الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
جدل تغيير النظام الى رئاسي

لا يتزحزح موقف من يجد له مصلحة شخصية بتحويل النظام السياسي في العراق من برلماني الى رئاسي، مهما كانت المحاججة واقعية وصحيحة، لان من يستغل مصالح العراق وموارده ويجعلها مرتعا لمكاسبه الشخصية، ومجالا لتعظيم ثرواته، عبر التسلط، وبعد كل هذا الخراب الذي عم، يكون النقاش معه غير منتج، فتجده لا يتردد في الاصرار على طرح دعوته كلما اعتقد ان الوقت مناسب لتمريرها، لكن النقاش هو في غاية الضرورة مع المواطنين الذين يتطلعون الى بلد مستقر آمن لا إرهاب يعبث به ولا فساد يستنزف ثرواته، هؤلاء الذين تولدت عندهم قناعة من ان أزمة البلد تكمن في شكل النظام السياسي القائم، أي ان سبب ما يحصل عندنا هو لأن النظام برلماني كما يعتقدون!

من المعروف أن النظام السياسي هو الطريقة التي يتم بها توزيع السلطة، وتحديد العلاقة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، واستنادا الى هذا يصنف علماء السياسية جميع النظم السياسية في العالم الى ثلاثة رئيسية: الرئاسي كما في الولايات المتحدة، والبرلماني كما في بريطانيا، ونظام الجمعية كما في سويسرا. وفي حالة الأخذ ببعض ميزات النظام الرئاسي ومثيلاتها من النظام البرلماني فإن النظام الناتج يطلق عليه تسمية النظام شبه الرئاسي كما في فرنسا. ويتحدث علم السياسية انه ليس هناك نظام جيد ونظام سيء، وانما يتم تحديد شكل النظام وفقا لطبيعة الأوضاع السياسية والاجتماعية. وان لكل نظام من هذة الانظمة ايجابيات وسلبيات، وان نجاح النظام او فشله يخضع لعناصر عديدة، منها درجة التطور الحضاري في البلد، التعددية الاثنية والثقافية، الادارة الانتخابية وقانونها، القوى السياسية ودورها، التحديات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والامنية والثقافية التي تواجه البلد، لذا لا تصح المفاضلة دون فهم مجمل هذه العناصر.

فالنظام السياسي البرلماني العراقي قد تم إقراره في الدستور، ولم تحصل معارضة جدية حوله، وذلك لاستحضار واضعو مسودة الدستور التجربة المريرة لفترة حكم النظام الرئاسي التي دامت لغاية التغيير عام 2003، اذ اتسمت بالقبضة الحديدة والتفرد ونزعة الدكتاتورية التي ما زلنا نعيش تداعيات ارثها المقيت. فان تغيير النظام من برلماني الى رئاسي يكون بحكم المستحيل دون إجراء تعديل دستوري، كما ان تعديل الدستور يتطلب جملة من الإجراءات يصعب تحقيقها من دون توافق سياسي واسع، وهذا واضح انه غير ممكن ضمن الأوضاع المعقدة التي نعيشها. فما?هو مغزى طرح تغيير النظام الى رئاسي من قبل العارفين بكل هذه المعطيات ومآلاتها؟

يبدو ان الهدف من ذلك هو حرف أنظار المواطنين عن السبب الرئيس للازمة الحقيقة التي تدفع بالعراق الى المجهول، وبعد تصاعد النقمة على المسببين في تمكن قوى الإرهاب متمثلة بتنظيم الدولة الاسلامية ( داعش) من السيطرة على قرابة ثلث مساحة العراق، وتفشي الفساد وتمترسه في مفاصل مؤسسات الدولة، وكذلك تأثير الأزمة المالية والاقتصادية على الحياة العامة والتي كشفت فشل الرؤية الاقتصادية التي تعتمد على مورد النفط تحديدا دون تنمية القطاعات الاقتصادية الانتاجية الاخرى.

يقينا هناك نقمة شعبية تتصاعد ضد النخب المتنفذة والمتحكمة بالاوضاع السياسية في البلد، ويتصل بها ، الى جانب اسباب اخرى، ضعف اداء المؤسسات السياسية، ومنها مجلس النواب، وتواضع انجازه، يرافقها غياب الإرادة الوطنية، وفشل الادارة السياسية حتى الآن في اعتماد نمط ومنهج جديدين وعدم القدرة على ترتيب الاولويات. كل هذا، وغيره، يفرض الحاجة الى إصلاح النظام وإجراء تغيير في بنيته وطبيعته، عبر تخليصه من نظام المحاصصة المقيت واعتماد المواطنة. وهذا لا يتم بحصر السلطات بيد واحدة، انما بتوسيع المشاركة، وتمكين المواطنين سياسيا، وتحسين طرق تمثيلهم بشكل حقيقي، وعدم تغييب أصحاب مشروع المواطنة، الداعين الى بناء الدولة المدنية الديمقراطية، وتجسيد ذلك عبر تشريعات قانونية وتعديل ما هو نافذ من القوانين برؤية تعزيز المشاركة وتوسيعها، وليس حصرها بكتل متنفذة، هي سبب الازمة وادامتها، وخلق اجواء تمكن القوى الديمقراطية التي لم تتلطخ اياديها بدم العراقيين، ولم تتلوث بالفساد، بما يمكنها من ان تتمثل بحجمها الحقيقي، وهذا ممكن عبر اوسع مساهمة وطنية جدية، يسهم فيها المواطنون بوعي وحماس عال من اجل إجراء التغيير الممكن والمنشود.

  كتب بتأريخ :  الخميس 25-06-2015     عدد القراء :  3423       عدد التعليقات : 0