الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
عودة إلى فكر البعث والإسلام السياسي والطائفي المتشدد: أياد السماوي نموذجاً (2)

   البحث والتدقيق والأمانة هي بعض من مميزات الإعلامي الشريف

   كان السياسي العراقي والعضو القيادي في حزب الأحرار سعد صالح ووزير الداخلية في وزارة توفيق السويدي في الفترة بين شباط/فبراير وحزيران/يونيو 1946 يؤكد دوماً بأنه يثق تماماً بما تنشره جريدة القاعدة، وكانت لسان حال الحزب الشيوعي العراقي حينذاك، لأنها لا تنشر خبراً دون أن تتيقن من صحته وصدقيته تماماً. وقد كان هذا ديدن الصحفيين أو الإعلاميين كافة وفي كل مكان عموماً الذين يحترمون أنفسهم ومهنتهم وقراؤهم في آن واحد ولا يقدمون لهم معلومات خاطئة ومزيفة يراد بها تشويه سمعة هذا الشخص أو ذاك الحزب أو تلك المؤسسة. والسؤال الذي واجهني وأنا أقرأ مقال السيد أياد السماوي: هل هذا الشخص الذي يدير موقع "المنتدى الإعلامي العراقي الحر" قد التزم بمعايير وأخلاق مهنة الصحافة العراقية والإعلاميين الحريصين على حرية ومسؤولية الكلمة؟

   سأحاول في هذا المقال تناول بعض المسائل التي أثارها السيد أياد السماوي والتي اعتبرها تجاوزاً على تلك المعايير، ومنها الأخلاقية، وعلى القارئات والقراء الكرام أن يصنفوا موقعه المناسب.

   1. موضوع النفط المستخرج والمصدر من قبل حكومة إقليم كردستان العراق

   ** لقد كنت وما زلت واضحاً في موقفي من موضوع النفط العراقي باعتباره ملكاً لكل الشعب العراقي بكل قومياته، تماماً كما هو مثبت في الدستور العراقي الجديد (2005)، وإن هذه الثروة يستوجب أن تدار من الحكومة الاتحادية، وهذا لا يعني إغفال دور الإقليم في المشاركة من خلال وجود وزراء الإقليم في الحكومة المركزية ووزارة الموارد الطبيعية بالإقليم، إضافة إلى أهمية وضرورة وجود قانون يشرع في مجلس النواب العراقي ويصبح ملزماً للجميع. ومثل هذا القانون غير موجود حتى الآن، ولكن كانت هناك اتفاقات جرى الإخلال بها من قبل الحكومة الاتحادية وحكومة الإقليم. وحين نّشرَ السيد رئيس حكومة الإقليم نيجرفان بارزاني مقالاً في جريدة "وول ستريت جورنال" يؤكد صواب توقيع حكومة الإقليم على تلك العقود مع شركات النفط الأجنبية، نشرت مقالاً واضحاً انتقدت فيه موقف الإقليم من التوقيع على تلك العقود مع شركات نفط أجنبية دون الاتفاق والتنسيق مع الحكومة الاتحادية. وأضفت إلى ذلك ضرورة نشر تلك العقود الموقعة مع الكثير من الشركات الأجنبية ليطلع عليها الشعب العراقي كله، لأن نقد بعض الاختصاصيين العراقيين في اقتصاد النفط الموجه إلى تلك العقود إنها بعيدة عن المعايير والشروط الدولية المعروفة وفي غير صالح الاقتصاد العراقي.

   ** بعد انتهاء المؤتمر الأول للتجمع العربي لنصرة القضية الكردية الذي عقد في خريف العام 2012 بمدينة أربيل التقى وفد مكون من 50 عضواً مشاركاً في المؤتمر برئيس إقليم كردستان العراق السيد مسعود البارزاني في مقر عمله بـ "سرا رش" بقضاء صلاح الدين، وكنت أترأس هذا الوفد باعتباري الأمين العام للتجمع المنتخب في المؤتمر ضم الوفد شخصيات عراقية وأخرى من الدول العربية. وكان بين المشاركين في الزيارة الأخ الدكتور مهدي الحافظ والقاضي زهير كاظم عبود والأستاذ الدكتور علي كاظم الرفيعي والأستاذ فوزي البريسم والأستاذ تيسير الآلوسي والدكتور عقيل الناصري ومجموعة من المغرب والأردن مثل ليلى شافعي والدكتور ربيع حمزة وغيرهم. وفي هذا اللقاء طرحت على السيد رئيس الإقليم ثلاث قضايا مهمة، في مقدمتها مشكلة عقود النفط الموقعة من جانب حكومة الإقليم مع شركات النفط الأجنبية. ولخصت رأيي بالنقاط التالية :

