الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
متى تبدأ غزوة الأندلس الثانية؟

   الأندلس التي بالمقالة ليست تلك التي تقع في أسبانيا، بل هي ساحة الأندلس بوسط بغداد التي أغتالتها تفجيرات الأرهاب الأعمى وكواتم عصابات الجريمة المنظمة تلك التي تعمل برعاية "الدولة" وتحت سمعها وبصرها دون أن يهتز لها جفن، كون الدولة وهي تفقد هيبتها بالكامل أصبحت جزءا من هذه العصابات وإذا أردنا توخي الدقّة فأن الدولة اليوم ليست سوى عصابة كبيرة تتحكم بالسلطة والثروة وتجيّرها لصالح عصاباتها المتعددة كي يمتد أرهابها المتنوع الى كل مفصل من مفاصل البلد والمجتمع. فللدولة "العصابة" عصاباتها المالية المهتمة بسرقة الاموال ومنها المال العام وتبييضها وتهريبها الى خارج البلد، وللدولة "العصابة" عصاباتها الاقتصادية التي تحتكر سوق المال وتعمل على تهديد قوت الناس بتلاعبها بسعر صرف الدولار، وللدولة "العصابة" عصاباتها التي تتحكم بالمشاريع الوهمية منها والحقيقية لتكون ملكا لأباطرتها أو العاملين بأمرهم، والدولة "العصابة" لها عصاباتها التي تتحرك وتتنقل بسيارات "الدولة العصابة" وباجاتها في وضح النهار لتهاجم وتعتقل وتقتل وتخطف وتسرق وتعتدي على أي مواطن أو سوق تجاري أو صحفي وأعلامي أو تجمع عمالي يطالب بصرف رواتبه المتأخرة أو تجمع طلابي يبحث عن فرص عمل، والدولة "العصابة" لها عصاباتها الاعلامية وجيش من الكتبة الذين يعتبرون أية مظاهرة مطلبية للجماهير من انها ذات طابع سياسي معاد لأحدى عصاباتها التي تتنافس فيما بينها لفرض سطوتها أكثر على الشارع، وللدولة "العصابة" عصاباتها الدينية السياسية التي تعمل على تهديد كل العاملين في المجال الثقافي غير الأسلامي وقتل الناشطين منهم والذين يشكلون خطرا على مشروعها "الثقافي" أمثال الشهيدين كامل شياع وهادي المهدي وغيرهما العشرات.

   بالأمس قامت عصابة تابعة "للدولة العصابة" قدّر عددها بخمسين رجل عصابة يستقلّون سيارات مدنية بمهاجة مقر "الأتحاد العام للأدباء والكتّاب في العراق" الكائن في ساحة الأندلس بعد غلق الشارع المؤدي لمقر الأتحاد، وقامت هذه العصابة "الدينية" في غزوتها الاندلسية الاولى هذه بأحتجاز حماية المقر التابعين لوزارة الداخلية "في لعبة مضحكة" والأعتداء على العمّال في المقر وتحطيم الكثير من أثاثه.

   وقد أصدر الأتحاد إثر ذلك بيانا جاء في البعض منه : "ان الاتحاد اذ يشجب بقوة هذا الاعتداء المخالف لكل تقاليد المجتمع الديمقراطي فانه يكشف عن المخاطر التي تهدد في المستقبل حياة وسلامة جميع العاملين في الاتحادات والنقابات الثقافية والإعلامية وبقية منظمات المجتمع المدني وحقوق الإنسان وروابط المرأة في حالة إطلاق العنان لبعض القوى والمجموعات المسلحة لتتمادى في لحظة تاريخية دقيقة نقف فيها جميعا وبمسؤولية ضد العصابات الداعشية الإرهابية التكفيرية ومن يقف وراءها".

   إن ما يثير الأستغراب في بيان الأتحاد هو إنه لازال يؤمن أو يعتقد أن هناك تقاليد ديموقراطية في البلد!، والأمر الثاني هو ظن الأتحاد من أن العصابات المسلحة والتي يسميها مجموعات لم تتمادى ويُطَلق عنانها للعبث بأمن الوطن والمواطن بعد!، والأمر الثالث هو ان غزوة الاندلس الأولى هذه تكشف وفق البيان عن خطر هذه العصابات التي ستهدد مستقبلا حياة وسلامة العديد من المنظمات! وكأن هذه العصابات لم تهدد لليوم بل ومنذ أن أستباحت تحت يافطة الدين والطائفة الشارع العراقي حياة وسلامة الناس والمنظمات المهنية بعد أن أصبحت الذراع الضاربة لأحزاب طائفية تقود السلطة، ولتهدد هذه الاحزاب من خلالها جميع منظمات المجتمع المدني والأتحادات التي تعمل بمعزل عن أملاءاتها. إن الوهم الأكبر الذي عليه مغادرة العقول هو الأعتقاد من أن هذه العصابات تعمل بمعزل عن أوامر صادرة لها من مرجعيات سياسية ودينية تتحكم بمصير ما تبقى من عملية سياسية واللتان تقودان الوطن نحو المجهول، إن الاعتقاد في ان تكون " الدولة " قادرة على لجم هذه العصابات ليس سوى سذاجة علينا طرحها بعيدا إن كنّا حريصين فعلا على سلامة منظمات المجتمع المدني والأتحادات المهنية.

