الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
هل يدرك بعضهم معنى المفهوم الأمريكي \" فك الارتباط ؟!\"

كما يقال على الأغلب أن التاريخ خير معلم يكشف ويوضحُ الحقيقة وإن تتأخر ويمنح المثل الصالح مكانته بين الأحداث ويربط الماضي بالحاضر والمستقبل، وكي لا نذهب بعيداً نأخذ العراق السياسي كمثال نحتذي بنتائجه الإيجابية ونشخص السلبية منها، فقد اسقط النظام الملكي بالوحدة الوطنية قبل قيام الضباط الأحرار بالثورة وهي تجربة ايجابية نستلهم منها، وعندما انفرطت الوحدة الوطنية بانفراط جبهة الاتحاد الوطني نجح انقلاب ( 8 شباط الدموي 1963 ) وبدأت مأساة العراق والعراقيين لا بل أصابت المأساة المنطقة وكان واقع العراق السياسي في تنازل منذ مجيء حزب البعث العراقي للسلطة ثانية بانقلاب " سلم وتسليم " في ( 17 / تموز / 1968 ) ومن مهزلة الأمور سميّ الانقلاب بالثورة بعد ذلك وانتقل تدريجياً إلى فجيعة بعد استلام صدام حسين رئاسة الجمهورية وبدأت الكوارث والحروب تتوالى على العراق حتى احتلاله في ( 2003 ) من قبل الولايات المتحدة الأمريكية وحليفتها بريطانيا، وبدأ التطلع مجدداً إلى إعادة بناء العراق بعدما هدته الصراعات والانقلابات والدكتاتورية والحروب الداخلية والحروب الخارجية، أن يكون العراق كباقي البلدان التي استفادت من التاريخ والتجارب التي مرت بها وبدأت تبني أو تعيد ما خربته الحروب الخارجية مثل الحرب العالمية الثانية أو الحروب والتدخلات الداخلية والصراعات بين الكتل والأحزاب السياسية وبعد فترة وقفت على أقدامها لا بل تجاوزت الموروث إلى المنظور المتطور وهي عملية تفاعل وضعت مصلحة البلاد ومصلحة الشعب بشكل عام فوق المصالح الضيقة بما فيها الأحزاب والكتل السياسية واعتبر البناء واجب وطني تتكفل به كل الطاقات وفي مقدمة ذلك بناء الدولة المدنية والابتعاد عن سمة الدولة العسكرية التي كانت سبباً في الانتكاسات والتراجعات والنكوص بدلاً من التقدم والحضارة.

إن العراق بما يمثل من طيف تاريخي يشبه دول عديدة من حيث المراحل التاريخية وما ألَمَ به من دمار وخراب وتضحيات بشرية تعد بالملايين بين قتيل ومصاب ومهجر ومهاجر كان يحتاج لمرحلة بناء مماثلة وأن تتعظ القوى المتنفذة الدينية السياسية والقوى السياسية من تجارب بلدان استطاعت تجاوز الموروث السلبي لإنجاح المشروع الوطني والديمقراطي ورفض المشروع الطائفي الذي اضر وأخرَ عملية البناء والتقدم، اليوم يعيش العراق مأساة قَلَ مثيلها وعندما نقل قَلَ نعني أنهم أي القوى المتنفذة بالقرار السياسي لم تستفد من تجارب التاريخ وركبت موجة المحاصصة والتضييق الحزبي ولم ينهجوا أسلوب تطبيب الجراح وتحقيق المصالحة وعدم التفريط بالسلم الاجتماعي ووحدة الصف الوطني، لقد كان لانفراط الجبهات الوطنية وفي مقدمتها جبهة الاتحاد الوطني التي انبثقت عام (9 / آذار / 1957 ) أثر بالغ في إضعاف الصف الوطني وبعثرة القوى الوطنية والديمقراطية وتمكين الأعداء من ضرب مكتسبات ثورة ( 14 تموز 1958 ) وما لحقها من هزائم وانكسارات وكان على رأس القوى المتآمرة القوى القومية العربية والرجعية والعميلة وعلى رأسها حزب البعث العراقي مما سهل قيام - انقلاب ( 8 شباط 1963 ) الدموي وبعد سقوط سلطته عاد حزب البعث العراقي وبعض القوى المشبوهة ثانية واستلامه السلطة في ( 17 تموز 1968 ) مع العلم انه كان اضعف حزب موجود على الساحة السياسية وقد انشق عن الحزب الرئيسي الذي أعتبره حينذاك بأنه انشقاق يميني واتهمه بالعمالة وكذلك من قبل البعث في سوريا، وتحدث البعض من قادته الأساسيين عن وجود( 900 ) عضو ومؤيد لديهم لا أكثر ولا اقل وأُتهم بالتعاون مع المخابرات الأمريكية، أما القوى الوطنية والديمقراطية التي كانت مبعثرة فقد كانت أقوى منه واعتبر استلامه السلطة مرة ثانية يعود إلى بعثرة القوى الوطنية وضعف الوحدة الوطنية المتمثلة بشلل العلاقات بين القوى السياسية الوطنية،ـــــ فهل جرت الاستفادة من التجارب السابقة؟ ــــ وهل تم التخلص من عقلية الاستحواذ والهيمنة الحزبية؟ ــــ ولماذا هذا التخندق الطائفي وكأننا عدنا إلى قرون الظلام وليس القرن الواحد وعشرين؟

