الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
السَّلفية الجهادية.. فكرة هدم الأهرام جادة

تحدث مرجان سالم الجوهري إلى أكثر مِن قناة فضائية، عن عزمه وجماعته على هدم الأهرام وتمثال “أبو الهول”، والجوهري قدم نفسه بأنه سَلفي جهادي، عاش بأفغانستان عشرين عاماً حتى انتهاء حكم طلبان (أكتوبر 2001)، والتقى بأسامة بن لادن (قُتل 2011) وعاش معه لسنوات، وساهم في هدم تمثالي باميان في جبال أفغانستان، وذَكر أن حكومة طالبان لم تستطع هدمهما فاستنجدت به وبجماعة ممن عُرفوا بالأفغان العرب، وذلك باستخدام المدافع والتفجيرات الهائلة (في مارس 2001)، ولم يستطع رجال الدَّين الذين وفدوا إليهم ثنيهم عن هذا الفعل.

بعد ما حصل للآثار بالموصل وتدمير مُتحفها، مع ما فيه مِن نفائس الآثار، الدالة على حضارة الإنسان بهذا المكان، لا يؤخذ حديث مرجان أو فتواه بلا اكتراث، إنما نراها ستتحول إلى فعل إن لم ترصد ويحال دون تنفيذها. كان نقاشه منصباً على فكرة تطبيق الشَّريعة بالآثار، ولما ناقشه علماء دين في ذلك وقدموا له الأدلة على أن هذه آثار مُلك للإنسانية جمعاء، تدلُّ على ثقافة الشُّعوب، ومَن ليس له ماضٍ ليس له حاضر، مثلما يُقال، وأن المسلمين الأوائل قد وصلوا إلى هذه المناطق، وأشهروا فيها الإسلام، ولم يقوموا بهدم أثر أو تمثال قديم، بما فيها هذه الأهرام وأبو الهول، فالصاحبي عمرو بن العاص (ت 42 هـ)، قد دخل مصر فاتحاً ولم يمس شيئاً من آثارها، وكانت قائمة، ليس الأهرام فقط، بل كل ما كانت تحويه الاسكندرية مِن “منارة” وغيرها.

أجاب الشَّيخ مرجان قائلاً: أولئك عجزوا عن الهدم، لأن الآلات والأدوات كانت بسيطة، والآن توفر ما يُمكن استخدامه بتدميرها! انظروا كيف يستغل مثل هذا الرَّجل التطور العلمي الإنساني، والذي هو لا دين ولا مذهب له، في تحطيم آثار حضارات سابقة، ظل يُنظر إليها بإعجاب طوال الخلافة الإسلامية، مِن الخلفاء الراشدين وحتى آخر خليفة أو سلطان عثماني. فمن أعطاه الحق في عقد النِّية على هدم أثر ما زال وجوده وفنه مِن الغوامض، وتعرض لدراسات وبحوث، وأفاد الشَّعب المصري مالياً، لأنه وجهة حضارية سياحية.

قرأت للمؤرخين والجغرافيين زكريا القزويني (ت 682 هـ)، وشهاب الدِّين النُّويري (ت 733 هـ) ما كتباه عن الأهرام، ولفت انتباهي إلى زيارة الخليفة عبد الله المأمون (ت 218 هـ) لها، وعن أمرها العجيب والعصي على الفهم، آنذاك وفي وقتنا الحاضر. قال: “وقصرت همم الملوك والخلفاء عن معرفة ما في هذين الهرمين، إلى أن ولي عبد الله المأمون الخلافة (198 هـ وتسلمها ببغداد 204 هـ)، وورد مصر. أمر بفتح واحد منها، ففُتح بعد عناء طويل، واتفق لسعادته أنه وقع النَّقب على مكان يسلك منه إلى الغرض المطلوب، وهو زلاقة ضيقة مِن الحجر الصوان الماتع، الذي يعمل فيه الحديد، بين حاجزين ملتصقين بالحائط، قد نُقر في الزلاقة حُفر يتمسك السَّالك بتلك الحفر، ويستعين بها على المشي في الزلاقة لئلا يزلق، وأسفل الزلاقة بئر عظيمة بعيد القعر، ويُقال إن أسفل البئر أبواب يُدخل منها إلى مواضع كثيرة وبيوت ومخادع وعجائب، وانتهت الزَلاقة إلى موضع مربع في وسطه حوض مِن حجر صَلد مغطَّى، فلما كُشف عنه غطاؤه، لم يوجد فيه إلا رمة بالية، فأمر المأمون بالكف عما سواه” (آثار العباد وأخبار البلاد، ونهاية الأرب في فنون الأدب). معلوم عن الأهرامات أنها كانت مقابر، وأن هذا الطَّريق الذي سلكه المأمون لعله نفسه الممر، الموجود حالياً، تحت الهرم الكبير، الذي يوصل إلى فضاء تعلوه قبة داخل الهرم، بعد مسير ينحني الإنسان فيه لضيقه.