   أ) التوقيع على عقود من جانب حكومة الإقليم هو إضعاف للمفاوض العراقي وتفريط بوحدة الموقف للحصول على عقود بشروط أفضل, وهذا الانفراد في غير صالح الطرف العراقي عموماً والكردستاني خصوصاً؛

   ب) إن العقود الموقعة مع تلك الشركات تحقق لها أرباحاً عالية وعدة أضعاف ما يتحقق للشركات الأجنبية من العقود الموقعة مع وزارة النفط العراقية، وهي خسارة كبيرة لكردستان والعراق لا مبرر لها؛

   ج) وأن عقود وزارة النفط العراقية هي عقود خدمة، في حين وقعت حكومة الإقليم عقود مشاركة في الإنتاج، والصالح العام يتطلب توقيع عقود خدمة وليس عقود مشاركة، وهي في غير صالح الاقتصاد العراقي عموماً والاقتصاد الكردستاني خصوصاً. وقد شاركني في هذا العرض والنقد الأخ الدكتور مهدي الحافظ أثناء اللقاء. وهذا الموقف الواضح الذي لا لبس فيه نشر في أكثر من مقال لي بعد انتهاء اللقاء، كما نشره آخرون.

   ** في أكثر من مقال اقتصادي كتبته ونشرته في الفترة المنصرمة أشرت إلى رأيي الصريح والواضح في موضوع النفط الذي يختلف عن رأي حكومة الإقليم، ولم يكن هذا الموقف سراً إلا على من لا يريد أن يتحرى عن موقفي ويسعى لتشويهه.

   ولكن السؤال الذي كنت أطرحه دوماً هو: كيف يمكن معالجة هذه القضية الشائكة لصالح العراق كله وبطريقة ديمقراطية وبعيداً عن التشنجات التي كان يثيرها عن عمد الدكتور حسين الشهرستاني ورئيسه حينذاك نوري المالكي والتي كانت تتلقى ردود فعل غاضبة من الجانب الكردستاني؟ السؤال ليس في وجود مشكلة اسمها "استخراج وتصدير النفط الخام" من قبل حكومة إقليم كردستان العراق، بل في سبل معالجتها لصالح الشعب العراقي بكل قومياته ولصالح موقف موحد. وعلينا هنا أن نشير بصراحة ووضوح أيضاً إلى الخلل الكبير في حجم وعدد العقود الكثيرة جداً التي وقعها حسين الشهرستاني مع شركات النفط الأجنبية دون أن تكون له إستراتيجية وسياسة نفطية ضمن إستراتيجية وسياسة تنموية عراقية عامة وشاملة للاقتصاد والمجتمع والتي أصبحت تشكل اليوم عبئاً ثقيلاً جداً على الاقتصاد العراقي وعلى موارد البلاد المالية, فالمستحقات المالية التي على العراق أن يدفعها للشركات العاملة بالعراق تصل إلى 25 مليار دولار خلال الفترة القصيرة القادمة، هذا ما صرح به السيد عادل عبد المهدي وزير النفط الحالي، وكذلك ما أكده الناطق الرسمي باسم وزار النفط العراقية.

   2. حول استدعاء قوات صدام حسين في النزاع المسلح بين الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني

   لم يطلع السيد أياد السماوي على موقفي من قضية دعوة السيد مسعود البارزاني في العام 1996 للجيش العراقي لمواجه قوات الاتحاد الوطني الكردستاني التي كانت بأربيل واتهمني بأني لم أتحدث أو لم أنتقد هذا الموقف. ما يزال كتابي "لمحات من نضال حركة التحرر الوطني للشعب الكردي في كردستان العراق" موجوداً في الأسواق. وقد حصل خلاف بشأن هذا الموضوع وغيره من الموضوعات في هذا الكتاب، وفي حينها رفضت الدار نشره، فسحبته لأطبعه في دار نشر أخرى، ولكن فوجئت بطبعه كما كتبته ودون تغيير وتم نشره ويتضمن نص نقدي الواضح لهذا الموقف. وفي حينها اشترك الرفيق حيدر الشيخ علي الفيلي، وكان يمثل الحزب الشيوعي الكردستاني في البرلمان الكردستاني، هذا الموقف مع رئيس البرلمان الكردستاني حينذاك السيد جوهر نامق. وقد كتبت عن هذا الموضوع أكثر من مرة في مقالاتي، ولكن السيد أياد السماوي لا يقرأ أو لا يريد أن يعرف موقفي الصحيح، وهمه أن يكيل التهم جزافاً وعلى الناس التحري عن الحقيقة التي يهدف إلى تضبيبها!!