أن الأحداث والتطورات التي أخذت تتجلى نتائجها بعد ( 2003 ) تجعلنا نستنتج أن قوى الإسلام السياسي وأحزابه لم تستفد من التجارب السابقة التي مرت على العراق واكبر مثال هو اختيارها وان لم تقل علانية النهج الطائفي الأكثر رجعية من كل العهود السياسية السابقة بدلاً من التوجه للمشروع الوطني لبناء الدولة وإحلال المفهوم الديمقراطي في تبادل السلطة سلمياً وحل المشاكل السابقة التي أوجدها النظام الدكتاتوري وبخاصة قضية العلاقة مع الإقليم وتحسينها واستثمارها للبناء والتخلص من قوى الإرهاب والبعثيين الذين يتربصون إلى إعادة البلاد إلى الدكتاتورية، والوقوف ضد أية محاولة للتدخل في الشأن الداخلي، عندما نقول لم تستفد فنحن لا نرجم في الغيب والدلائل أمامنا واضحة، فالبلاد منذ أن تولى إبراهيم الجعفري تعيش البعثرة والاحتراب تحت يافطات وادعاءات عديدة وهي تعيش التقسيم على الرغم من عدم وجود فواصل جغرافية لكنها سياسية قبل أن تكون جغرافية، ومشاريع التقسيم التي ذكرناها وكتبنا عنها في السابق، تُغنى في أروقة الطائفيين والحاقدين على الشعب مثل الأغنية المعروفة " إن كنت ناسي أفكرك **" ونعني كما ذكرنا وقد أعدنا الأغنية بان التقسيم على الأبواب، وقد تبدو الأوضاع أكثر خطورة بالتنفيذ فها هي الأخبار تتوارد عن نوايا عديدة تشرع في دراسة مشروع تقسيم العراق وفي مقدمتها خطة " بايدن ـــ غيلب " المطروحة منذ عام ( 2006 ) تقضي بإنشاء نموذج "اللامركزية للسلطة في العراق".

هذا المشروع المطروح بدأ يأخذ اهتماماً متزايداً من قبل الإدارة الأمريكية وإن لم يعلن عنه..

أولاُ: كثر ما يتكرر على السنة قادة التحالف الوطني ودولة ائتلاف دولة القانون من اتهامات بالضد من أمريكا بأنها تدعم داعش والإرهاب ويتحالفون مع من يعلن أن أمريكا صنعت أو شاركت في صنع داعش وفي مقدمتهم حسن نصر الله رئيس حزب الله اللبناني ،بينما طائراتها الحربية تحلق فوق سماء العراق وسوريا بمئات الطلعات لتدك معاقل داعش، ومستشاريها في المعسكرات العراقية يقومون بتدريب القوات العراقية إضافة إلا ما قدمته من أسلحة وآليات ( ولنتذكر الموصل والأسلحة والهمرات والدبابات التي استولت عليها داعش الإرهاب مجرد للذكرى ) وآخرها " صواريخ AT-4 المضادة للدبابات من الولايات المتحدة الأمريكية خلال الأسابيع الأخيرة ". بينما يمتدح رئيس الوزراء والبعض من المسؤولين في الحكومة وقادة التحالف وائتلاف دولة القانون في كل ثانية إيران ومواقفها الداعمة لكتلة دون غيرها.

