الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
ماذا نفعل لو ينتصر داعش؟

   هذا السؤال طرحه منذ أيام تقرير نشرته في موقعها الإلكتروني مجلة أمريكية رصينة، هي "فورين بوليسي" (السياسة الخارجية) التي صدرت لأول مرة في العام 1970.. وهو سؤال لا ينبغي الاستخفاف به أو استنكاره، فهو مؤسس على منطق.

   التقرير الذي أُعدّ بإشراف خبير الدراسات الدولية في جامعة هارفارد البروفسور ستيفن والت، برّر طرح هذه الفرضية بما وصفه "عجز بغداد عن التصدي لهجوم داعش"، و"عدم جدوى الجهود الأمريكية المبذولة في تدريب القوات العراقية"، واستنتج ان الخيار العملي لمنع داعش من الانتصار هو حصول "تدخل خارجي واسع النطاق" تشارك فيه دول عربية بعدة آلاف من المقاتلين باعتبار ان هذه الدول هي من ينتفع من دحر داعش أكثر من انتفاع الولايات المتحدة.

   تجربة التاريخ تقول أن ليس في وسع الإرهاب، مهما بلغت قوته، الانتصار على الدولة بكل إمكانياتها العسكرية والمالية والسياسية. في الجزائر هُزم الإرهاب، وكذا الحال في أفغانستان والصومال.. والعراق لن يكون الاستثناء بطبيعة الحال.

   لابدّ ان التقرير الأمريكي أخذ في اعتباره، وهو يأخذ باحتمال انتصار داعش، واقع ان التنظيم الإرهابي المتمدد على رقعة واسعة في العراق يستند الى جبهة خلفية له قوية داخل سوريا، وهذه الجبهة تمتدّ هي الأخرى الى ما وراء الحدود، حيث تركيا التي وفّرت، ولم تزل، تسهيلات لوجستية واسعة لعناصر التنظيم المتسربين عبر أراضيها، من دونها ما كان لداعش أن يبلغ هذا المبلغ من القوة والمنعة والقدرة على الانتشار السريع في سوريا والعراق، وما كان سيبدو كما لو أنه باق الى الأبد.

   داعش حقق أقصى ما يُمكن أن يحققه من التمدّد باحتلاله المناطق الغربية من العراق (السنية) ووصوله إلى مشارف أربيل وكركوك وبعقوبة والعاصمة بغداد، لكنّه عند ذلك الخط ووجه بمصدّة القوات العراقية (الجيش والشرطة والبيشمركة) التي سارعت الى إعادة تنظيم صفوفها وتحصّلت على دعم حاسم من متطوعي الحشد الشعبي، ما أتاح القدرة على إرغام التنظيم الإرهابي على التراجع. واستمرار هذا التراجع سيعني خروج داعش من المدن، لكن لا يوجد خلف المدن التي يحتلها الآن سوى الصحراء، وفي الصحراء لا يمكن لحركة مسلحة أن تستمر.

   داعش أنجز انتصاره على القوات المسلحة العراقية لأسباب تتعلق بالدرجة الأساس بسوء بناء هذه القوات في العهد الجديد وبسوء إدارتها وفسادها وبغياب العقيدة الوطنية لديها، فالمؤسسة العسكرية والأمنية أُخضِعت الى القواعد نفسها التي قامت عليها العملية السياسية، أي قواعد المحاصصة الطائفية والقومية.

   انتصار داعش، أو بقاؤه في المناطق التي يحتلها منذ سنة، سيعني تعريض القوات العراقية والدولة العراقية والشعب العراقي إلى حالة استنزاف قاتلة، ولا خيار للعراقيين غير مواصلة الحرب ضد داعش وتصعيدها وإخراجه من المدن التي يحتلها وإلقائه في الصحراء التي لن يجد مفراً من الهرب منها الى ما وراء الحدود. هذا يتطلّب العمل الحثيث على إعادة هيكلة القوات المسلحة العراقية، أثناء ما تخوض الحرب ضد داعش، وتحديد عقيدتها القتالية الوطنية.. فقط بغياب هذا ينتصر داعش، ويتحوّل هاجس تقرير المجلة الأميركية من فرضية الى واقع حال.

  كتب بتأريخ :  الثلاثاء 16-06-2015     عدد القراء :  2865       عدد التعليقات : 0