الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
الفيدرالية والكونفدرالية

  يجري الحديث اليوم عن الفيدرالية واستقلال كوردستان العراق والكونفدرالية ، كما يقرن البعض على هذا الاختيار الدستوري بالتفريط بوحدة البلاد والخشية من التقسيم ، وبنفس الوقت هناك من يطالب بتقرير المصير والاختيار الحر لشعب كوردستان ، وفي نفس المعنى هناك من يطالب بأن تكون محافظات عراقية أقاليم وفقا للدستور ، لذا يترتب علينا أن نقرأ النصوص بتأني وبهدوء حتى يمكن أن نتفهم معاني الفيدرالية والكونفدرالية والاستقلالية وحق تقرير المصير .

وفقا للمادة الأولى من الدستور تكون جمهورية العراق دولة اتحادية ، وفي المادة ( 109 ) أن تحافظ السلطات الاتحادية على وحدة العراق ، وسلامته ، وسيادته ، ونظامه الديمقراطي الاتحادي .

وأقر الدستور الذي وافقت عليه الأغلبية من العراقيين وأضحى نافذا أن يكون إقليم كوردستان وسلطاته القائمة حينها ، أقليما اتحاديا ، كما أقر الدستور بموجب المادة ( 141 ) الاستمرار بالعمل وفق القوانين التي تم تشريعها في الإقليم منذ عام 1992 ، وتعد تلك التشريعات والقوانين والأحكام نافذة المفعول .

كما نصت المادة السابعة من دستور إقليم كوردستان العراق على حق شعب كوردستان في تقرير مصيره بنفسه ، وأنه اختار في حينها وبإرادته الحرة أن يكون أقليما ضمن الدولة العراقية الاتحادية ، طالما التزم العراق بالنظام الاتحادي الديمقراطي البرلماني التعددي وبحقوق الإنسان الفردية والجماعية ، ووفقا لما نص عليه الدستور الاتحادي .

ومن يدقق في المادة الأولى من الدستور يلحظ تعبير ( الدولة الاتحادية ) والتي تعني الدولة المتشكلة وفق نظام الفيدرالية ، وهذا النظام يشكل الاتحاد الاختياري بين الأقاليم والمحافظات التي لا ترتبط بإقليم ، ويأخذ شكل الاتحاد بين كيانات دستورية نظم الدستور اختصاصاتها ، والاتحاد الفيدرالي يعني الاتحاد بين شعوب وقوميات بناء على وجود مشتركات ، وأن هذا الاتحاد الاختياري لايمكن أن يلغي حق أي طرف من الأطراف في تقرير مصيرها في حال إنها أرادت ذلك ، وفي حال تلمسها عدم ضرورة بقائها ملتزمة ومستمرة ضمن الاتحاد ، وفي حال وجدت أنها بهذا التخلص من الالتزام والارتباط تحقق طموحها وإرادة شعبها في الاستقلال ، أي أن هذا الاتحاد لايمكن أن يسلب حرية الإرادة والاختيار ولايمكن أن يلغي الطموح بأي حال من الأحوال ، ولذلك فأن رغبة وحرية الشعوب في تقرير مصيرها واستقلالها حق لم يزل معترفا به دوليا وقانونيا بشرط أن يشكل هذا الاختيار تعبيرا عن أرادة الشعب .

بينما تعني الكونفدرالية الدولة الاتحادية نفسها إلا أنها تكون بين اتحادا بين دولتين أو عدد من الدول التي تتمتع كل منها باستقلالية ، هذه الدول وجدت أن ترابطها وتوحدها ضمن الدولة الاتحادية يشكل لها ضمانة لمصالح شعبها في كافة المستويات ، ويتم تفويض هيئة مشتركة منها لبعض صلاحياتها ضمن كيان الدولة الاتحادية التي تتشكل من انضمامها تلك الدول المستقلة . وتتمتع كل دولة من هذه الدول بشخصيتها القانونية ومركزها الدولي .

وكلا النظامين الدستوريين الفيدرالي أو الكونفدرالي هما من أشكال أنظمة الحكم والعلاقة بين البلدان ،

كما أن الرغبة في البقاء والاستمرار لا تتعلق بموافقة بقية الأطراف ، حيث أن الدساتير كفلت الحق في الحياة والأمن والحرية ، كما أن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان تضمن وفق المادة الثانية منه على ان لكل إنسان حق التمتع بكافة الحقوق والحريات الواردة في هذا الإعلان، دون أي تمييز، كالتمييز بسبب العنصر أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الرأي السياسي أو أي رأي آخر، أو الأصل الوطني أو الاجتماعي أو الثروة أو الميلاد أو أي وضع آخر، دون أية تفرقة بين الرجال والنساء. وفضلا عما تقدم فلن يكون هناك أي تمييز أساسه الوضع السياسي أو القانوني أو الدولي لبلد أو البقعة التي ينتمي إليها الفرد سواء كان هذا البلد أو تلك البقعة مستقلا أو تحت الوصاية أو غير متمتع بالحكم الذاتي أو كانت سيادته خاضعة لأي قيد من القيود.

بالإضافة إلى أن حق تقرير المصير متفق عليه بإجماع العقل المتمدن والمتطور ضمن اللوائح والأنظمة والاتفاقيات الدولية ، وأصبح جزء مهم من قواعد القانون الدولي ، وهو يشكل وفقا للقانون الدولي شكل السلطة التي يريدها شعب ما ضمن حقه في إرادته الحرة بشكل مستقل .

ولعلنا نعيد للذاكرة ما اورده العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية المقترن بقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة المرقم 2200 في 16 كانون الأول 1966 والنافذ اعتبارا من 23 آذار1976 وفق ما ورد في الجزء الأول كما يلي :

1. لجميع الشعوب حق تقرير مصيرها بنفسها. وهي بمقتضى هذا الحق حرة في تقرير مركزها السياسي وحرة في السعي لتحقيق نمائها الاقتصادي والاجتماعي والثقافي.

2. لجميع الشعوب، سعيا وراء أهدافها الخاصة، التصرف الحر بثرواتها ومواردها الطبيعية دونما إخلال بأية التزامات منبثقة عن مقتضيات التعاون الاقتصادي الدولي القائم على مبدأ المنفعة المتبادلة وعن القانون الدولي. ولا يجوز في أية حال حرمان أي شعب من أسباب عيشه الخاصة.

3. على الدول الأطراف في هذا العهد، بما فيها الدول التي تقع على عاتقها مسئولية إدارة الأقاليم غير المتمتعة بالحكم الذاتي والأقاليم المشمولة بالوصاية، أن تعمل على تحقيق حق تقرير المصير وأن تحترم هذا الحق، وفقا لأحكام ميثاق الأمم المتحدة.

وحين نقرأ تلك الوثائق علينا أن نحترم رغبات الشعوب وإرادتها الحرة ، وعلينا أن نتفهم أيضا أن جميع الخيارات السياسية والدستورية لايمكن ان تفرض على الآخر ، إنما يجب أن تكون مبنية على القبول والرغبة في الاستمرار والثقة والمصالح المشتركة ، علينا أن نحترم حرية الآخر مثلما علينا أن نحترم حقوقنا وحريتنا والمباديء العامة لحقوق الإنسان .

zouher_abbod@hotmail.com

  كتب بتأريخ :  الخميس 21-05-2015     عدد القراء :  3465       عدد التعليقات : 0