ثانياً: ولهذا يناقش منذ اشهر في أروقة واشنطن بشكل غير رسمي لكنه مقبول الدعوة إلى " فك ارتباط الأقاليم " مع الحكومة المركزية وتنظير حول العلاقة بين المركز والأقاليم لكي يتم تخفيف " حدة الصراع الطائفي والعرقي في هذا البلد وهو الصراع الذي لن يتبدد طالما أن هناك شعوراً لدى طائفة بأن المجموعة الأخرى مهيمنة على حقوقها" .

وهكذا يبدو أن التوجه الأمريكي بعد غسل يديها من كثرة التوصيات حول ضرورة مشاركة الجميع بدون تمييز، وبعدما أن كان إعلان تقديم السلاح مجرد إعلان لكنه بدأ يتحقق بما أطلق عليه " تقديم السلاح للسنة والكرد البيشمركة والحكومة المركزية وفق مفهوم الدول " ثم قراءة التدرج الأمريكي منذ فترة نحو المطالبة " بالجسم السياسي السليم للعراق عن طريق اللامركزية للسلطة " وهذا ما ظهر جلياً في مجموعة الدول السبع الكبار في المانيا / ميونيخ، بحضور رئيس الوزراء حيدر العبادي حيث جاء على لسان الرئيس الأمريكي أوباما يوم الاثنين ( 8 / 6 / 2015 ) بالقول " أكدتُ للعبادي ضرورة وجود برنامج سياسي يجمع الشيعة والسنة والكرد وندعو لاستقطاب (القبائل السنية ) " .

لم تكن القوى المتنفذة التي تقود السلطة تدرك مدى ليس جدية الجانب الأمريكي فحسب بل أكثرية الدول الأوربية وبخاصة المنضوية تحت قبة التحالف الدولي بأنهم يريدون إنهاء الهيمنة والاحتقان والتوجه نحو الإصلاح السياسي الذي يخدم مصالحهم أيضاً، وهناك اعتقاد لدى المجموعة الأمريكية التي ليست مكلفة رسمياً من قبل الإدارة الأمريكية ( يحتاج هنا إلى القهقهة العالية جداً .. جداً!!) "أن التوتر الطائفي يدفع بالقيادات السنية والطائفية صوب التطرف" ولهذا يجب أن يجري تغيير في السياسة من قبل القوى صاحبة القرار كي تلعب الولايات الأمريكية ككابح ومساعد لخفض " حدة التوتر الطائفي " وهنا تكمن الاستراتيجية الأمريكية في توضيح الرؤيا المستقبلية ليست البعيدة جداً حول الانفصال وقد أطلق على الانفصال " فك الارتباط للتخفيف والخداع " لاحتواء الذين يتجهون نحو تبني الطائفية بشكل مكشوف لا لبس فيه ولا مداهنة.

هل اتعظت قوى الإسلام السياسي وكل الشركاء في تقاسم السلطة عن طريق المحاصصة بعد مرور عام على سقوط الموصل أو تسليمها وبما حملته من آثار أدت إلى الاستيلاء على الرمادي؟ هل يدرك قادة التحالف الوطني بما فيهم ائتلاف دولة القانون معنى المفهوم الأمريكي الباطني " لفك الارتباط " هو يعني تخفيف الصدمة لمعنى الانفصال والتقسيم؟ وهل يدرك السيد حيدر العبادي رئيس الوزراء أن " فك الارتباط " سيكون وبالاً على الجميع وهم سيكونون في المقدمة؟ وهل تدرك القوى وقادتهم في الجانب الثاني هذا المفهوم الخطر على وحدة العراق في الوقت الراهن.. إذا لم يدركوا فعليهم إدراك الفجيعة المنتظرة التي ستطالهم لكنها في المقدمة ستطال الشعب العراقي بجميع مكوناته.

  كتب بتأريخ :  الثلاثاء 16-06-2015     عدد القراء :  3816       عدد التعليقات : 0