   أن مهاجمة مقر الأتحاد في وضح النهار وبهذا العدد الضخم من رجال العصابات بسياراتهم وغلقهم للشارع المؤدي للمقر وبالتواطيء مع "الدولة العصابة"، يدفعنا للسؤال عن من هي الجهة التالية التي ستتعرض لمثل هذا الهجوم المدروس بعناية من قبل من يريد أن يوصل رسالة "من خلال هذا الهجوم" الى منظمات وقوى سياسية لازالت تعتبر ما يجري بالبلد "عملية سياسية" وعلينا دعمها خصوصا واننا في معركة ضد تنظيم داعش الارهابي. على القوى السياسية المعرضة لمثل هذا التهديد أن تتعظ من شعار كل شيء من أجل المعركة الذي رفعه البعثيون ومن خلاله مارسوا القمع المنظم لكل مظاهر الحياة السياسية لينفردوا بعدها وحدهم بالسلطة ولينتهي العراق الى ما هو عليه الآن. إن خوض المعركة ضد الارهاب من قبل شعبنا لا يمنح القوى الدينية الحق في فرض إرهابها على الشارع والعربدة فيه، فهذه العصابات المنفلتة من عقالها والمدعومة من مرجعيات سياسية ورجال دين تمثل أتجاه سياسي واضح المعالم في عدائه للديموقراطية والعلمانية والماركسية والألحاد "كما قال المالكي في النجف". وقوى الاسلام السياسي هذه وعصاباتها المسلحة قادرة على تحريك الغوغاء لمهاجمة أي مقر لأي حزب أو منظمة سياسية في الوقت والمكان الذي تختاره مستغلة الفوضى التي صنعتها هي وتضرب بأطنابها البلد بكل مفاصله وبتهم جاهزة .

   دعونا نتساءل هنا عمّا تبقى من عملية سياسية وعصابات داعش تحتل ثلث مساحة البلاد وتهدد خاصرة العاصمة بغداد دون أن يقدّم أي مسؤول عن هذه الكارثة الى العدالة، دعونا نتساءل هنا عمّا تبقى من عملية سياسية والأقتصاد يترنح والخزينة شبه خاوية، دعونا نتساءل هنا عمّا تبقى من عملية سياسية والمظاهرات المطلبية يتم قمعها ببقايا جيش المالكي الانكشاري المسمّى "سوات". أية عملية سياسية ديموقراطية يتم الحديث عنها و الأزمات تلف حياة الناس والبلد، عن أية عملية سياسية يتم الحديث ولازال قانون الاحزاب الذي ينظم الحياة السياسية بالبلد يعيش في قبو الطائفيين المظلم، هل هناك عاقل في هذه البلاد يستطيع أن يؤشر على نظام ديموقراطي بالعالم تحكمه الميليشيات!؟

   إن الأعتقاد مجرد الأعتقاد على أن هناك عملية سياسية وديموقراطية بالبلد والعصابات تجول في شوارع مدنه مهددة السلم المجتمعي تعتبر نوما بالعسل وستكون لها نتائج وخيمة على الأحزاب والقوى المدنية والديموقراطية التي لازالت تؤمن بأمكانية أن تقوم قوى المحاصصة وعلى رأسها الأحزاب الشيعية بتغيير الاوضاع نحو الافضل!!. إن الضربات التي وُجّهَت للقوى الديموقراطية على مر ّ تاريخ العراق الحديث وفي ظل أبشع أنظمته لن تكون سوى نزهه مقارنة مع ما سيحدث لها على يد قوى الأسلام السياسي الشيعي وعصاباتها الهمجية، هذه القوى التي تمارس عمليات الأعتداء والضرب والقتل بشكل علني وأمام وسائل الأعلام المحلية والعالمية دون خوف من رقيب أو حساب .

   إن كلمات التضامن والتنديد وتشكيل لجان متابعة لمعرفة الجناة من قبل الحكومة "العصابة" وأن حدثت ليست سوى ذرّا للرماد في العيون، فكم لجنة شكلت لليوم للتحقيق في مختلف الجرائم ولم تتوصل ولن تتوصل الى أية نتائج، وكم عصابة تبخّرت بعد أرتكابها جرائمها لتتكثف في سماء الطائفية وتمطر من جديد لترتكب جرائم جديدة؟

       شُلّت أيادي ملاكمي الأسلام السياسي الشيعي المتخلف والهمجي وهي تنهال ضربا على وجه القامة الثقافية الشاعر الشيخ الفريد سمعان.

  كتب بتأريخ :  السبت 20-06-2015     عدد القراء :  3846       عدد التعليقات : 0