الانسان، وفي مقدمتها حقه في الحياة. وبعد التغيير الذي شهدته بلادنا في نيسان 2٠٠٣ اخذ الصراع داخل مجتمعنا، وما رافقه من تدخلات دولية واقليمية مشبوهة، اشكالا وابعادا عميقة وخطيرة، تركت آثارها الثقيلة وجراحها المؤلمة في عموم مفاصل الحياة في بلادنا، واضرت بتماسك النسيج الاجتماعي لشعبنا ووحدته الوطنية وأركان الدولة الوطنية وبنائها.

لذلك تشكل المصالحة الوطنية مدخلا هاما واساسيا لاعادة ترميم واقع الدولة والمجتمع، وضرورة لا غنى عنها لوضع عملية الانتقال الديمقراطي الجارية في البلاد على السكة الصحيحة.

ان المصالحة الوطنية التي تشكل جانبا اساسيا من موضوعة العدالة الانتقالية، باعتبارها حلقة في سلسلة منهاج متكامل تلجأ اليه الشعوب لاجل عبور حقبة من الصراعات والاحتراب والتجاوزات، تبدأ بكشف حقائق الانتهاكات وجبر الضررالفردي والجماعي وتعويض الضحايا وعوائلهم ومحاسبة المسؤولين عن هذه الانتهاكات، بروح السعي الى عدم تكراراها والقطع مع الماضي المؤلم وتركته الثقيلة، والعفو عن بعض المغرر بهم، وخلق روح التسامح والتسامي على النفس الانتقامي . وتجري عملية كشف الحقائق والانتهاكات انطلاقا من عدم امكان تجاهل الامم ماضيها، وكأن المجتمعات التي لا تواجه ماضيها محكوم عليها بتكرار انتهاكات ذلك الماضي.

وقد اكدت تجربة الشعوب التي سبقتنا في هذا المضمار انه من دون عودة السلـم و الأمن والتماسك الوطني، تبقى كل مساعي التـنمية السياسية و الاقتصادية والاجتـماعية عرجاء متعثرة، مثلما يبقى مصير البلد ووحدته الوطنية في مهب رياح الصراع والتناحر والانقسام.

الاهمية الاستثنائية للمصالحة الوطنية في بلادنا

في الظروف السياسية والامنية- العسكرية الراهنة التي تمر بها بلادنا، وجراء ما لحق بها من شروخ وتصدعات آذت وحدتها الوطنية وخلخلت نسيجها الاجتماعي، وارتباطا باستمرار احتلال داعش لاراضٍ واسعة من بلادنا، واستمرار التحريض الداخلي والخارجي ضد التغيير والعملية السياسية في بلادنا، يكتسب موضوع المصالحة الوطنية وبناء الوحدة الوطنية اهمية متزايدة. لا بل ان له الصدارة بين الاولويات التي تواجه الحكومة القائمة، والكتل السياسية المشاركة فيها، وعموم قوى الشعب السياسية وجماهيره. وان من شأن احراز تقدم في هذا الملف الحساس ان توفر مستلزمات دحر داعش وكل اشكال الارهاب، واستعادة الامن والاستقرار والحياة الطبيعية، وانطلاق عملية الاعمار والبناء، والسير بخطوات ثابتة نحو بناء مؤسسات الدولة.

وفي رأينا ان لا سبيل إلى اندمال الـجـروح التي خلفتها المآسي السابقة من دون الـمصالـحة الوطنية .

لذا فان من الضروري ايلاء موضوع المصالحة اهتماما إستثنائيا باعتباره من اولويات وثيقة الاتفاق السياسي، وان يجري تأكيد ذلك في مواقف وتصريحات الحلقات العليا في السلطات الثلاث ، وتجسيده باجراءات عملية واضحة، والسير في هذا السبيل حتى نهايته عبر تحضيرات واستعدادات جادة معمقة ومسؤولة، تؤمّن عدم تكرار الاخفاقات السابقة، وتحول دون اختصار الموضوع بكامله في اجراءات مبتسرة، او بيانات ومؤتمرات إعلامية لا تسمن ولا تغني من جوع.