   من الغباء الفاحش والمرفوض في كل مكان أن ينشر إعلامي حريص على سمعته ومهنته تشكيكاً أو إساءة لمواقف كاتب أو سياسي عراقي أو أي شخص آخر دون أن يتعب نفسه في التحري عن الحقيقة. إن مثل هذا الإعلامي يسيء إلى نفسه قبل غيره أولاً، ولكنه يسيء أيضاً إلى الكاتب والقراء والقارئات. كما إن ادعاء الجهل بتلك المواقف لا يعفي الإعلامي من المسؤولية السياسية والأخلاقية على اقل تقدير.

   3. الموقف من طريق التطور اللارأسمالي

   ** في أطروحة الدكتوراه التي أنجزتها في العام 1967 عالجت الموضوع التالي: "طبيعة إجراءات التأميم في الجمهورية العربية المتحدة". وكان رأيي في هذه الأطروحة مخالفاً لرأي ووجهة نظر الاتحاد السوفييتي وبقية الدول الاشتراكية بشأن موضوعة التطور الاقتصادي والاجتماعي اللارأسمالي بالجمهورية العربية المتحدة (مصر). فعلى سبيل المثال لا الحصر كان رأي فالتر أولبريشت، رئيس جمهورية ألمانيا الديمقراطية، الذي صرح به أثناء زيارته لمصر في شباط/فبراير من عام 1965 بدعوة من رئيس مصر جمال عبد الناصر، إن مصر تسير في طريق التطور اللارأسمالي، وأكد أنه طريق التوجه الاشتراكي! وكان هذا هو موقف جمهرة من الكتاب الاقتصاديين والسياسيين السوفييت أيضاً. وقد سبب موقفي المعارض لهذه الموضوعة إحراجاً للجامعة مع حكومة ألمانيا الديمقراطية، إذ حضر إلى جلسة المناقشة السفير المصري وعدد من الباحثين والسياسيين المصريين إضافة إلى العراقيين والعرب والألمان. وكان النقاش حامياً بيني وبين المصريين، وخاصة مع الصديق المصري الفقيد الدكتور مصطفى هيكل، الذي كان يصر على إن مصر تسير على طريق التطور اللارأسمالي. وقد أكدت بما لا يقبل الشك بأن أي توجه اشتراكي أو لا رأسمالي في أي دولة من الدول النامية لا يمكن أن يتم إلا تحت قيادة الطبقة العاملة وحزبها الشيوعي، وإلا فالطريق الذي تسلكه البرجوازيات الصغيرة في كل من مصر وسوريا والصومال وأثيوبيا والعراق في حينها ليس سوى طريقاً رأسمالياً.

   ** أثناء انعقاد المؤتمر الثاني للحزب الشيوعي العراقي في خريف العام 1970 بإقليم كردستان العراق طرح الرفيق الفقيد والشخصية الوطنية والشيوعية العراقية المعروفة عامر عبد الله موضوعة طريق التطور اللارأسمالي والتي كان قد تبناها الحزب في اجتماع آب/أغسطس من عام 1964 ولفترة قصيرة، وهو الاجتماع الذي أطلق على التقرير الصادر عنه بخط أو الخط اليميني في الحزب، ثم تخلى عن هذه الموضوعة فعلاً. ولكن لم يتخل عنها بعض الرفاق من حيث كونه طريقاً محتملاً وممكناً في ظروف الدول النامية. وحين طرحها الرفيق عامر عبد الله كطريق ممكن السير فيه، قدمت مداخلة حول هذه الموضوعة ورفضتها ولم يتبناها الحزب في التقرير الصادر عن المؤتمر الثاني. هل كان هناك بعض الرفاق يعتقدون بإمكانية ولوج هذا الطريق حينذاك؟ نعم كان هناك بعض الرفاق في القيادة، وهم قلة, وفي القاعدة أيضاً، مقتنعون بهذا الطريق، ولكن لم يؤخذ بهذا الرأي على مستوى قيادة الحزب أو الحزب عموماً.

   ** في طريق العودة السرية من ألمانيا إلى العراق في نهاية العام 1964 عبر بيروت التقيت برفيقين من المكتب السياسي للحزب الشيوعي اللبناني هما كريم مرّوة وغسان الرفاعي في فندق السفير كضيف على الحزب. وكانت المهمة تسهيل سفر عبر الكويت على العراق والذي تحقق بنجاح فعلاً. وأثناء اللقاء، وكانت موضوعة طريق التطور اللارأسمالي مطروحة حديثاً في مؤتمر الأحزاب الشيوعية والمالية العالمية ، ناقشنا هذه الموضوعة واتفقنا في حينه على إنه طرح لأول مرة في مؤتمر الحزب الشيوعي في الاتحاد السوفييتي ولكنه غير ملائم لأوضاع بلداننا العربية وإن النظم البرجوازية الصغيرة في مصر وسوريا والعراق لا يمكنها أن تسير في هذا الطريق. ويسعدني أن الرفيقين هما على يدي الحياة وأتمنى لهما عمراً طويلا.

