الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
رسائل جاسم المطير (19) إلى وزير العدل السيد حيدر الزاملي المحترم

لكم مني سلامي وتحيتي من مدينة العدل والقانون ، لاهاي الهولندية ، التي يتسابق فيها مواطنوها إلى الدفاع عن (العدل) وتطبيقه في كل خطوة من خطوات السعي الى الحرية والديمقراطية حيث يعترفون أن (العدالة) انسكبت عليهم من الأدب العربي القديم ومن التراث العربي الانساني كله، رغم أن (العدل) لا يتألق، الآن،  في أي بلد عربي ، مع الأسف ، حتى في عراق حمورابي ، بلد  القانون الأول على وجه الأرض حيث  صار فيه الفاسدون أجلافاً شرسين أقوى من الشرطة وأعلى من القضاء الجنائي.  

تعطينا الرؤية الكلية أن (العدل) غير موجود في أرض العراق، لا في دماء المسئولين ولا في تفكير قادتهم . بمعنىً من المعاني أنكم ،يا سيادة الوزير،  تشغلون منصب وزير لا يشعر بالغبن والحيرة لأن (العدل) في بلادنا غائب عن الواقع والحقيقة .

اسمحوا لي ،يا سيادة الوزير، أن اعيد عقارب ساعات الزمان إلى وراء لتذكيركم في رقةٍ وودٍ بما روي، في التاريخ القديم،  عن أبن عباس المؤرخ الاسلامي حين تخفّى ذات يوم ملك من ملوك العرب بملابس بسيطة  ليزور رجلاً عنده (بقرة حلوب) . أعجب الملك  بها وبنظافتها  وبكثرة حليبها. ثم حدّث نفسه أن يأخذها من صاحبها. لكنه تفاجأ ، في اليوم التالي، بخبر نقصان حليبها الى النصف،  فسأل الملك أحد مساعديه:  هل رعت البقرة في غير مرعاها الاعتيادي..؟  قيل له:  لا.. لكنكم يا سيدي الملك حين قررتم اخذها  نقص لبنها حالاً لأن أي همة بالظلم تذهب بركة الانتاج ويذهب العدل كله..!

ترى هل أن غياب بركات (العدل) قد اختفت من بلادنا بسبب ظلم الحاكمين والقادة الجدد أو بسبب قراراتهم  سلب حقوق الناس في حليب أبقارهم ..؟

حقوق الناس العراقيين ضائعة ، كما هو واضح  لكم ، يا سيادة الوزير،  ولجميع العراقيين الفقراء،  خصوصاً الذين لا يملكون نفوذاً أو وسطاء أو مالاً لتحقيق قضاياهم العادلة.  بمعنى أن (العدل) ضائع، لا وجود له في بلادنا.  فالعدل، كما قال أرسطو ركن اساسي من اركان العلاقات الانسانية  وإذا ضاع (العدل) تضيع (الدولة) حيث وضع ارسطو تعريفه بقوله : ( العدل سياج الدولة وبستانها الجميل).

يقال في التاريخ العراقي الحديث : أن السيد محسن أبو طبيخ وهو من القادة السياسيين الوطنيين  من هواة  تربية الخيول العربية الاصيلة ، التي كان يوليها عناية خاصة وقد اعد لها من يتولى امرها على افضل وجه .

ذات يوم قصده الملك فيصل الاول في أثناء جولته في المحافظات الجنوبية ومروره ببلدة (غماس) حيث يعيش فيها السيد محسن ابو طبيخ وفيها مضيفه ومزارعه.  في ذلك اليوم استضافه السيد  وقد اعجب الملك بأحد خيوله ، مما دعا السيد محسن أن يرسل، في اليوم التالي،   الحصان مع مربيه (عبد الفهد) بصحبة ابنه (مشكور) الى بغداد ليقدم  هدية الى جلالته في البلاط الملكي.   سرّ الملك بالغ السرور من رؤية الحصان فقدّم ساعته الذهبية هدية الى السيد مشكور ، الذي كان يومها طالبا في المدرسة الاعدادية. كما قدّم لمربي الحصان هدية تتكون من ملابس عربية (دشداشة وعقال وكوفية وعباءة) ثم استدعى الملك مصوره الخاص (أرشاك) حيث اخذ للملك صوراً متعددة بالملابس العربية وهو يمتطي ذلك الحصان . اعطيت الصور إلى النحات الايطالي الشهير (بيانرو كانونينا) الذي صنع تمثالاً برونزياً للملك فيصل  الاول عام 1932 تم نصبه في الصالحية بجانب الكرخ يوم 30 ايار عام 1933.

قال أحدهم تعقيباً على هذه الرواية أن الملك فيصل الاول أراد أن يظهر رجحان العقل  والفضل وأن يصحب ايامه وعلاقاته بـ(العدل) فقد واجه هدية أبو طبيخ بهدية مماثلة مجاملة . كما عاملَ (الحصان) أيضاً،  بنوع من نعمة العدالة، بالتصوير والنحت والخلود، في إحدى ساحات بغداد كي يكون  مخلوقا سعيداً..!

هل يحف وزارتكم ،يا وزير العدل، نوع من الحرص على حقوق المواطنين العراقيين ليكونوا مخلوقات سعيدة ، أيضاً ، يتوقف منهم  نزيف دمٍ وقهرٍ وظلمٍ ناتجٍ عن غمارٍ من صراعاتٍ سياسيةٍ تتشاتم وتتقاتل وتتصايح وتتضارب مصالحها فيضطرب فيها ويضيع  قياس الحق والعدل،  خاصة وأن وزارة اسمها (العدل) كانت  خلال عقود كثيرة من الزمان ،وفي عقدها الاخير بالذات،  منزوية في رحاب التكاسل بينما الظلم يتهادى متهدجاً مع مياه  نهري الفرات ودجلة.

العدل شيء يحبه كل الناس.. يطالب به جميع الناس ..يتمناه جميع الناس.. لا يستغني عنه أحد  فهل بإمكان وزارتكم ان تمنح شيئاً منه للشعب..؟

  كتب بتأريخ :  الأربعاء 20-05-2015     عدد القراء :  3375       عدد التعليقات : 0