ان المصالحة نهج ونمط تفكير وطريقة اداء واجراءات عملية واجواء ثقة، وهي مطلب آني وملح غير قابل للتأجيل في الظرف الراهن الذي يمر به عراقنا، ويصعب الحديث عن اي استقرار سياسي واقتصادي واجتماعي ومؤسساتي من دونها. واننا، في سياق السعي الى ذلك، ندعو الى عقد مؤتمر وطني شامل، بعيدا عن الاستعراضات الخطابية والاعلامية، مؤتمر تشارك فيه القوى والاحزاب المؤسسة للعملية السياسية والمشاركة فيها، سواء كانت مساهمة في الحكومة اليوم او هي خارجها، ويمكن توسيعه في وقت لاحق ليشمل قوى وشخصيات ومنظمات اخرى. وان مؤتمرا كهذا يتوجب التحضير الجيد له عبر لقاءات ومداولات ثنائية وجماعية تسهم في خلق الأجواء المناسبة وتقريب وجهات النظر لإنضاج المقترحات والحلول ، وان تتمثل مهمة المؤتمر الاساسية في تصحيح مسار العملية السياسية ووضعها على السكة السليمة، بما يفضي الى الخلاص من المحاصصة الطائفية - الاثنية، والتوجه نحو بناء الدولة المدنية الديمقراطية الاتحادية وتحقيق العدالة الاجتماعية.

لماذا ينبغي أن تكون المصالحة الوطنية من اولويات الحكومة ؟

هناك جملة عوامل توجب التعامل مع موضوعة المصالحة الوطنية باعتبارها من اولويات الحكومة الحالية، أهمها:

- ثبوت فشل وعدم جدوى الاحتراب والتخندق كوسيلة لحل المشاكل العالقة بين القوى السياسية،

- تعدد القوى السياسية الوطنية وتنوع انتماءاتها الاجتماعية والثقافية، والحاجة الى مراعاة مصالحها والتوفيق بين توجهاتها على أساس المشترك، الذي يوحد بينها وفقا لمبدأ المواطنة، والوحدة الوطنية.

- ضرورة فتح صفحة جديدة في حياة البلد، وفي العلاقات بين أبنائه على اختلاف انتماءاتهم القومية والدينية والمذهبية والثقافية.

- الحاجة الى التحلي بقيم التسـامح والسلام والـحـوار والتحضر، والعمل على إطفاء بؤر الفتنة والحيلولة دون تأجيج المشاعر وإشاعة روح الخصام والفرقة، سواء كانت طائفية أو قومية أو دينية أو سياسية - فكرية.

- ضرورة ايقاف الحملات الاعلامية والدعائية والنشر الطائفي والاستفزازات المتبادلة وردع من يقف وراءها، وملاحقة منابر التشويش.

- ضرورة الحد من التدخلات الأجنبية أيا كان مصدرها ولونها وأياً كانت دوافعها. فالخصام والانفلات في المشاعر، والفوضى، مهدت وحفزت التورط بالتدخل في الشؤون العراقية الداخلية بما يتعارض مع المصالح العليا للشعب.

- وجوب سحب البساط من تحت أقدام المناهضين لإقامة العراق الديمقراطي الاتحادي ومؤسساته، من الإرهابيين والمخربين وتحت أي مسمى كانوا وبأي غطاء تلحفوا.

- وجوب احترام القانون والمؤسسات الدستورية والديمقراطية، واعتماد نهج الحوار واحترام الرأي الآخر، وضمان حقوق جميع الانتماءات السياسية والفكرية والدينية والمذهبية والقومية ، على أساس من التمسك الكامل بحقوق الإنسان.

- محاربة الفساد السياسي والمالي والإداري ظهير الإرهاب والتخريب.

حدود المصالحة:

تمثل المصالحة الوطنية نمطا جديدا من التفكير السياسي الناضج والمستوعب لدروس التاريخ وخبرته، والتفاعل مع حقائق الواقع. لهذا فلا بد من توسيع دائرة المتحاورين، والسعي الى ضم اوسع ما يمكن من القوى ذات التوجه الحقيقي لإعادة بناء العراق على أسس ديمقراطية حديثة عادلة ومتوافقة مع مباديء الدستور والبناء الاتحادي للدولة، وعلى وفق معايير واضحة مرنة وقادرة على استيعاب التنوع.