   ** ومن يرغب بالاطلاع أكثر على رأيي ورفضي لطريق التطور اللارأسمالي يمكنه العودة إلى مقالاتي العديدة التي نشرت في مجلة دراسات عربية التي كانت تصدر ببيروت في نهاية الستينيات وبداية السبعينيات من القرن العشرين، وكذلك في مجلة الطريق اللبنانية في ذات الفترة، إضافة إلى مقالين آخرين لي نشرا في مجلة الطليعة المصرية في أوائل عام 1968. وكان لي حوار طويل بهذا الصدد مع القائد والكاتب الشيوعي المصري الفقيد ميشيل كامل الذي قدم لي في حينها محاضر جلسات علي صالح السعدي مع هيئة تحرير مجلة الطليعة وفيها يعترف الأخير بأن حزب البعث جاء إلى السلطة في انقلاب شباط/فبراير عام 1963 بقطار أمريكي!

   مرة أخرى أقول إن الجهل بالشيء، إن كان ما كتبه جهلاً حقاً وليس تشويهاً للحقائق، لا يعفي الإعلامي من المسؤولية الأخلاقية على أقل تقدير.

   ** كنت أؤكد باستمرار ما يلي : إن كان هناك طريقاً للتطور اللارأسمالي فلا يمكن أن يحصل إلا في ظل سلطة الطبقة العاملة وحزبها الشيوعي أو سلطة بقيادته. وهذا يعني إن نظم البرجوازية الصغيرة والقومية، سواء أكان ذلك بمصر أم بسوريا أم بالصومال أم بأثيوبيا أم بالعراق حينذاك، لا يمكنها أن تسير في ما أطلق عليه بطريق التطور اللارأسمالي أو التوجه الاشتراكي، بل هو طريق رأسمالي بامتياز. وصدر لي كتاب في العام 1984 حين كنت نصيراً في حركة الأنصار الشيوعيين العراقيين ومسؤولاً للإعلام المركزي للحزب، وأعيد نشر الكتاب مع مقدمة واسعة بـ 50 صفحة إضافية، في العام 2008 تحت عنوان "الفاشية التابعة في العراق" وطبع في مؤسسة حمدي للطباعة والنشر بالسليمانية، وهو بحث حول النظام البعثي الفاشي بالعراق. وهذا سيكون موضوع الحلقة القادمة في نقاشي مع السيد أياد السماوي.

   وهنا أترك القارئة والقاري أن يقررا مقدار الجهد الضروري المبذول من جانب السيد أياد السماوي للتحري عن حقيقة مواقفي إزاء قضايا ثلاث جوهرية أثارها ضدي في مقاله الجديد في الرد على مقالاتي الثلاث السابقة، من جهة ومقدار صحة ومصداقية ومهنية وأمانة ما كتبه للقراء والقارئات باللغة العربية في محاولة منه لتشويه مواقفي الفكرية والسياسية.

   أعود وأكرر ما كان يقوله جوزيف غوبلز، وزير الدعاية في حكومة هتلر النازية والفاشية في الرايخ الثالث باستمرار وكان يمارسه فعلاً "اكذبوا ثم اكذبوا ثم اكذبوا، لعل بعض أكاذيبكم تعلق بأذهان الناس". وهكذا فعل السيد أياد السماوي ولم يستح! ويبدو إن هناك البعض من وعاظ سلاطين نوري المالكي الذين قدموا له معلومات كاذبة وورطوه بها و"ستأخذه العزة بالإثم" ولن يتراجع عن بغلته وكتاباته التي تميزت بالشتم والإساءة والإدعاء بالسقوط في أحضان الإقطاعيين، إنها سمات الحقد والكراهية والتفتيش كالجرذان في كل الزوايا علّه يعثر على ما يسيء به لي. تباً لمن لا يتحرى عن الحقيقة ولا يحترم مهنته وقراؤه ومن لا يعترف بالخطأ ويواصل الافتراء. وقديماً قيل بصواب "وكل إناءٍ بالذي فيه ينضح"!

  كتب بتأريخ :  السبت 23-05-2015     عدد القراء :  3456       عدد التعليقات : 0