لعلَّ هناك مَن هدد بهدم الأهرام قبل مرجان الجوهري، وذكرنا له تجربة بأفغانستان بمثل هذا الفعل، لكنَّ تهديده لا يؤخذ على محمل الهزل، فلو استمر الحكم بمصر للإخوان والسلفية الجهادية ماذا يُعطل عن هدم الهرم؟ مثلما فعلت طالبان بتمثالي باميان، وكانا يدران عملة وثروة للاقتصاد الأفغاني، وها هما كانا موجودين طوال تاريخ الإسلام والمسلمين، ولم يتحول أهل أفغانستان عن إسلامهم، ولا أهل مصر مِن المسلمين والمسيحيين عن دينهما، بسبب وجود الأهرامات وأبو الهول. قيل الكثير في الهرم لعظمة بنائه، وهو فخر المنطقة وفي تاريخها أثر يدل على إنجاز هائل، حتى قيل فيه مجازاً “كلُّ بناءٍ يُخاف عليه مِن الدّهر إلا هذا البناء فإني أخاف على الدَّهر منه”، وقيل أيضاً: “هرم الدَّهر وهما لا يهرمان”!

على ما يبدو هناك، حول الأهرام، كان هناك تطور علمي، تشير إليه أخبار ذلك الزَّمان، و تنبئ به الأدوات الإلكترونية، كفتح الأبواب مثلاً، فالبيوت كانت على أسماء الكواكب، وكلها ذات أبواب مقفلة، وعند كل بيت تمثال مجوف إحدى يديه على فيه، وفي جبهته كتابة بخط المسند إذا قرئت فتح التِّمثال فاه، حيث يوجد مفتاح قفل تلك الدَّار (نهاية الأرب)، صحيح أن ماتقدم في لغة الماضين لسحر، لكنه يعبر عن حلم بإنجاز تقني، بما نراه من فتح الأبواب بإشارة الريموت، عن طريق الصوت أو اللمس.

كذلك يذكر التَّاريخ وجود تمثال أبو الهول، وحسب النُّويري أن التَّسمية جاءت مِن العامة. كان “القبط يزعمون أنه طلسم للرَّمل الذي هناك لئلا يُغلب على أرض الجيزة” (أثار العباد وأخبار البلاد). أي حاله حال خيال المآتا في الحقول الحامي للزروع مِن عبث الطُّيور.

لم يكن صاحبنا مرجان هو الأول الذي يريد تدمير هذه الآثار، فينقل تقي الدِّين المقريزي (ت 845 هـ) أن صوفياً اسمه محمد صائم الدَّهر اجتهد “لتغيير أشياء من المنكرات، وسار إلى الأهرام وشوّه وجه أبي الهول وشعثه، فهو على ذلك إلى اليوم” (المواعظ والاعتبار)، وهذا دليل أن المسلمين لو أرادوا لشوهوا ودمروا أبو الهول، ولا ينتظرون مرجان يشوهه بمدفع أو بمادة متفجرة.

أرى فكرة محو أثر مثل الأهرام بهدمها، على رقي البناء وما مرَّ عليها مِن آلاف السنين، مخيفة. لأنها تأتي في زمن ضاع فيه العقل والقيم، وما جرى مِن أفعال داعش في الإرث الحضاري العراقي يجعلنا لا نغفل فتوى هدم الأهرام وتحطيم “أبو الهول”، وأجمل ما قال فيها وهي منتصبة قرب النِّيل الظَّافر الحداد الأسكندري (ت 529 هـ): “تأمّل هيئة الهرمين واعجب/ وبينهما أبو الهول العجيب/ كمثل عمارتين على رحيل/ لمحبوبين بينهما رقيب/ وماءُ النِّيل تحتهما دموعٌ/ وصوت الرِّيح عندهما نحيب”(آثار العباد وأخبار البلاد).

  كتب بتأريخ :  الأحد 05-07-2015     عدد القراء :  3645       عدد التعليقات : 0