ضمن هذا الفهم تكون حدود المصالحة واضحة، بحيث لا تشمل في اي حال - وبالاستناد الى القضاء العادل - من تلطخت اياديهم بدماء العراقيين، ومن يتمسكون بنهج حزب البعث الصدامي، ومن لهم صلة من قريب او بعيد بالارهابيين، في مقابل شمولها جميع من يؤمنون بالعملية السياسية بآفاقها الديمقراطية، وبالعمل السلمي والدستوري.

القضايا العقدية في المصالحة الوطنية

أكدت تجربة السنوات الماضية مجموعة من القضايا العقدية، التي تفرض نفسها على طاولة البحث، وهي:

- توفير المناخ السياسي الملائم لإنجاح المصالحة الوطنية، وضبط الخطاب السياسي، والحؤول دون الخطاب المحرض، الاستفزازي، المتشنج، المؤجج للعداوات القومية، والفتن الطائفية، وللنزعات العنصرية والتكفيرية، والالتزام بأعلى درجات الحذر والدقة في تناول القضايا العامة وخصوصا تلك المختلف عليها، لخلق مناخ وطني نقي يعتمد لغة الحوار والمكاشفة وتشخيص مواطن الخلل.

- المعالجة الجادة والمسؤولة لقضية التشكيلات المسلحة والميليشيات غير النظامية، وفقا لما نص عليه الدستور، وذلك من خلال وضع كل الجماعات المسلحة تحت سيطرة واشراف الدولة، وتفعيل القرارات والاوامر الخاصة بهذا الشان، والقيام بكل الإجراءات الفعالة التي تؤدي، في النهاية، الى حصر السلاح والعمليات المسلحة بيد الدولة وأجهزتها المخولة.

-إعادة النظر بوضع هيئة المساءلة والعدالة وفقا لروح الانصاف و المصالحة الوطنية، وتعديل قانونها ووضع سقف زمني لانهاء العمل بموجبه، خصوصا وقد مرٌ على سَنـّه والعمل به اكثر من عشر سنوات، مما سيسهل إعادة دمج أعداد كبيرة من المواطنين الذين لم يرتكبوا جرائم ضد الشعب العراقي.

- التفكير الجدي باصدار عفو عام او خاص، ومعالجة ملف السجناء والمعتقلين والهاربين في اطار القانون والدستور.

- الحاجة قائمة ايضا لاعادة قراءة قانون مكافحة الارهاب، وتكييف او تدقيق مواده بما يساعد على خلق اجواء ايجابية للحوار والتفاهم.

- تفعيل دور القضاء العراقي واحترام استقلاليته.

- إقرار قانون الحرس الوطني واشراك ابناء المناطق المسيطر عليها من طرف داعش في المعركة ودعمهم.

- انصاف اسر شهداء وضحايا النظام الدكتاتوري السابق وأسر ضحايا الإرهاب، وتقديم كل اشكال الدعم المعنوي و المادي لها تقديرا للتضحيات الكبيرة التي قدمتها من اجل العراق.

- في المقابل هناك حاجة لاتخاذ اجراءات جدية من شانها استعادة و تعزيز التلاحم الوطني، من خلال مراعاة حقيقة ان الـمأساة الوطنية التي سببتها العمليات الارهابية طـالت عموم ابناء شعبنا، واعاقت بناء الوحدة الوطنية ، و مسّت بشكل مباشر أو غير مباشر حـيـاة الـملاييـن من الـمواطنيـن. لذا فان الواجب الوطني يحتم تجنب نشوء الشعور بالإقصاء في نفوس الـمواطنيـن غير الـمسؤوليـن عـما أقدم عليه ذووهم من خروج على الدولة والقانون. كما ينبغي للمصالحة الوطنية ان تولي اهتماما للاسر التي كان لاعضاء منها ضلع في ممارسة الارهاب، كذلك اتخاذ تدابير التضامن الوطني لصالح المحتاجين من الأسرالمذكورة، التي عانت من الإرهاب جراء تـورط ذويها .

- مواصلة الخطى على طريق العفو عمن لم تثبت إدانتهم، ومنع أية إجراءات لحرمان المواطنين من فرص التعيين أو الترقي الإداري وعلى وفق مفاهيم المحاصصة الطائفية المقيتة ولاعتبارات غير مشروعة، ورعاية المهجرين والعمل على إعادتهم الى أماكن سكنهم التي هجروا منها قسرا، وتأمين حياتهم وممتلكاتهم.

وبعد اثنتى عشرة سنة من التغيير، وهي فترة طويلة نسبيا، بات من الضروري استيعاب العناصر الوطنية في اجهزة الدولة من الجيش السابق والشرطة.

- وجوب تعزيز الانسجام والتنسيق بين مواقف الرئاسات الثلاث، وفي ادائها الخاص بموضوع المصالحة الوطنية.

- ضبط الخطاب والتوجهات في علاقاتنا الخارجية والاقليمية والدولية لمنع التدخل الخارجي في شؤون امننا الوطني.

- ضبط ادارة المعارك مع داعش والتحكم المتواصل في الاختراقات والممارسات الجانبية المؤذية.

- توجيه رسائل تطمين إلى ابناء المناطق المكتوية بنار داعش ، ومد الجسورنحوهم، وتشجيع روح المقاومة المتنامية في صفوفهم.

- تبديد قلق ابناء المناطق التي تتحرر من قبضة داعش ومخاوفهم من الوقوع تحت أي تهديد، أيّا كان مسماه، وضمان سلامتهم مع ممتلكاتهم وبيوتهم. ويستوجب ذلك ايضا البحث وعلى نطاق عالمي في اعادة اعمار هذه المناطق وتحريك العجلة الاقتصادية بزخم اكبر فيها.

- مواصلة تحسين العلاقة مع اقليم كردستان والمحافظات.

- ضرورة خلق الظروف والأجواء اللازمة لتفعيل المساهمة الشعبية وتعبئة الجماهير، وتحويل المصالحة الوطنية الى تيار شعبي وطني جارف.

ويمكن للمنظمات الجماهيرية والشعبية أن تساهم في تقريب وجهات النظر بين الأطراف المختلفة وتقليل الاحتقان الطائفي، من خلال فتح قنوات اتصال وتواصل مع أبناء الشعب الواحد عن طريق منافذها المؤثرة داخل المجتمع.

وكما بينت التجربة فإن أي تلكؤ أو خضوع لفعل العراقيل أو المعوقات، وهي كثيرة، سيؤثر سلبا على إنجاز المصالحة وتمتين الوحدة الوطنية. فالحاجة ماسة الى اجراءات شجاعة وجريئة لتذليل الصعاب ولضمان المشاركة الفعلية للجميع في صنع القرارات المصيرية، بدون إبطاء وبقناعة.

ان تحقيق المصالحة الوطنية وترسيخ أسسها ونشر معانيها، وإعادة صياغة العلاقات الوطنية بين القوى السياسية المعنية بأمن واستقرار العراق وبنائه الديمقراطي، ليسا مهمة الحكومة وحدها، وإنما هي مهمة أساسية ورئيسية لكل الأحزاب والقوى السياسية ولجماهيرها ولكل مواطني بلدنا. ولهذا فان كل مواطن ومواطنة مدعوون إلى الإسهام في تـوطـيـد الوحدة الوطـنية والارتقاء بالشخصية والهوية والثقافة الوطنـية و تعزيزها، من خلال إحياء مآثر النضال الوطني و النـهوض بالـجوانب الثـقـافـيـة و الروحية والحضارية للشعب.

أخيرا علينا الا ننسى التضحيات الجسام التي قدمتها قواتنا العسكرية والامنية وقوات الحشد الشعبي والبيشمركة وابناء العشائر، الذيـن قاتلوا بصبر وحزم في مواجهة فلول الارهاب وتنظيماته الاجرامية، وقدموا تضحيات جسام في مواجهة فلول الظلام والعدوان. ولا بد من انصاف اسر هؤلاء الابطال، مثلما يتوجب انصاف اسر ضحايا العمليات العسكرية وتوفير مستلزمات الحياة الكريمة لهم.

تبقى المصالحة الوطنية الطريق الامثل لانتشال بلادنا من الازمات التي تحيق بها.

ختاما تقبلوا اطيب تحياتنا

الحزب الشيوعي العراقي

14 نيسان 2015

  كتب بتأريخ :  الثلاثاء 19-05-2015     عدد القراء :  2079       عدد التعليقات : 0